ينشغل سوق الذهب محليًا وعالميًا بسؤال الأسعار، بعد المستويات القياسية التي تم تسجيلها منذ إعلان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عزمه خفض وشيك لأسعار الفائدة.
شهد الذهب عامًا استثنائيًا بعدما ارتفع السعر بالدولار الأمريكي بنسبة 12% خلال النصف الأول (يناير ـ يونيو)، بحسب المجلس الذهب العالمي، الذي قال إن ذلك النمو “المذهل” فاق معظم فئات الأصول الأخرى، خاصة سوق الأسهم.
استمد المعدن الأصفر بريقه العام الحالي من اعتباره ملاذًا للتحوط ضد التضخم واستثمار آمن خلال فترات الركود الاقتصادية. ولا تزال هذه الرؤية مستمرة، إذ يحتفظ غالبية المستثمرين بمكان له في محافظهم طويلة الأجل.
تحرك الذهب، عالميًا، إلى مستوى 2504 دولارات للأوقية، مدفوعًا بعمليات الشراء المستدامة من البنوك المركزية، والطلب القوي من المستهلكين في آسيا، والديون العالمية المتزايدة باستمرار، والخوف من خفض قيمة العملة وعدم اليقين الجيوسياسي المستمر الواضح.
يقول تشو ماوهوا، المحلل ببنك “تشاينا إيفربرايت”، إن هناك عدة عوامل عززت معنويات سوق الذهب وساهمت في ارتفاعات الأسعار الجديدة، بينها المخاوف بشأن الأوضاع الجيوسياسية، والتوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى.
ويقول مجلس الذهب العالمي، إن صافي مشتريات البنوك المركزية العالمية من المعدن الأصفر بلغ 33 طنًا في أبريل الماضي، وسط عمليات شراء واسعة النطاق من العديد من بنوك الأسواق الناشئة، خاصة تركيا التي رفعت احتياطياتها إلى 578 طنًا.
ومن بين الاقتصادات الكبرى، يتفاعل الذهب سريعًا مع تحركات الاقتصاد الأمريكي؛ ليرتفع لمستوى قياسي بمجرد تصريح جيروم باول، رئيس البنك المركزي الأمريكي، بأن الوقت حان لبدء خفض أسعار الفائدة التي تسببت في الضعف الأخير في سوق العمل، ما تسبب في تراجع الدولار قرب أدنى مستوياته في 13 شهرًا.
الذهب محليًا.. أي التأثيرات أقوى؟
وفقا لـ”أليجينس جولد” للاستثمار، فإن التوقعات بخفض أسعار الفائدة قد تدفع الذهب إلى نطاق بين 2550 و2600 دولار. ومن المرجح أن يواصل الارتفاع قبيل اجتماع مجلس الاحتياطي في سبتمبر.
على الصعيد المحلي، ارتفعت أسعار الذهب ليبلغ سعر الجرام عيار 14 إلى 2293.25 جنيه، و18 إلى نحو 2948.5 جنيهًا، و21 إلى نحو 3440 جنيهًا و24 إلى نحو 3931.5 جنيهًا.
يتحكم في أسعار الذهب محليًا مؤشران؛ أولهما سعر الأوقية بالبورصة العالمية، والثاني هو سعر الدولار، وبالتالي حال ارتفاع أي منهما تصعد الأسعار.
ويفسر وصفي واصف، رئيس الشعبة العامة للمصوغات والمجوهرات، وضع سوق الذهب محليًا بأنه يعيش حالة ترقب، ذلك لأن التأثير الكبير على أسعار الذهب بمصر أصبح مرتبطًا أيضًا بالتوترات الجيوسياسية بالمنطقة، وتحديدًا حرب غزة، ومخاوف امتدادها للبنان.
اقرأ أيضًا: البورصة المصرية تنضب من الشركات الكبرى.. وتلكؤ في طرح بدائل
ومن هذا المنطلق، يرى “وصفي” تأثير قرار البنك الفيدرالي الأمريكي على سوق الذهب المحلي أقل من التوترات الجيوسياسية، على عكس النصف الأول من العام الذي كان التأثير فيه تحريك أسعار الدولار بالبنوك.
توقعات متضاربة لمستقبل الاستثمار بالذهب
رغم تأكيده بأن الذهب يزيد في كل عام بنسبة 30%، ينصح رئيس الشعبة العامة للمصوغات والمجوهرات بعدم الاستثمار فيه إلا بالفائض من الأموال، كجزء من المحفظة الاستثمارية وليس المحفظة ذاتها؛ إذ لا يخلو الذهب كأداة استثمار من العيوب وفي مقدمتها عدم إدرار دخل أو أرباح إلا عند البيع، على عكس العقارات التي يمكن أن توفر عوائد من دون بيعها عبر الإيجار، وكذلك تأثر الذهب بانخفاض التضخم؛ فالعلاقة بينهما طردية، أي كلما ارتفع التضخم زاد الذهب والعكس صحيح.
يتوقع ياسر سعد، خبير صناعة الذهب، تجاوز سعر الذهب حاجز الـ 4500 آلاف جنيه، مع حالة التوترات التي يشهدها العالم بحربيّ أوكرانيا وغزة، فضلًا عن ملف الانتخابات الأمريكية.
وبحسب “سعد”، فإن تلك التوترات وارتفاع التضخم عالميًا كسرا العلاقة العكسية بين الذهب والدولار، فأصبح من الممكن حاليًا ارتفاع الاثنين معًا، على اعتبار أن المعدن النفيس هو العملة الوحيدة التي لا تسقط.
وتوجد أكثر من طريقة للاستثمار بالذهب ما بين الذهب التقليدي ومشتقات الذهب وصناديق الذهب المتداولة وصناديق الاستثمار المشتركة، وأسهم تعدين الذهب عن طريق البورصة الفورية.
تقول رانيا جول، كبير محللي الأسواق في شركة “إكس إس” لتداول الأوراق المالية، إن أسعار الذهب حاليًا مبالغ فيها بشكل كبير ولا يمكن أن تتجاوز 2700 دولار للأونصة الواحدة، قبل الانتخابات الأمريكية، والأرقام الحالية تعبر عن مستويات ركود وتخوف لأداء الاقتصاد العالمي.
الذهب.. من الزينة للاستثمار
كان 99% من المواطنين يشترون الذهب للزينة، إلا أن هذا الوضع اختلف بعد جائحة كورونا، وتحول كثيرون إلى شراء السبائك والمشغولات الجديدة، خاصة مع مبادرة إعفاء الذهب من الرسوم الجمركية للمصريين العائدين من الخارج، بغرض الاستثمار والتحوط، حسب ما يؤكده التجار.
في 10 مايو، تبنت الحكومة مبادرة إعفاء جمركي للذهب بالأشكال نصف المشغولة والمعدة للتداول النقدي والحلي والمجوهرات وأجزائها من معادن ثمينة أُخر، وإن كانت مكسوة أو مشغولة بقشرة من معادن ثمينة، والواردة للمنافذ الجمركية، صحبة الركاب القادمين من خارج البلاد من الضريبة الجمركية والرسوم الأخرى، فيما عدا الضريبة على القيمة المضافة.
وقد اتجه المستثمرون المحليون إلى شراء الذهب رغم المستويات المرتفعة مدفوعين بتوقع أن الأسعار مرشحة لمزيد من الارتفاع، مما أدى إلى زيادة الطلب وارتفاع السعر محليًا بصورة أعلى من المستوى العالمي.
وعدّلت بعض شركات الذهب الكبيرة مستهدفها السنوي لأسعار الذهب، فبينما رفعته “إيرا جولد” إلى 2612 دولارًا للأونصة، قالت منصة “آي صاغة” إن الأوقية مرشحة لمزيد من الارتفاعات التي تؤهلها لمستويات الـ3000 دولار العام المقبل.
ولا تنصح “إيرا جول” بشراء الذهب عند المستويات الحالية، فبعد الانتخابات الأمريكية سنرى انخفاضًا وهبوطًا حادًا، وقد يكون عنيف لسعر للذهب، وربما يهبط لـ2000 دولار للأونصة أو 1800 دولار، وهي مستويات الدعم الرئيسية.