كتب الحقوقي وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني" نجاد البرعي" على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) مطالبًا مجلس النواب بالتريث وعدم التعجل في نظر التعديلات المقترحة على قانون الإجراءات الجنائية وبخاصة فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي وتأكيده أن الأمر يحتاج لعقد عدد من جلسات الاستماع لضمان الاستفادة والبناء على ما تم التوافق عليه في الحوار الوطني.
والحقيقة أن ما تفضل به الأستاذ نجاد البرعي من نصائح وما سبقه من خطوات بالغة الأهمية والقيمة والتي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي بإحالة مخرجات جلسات الحوار الوطني حول ملف الحبس الاحتياطي (9 مبادئ رئيسية - 20 توصية موضع إجماع - 4 توصيات موضع توافق جزئي) للحكومة للنظر في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها، تجعل من الهام والضروري التأكيد على عدد من المبادئ والتوجهات التي نجملها على النحو التالي:
أولاً : أن استجابة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمخرجات والتوصيات المرتبطة بالحوار الوطني تعيد صياغة معادلة الحكم في مصر لتتحول من رئيس يحكم (باسم الشعب)، إلى رئيس يحكم (بأولويات الشعب) وهو ما منح للحوار الوطني (قيمة) مضاعفة (وأهمية) موثقة بتكرار وتوالي تصديقات الرئيس على المطالب والتوصيات التي يحيلها له (مجلس أمناء الحوار الوطني) والتي ظهرت في (ثلاثة) مناسبات سابقة، الأولى باستجابة الرئيس- بعد أقل من 30 دقيقة- لمطلب الحوار الوطني بتعديل قانون الهيئة الوطنية للانتخابات بما يسمح باستمرار الإشراف القضائي المباشر بنظام قاض لكل صندوق، على الانتخابات العامة. والثانية بإحالة الرئيس لمخرجات المرحلة الأولى من الحوار الوطني ( 136 توصية عن 13 لجنة فرعية ) للحكومة لوضع جدول تنفيذي لتنفيذها وفقا للصلاحيات التنفيذية والتشريعية المخول بها رئيس الجمهورية. والثالثة، كانت هي التوصيات الخاصة بملف الحبس الاحتياطي .
اقرأ أيضاً : على الساحة "نشرة أسبوعية": قضية "الحبس الاحتياطي" تتصدر المشهد ..وأزمات العمال تتصاعد
ثانيًا: أن استجابة الرئيس السريعة وغير المقيدة بشروط أو الانتقائية في بيان تفضيلاتها للتوصيات أكدت صدق ومصداقية المسار التنفيذي الرسمي لمعالجة الملفات الحقوقية المعلقة والرغبة في التخلص من السلبيات الانتقادات بصورة تنفي عن الدولة المصرية كونها تستخدم تلك السياسات (ومنها عقوبة الحبس الاحتياطي والتدوير) باعتبارها سياسة ممنهجة وعمدية وفقا لما تورده بعض التقارير والبيانات الصادرة عن منظمات محلية وخارجية .
ثالثاً: أن البيان الرئاسي باحالة التوصيات المتعلقة بالحبس الاحتياطي للحكومة تضمن عبارة (أهمية التعويض المادي والأدبي وجبر الضرر) وهي العبارة التي وردت بنصها في ورقة الموقف التي أصدرتها مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية (الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات- جمعية الحقوقيات المصريات- مؤسسة الشرق الأوسط للتنمية وحقوق الإنسان- المجموعة المصرية للدراسات البرلمانية) في مسلك يعزز من صورة مؤسسات الدولة التي تقرأ ما يحال لها من أوراق وتوصيات تنتجها مؤسسات المجتمع المدني الحقوقي وكونها تستجيب لما تراه فيها قابلا للتنفيذ أو داعما للرؤية الصائبة.
رابعًا: أن التوقيتات الزمنية المتداخلة (بين) موعد إحالة التوصيات من الحوار الوطني للرئيس وموافقته عليها وإحالتها للحكومة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها (وبين) موعد بدء مجلس النواب في مناقشة التعديلات المقترحة في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي أعدته لجنة برلمانية خاصة سواء بدعوة عدد من رؤساء الأحزاب السياسية والهيئات لجلسة خاصة بحضور رئيس مجلس النواب ووزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسي أو إحالة المشروع للدراسة من جانب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، يجعل من الصعب- بل ومن المستحيل- تضمين توصيات الحوار الوطني داخل مشروع القانون المقترح نظرا لغياب التراتبية الزمنية في إنجازهما .
فضلاً عن كونها تثير العديد من التخوفات حول ممكنات تجاهل اللجنة البرلمانية لما تم التوافق والإجماع حوله في الحوار الوطني من قضايا وضوابط وحقوق واستمرار اللجنة والمجلس في نظر التعديلات المقدمة في مشروع القانون والتي أتت قاصرة عن الرؤية المتكاملة لملف معالجة قضية الحبس الاحتياطي وضوابطه التي أحيلت من الحوار الوطني لرئيس الجمهورية .
خامساً: أن الاقتراحات المتوالية بضرورة التريث في نظر مشروع القانون الخاص بالإجراءات الجنائية والمتضمن للمواد المتعلقة بتنظيم الحبس الاحتياطي والمطالبة بعقد عدد من جلسات الاستماع مع أصحاب وجهات النظر والمقترحات التي طرحت في الحوار الوطني وحازت على إجماع الموافقة والقبول، هي مطالب تكررت على لسان العديد من المهتمين والسياسين وسبق لي أن علقت بها لصالح جريدة الأهالي عند صدور بيان المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية (عدد الأربعاء 21 أغسطس 2024) فلم يعد من المقبول - بعد كل هذا الجهد والمواقف الإيجابية الراغبة في معالجة الملف - أن تنفرد (جهة) بمفردها لتحويل المطالبات إلى نصوص واجبة النفاذ، حتى ولو كانت تلك الجهة هي المجلس التشريعي، وهو أمر لم يعد من المقبول اتباع سياسة الصمت في التعامل معه بل يجب على مجلس النواب أن يخرج ويوضح المسار الإجرائي الذي يسير فيه بخصوص مشروع قانون الإجراءات وحتى الانتهاء منه.
اقرأ أيضاً: "الإجراءات الجنائية" يصل "تشريعية النواب".. ماذا عن توصيات الحوار الوطني؟
في النهاية تبقى لقضية الحبس الاحتياطي خصوصيتها المتفردة وأنها ليست مجرد نصوص تشريعية.. تختفي الفجوة بمجرد تعديلها، لكنها في الحقيقة عملية تكاملية يتداخل فيها التشريع مع القرارات التنفيذية مع التأهيل والتعويض الجابر للضرر وهي في مجملها أمور وسياسات تحتاج للتضافر والتآزر بأكثر مما تحتمل من التنافس والانفراد .
ويبقى للحديث بقية
---------------------------
*مدير المجموعة المصرية للدراسات البرلمانية