خلصت ورقة بحثية إلى وجود إجماع داخل أحزاب المعارضة والاتجاهات السياسية الإصلاحية في مصر على أولوية وجدوى القائمة النسبية، من أجل تقليل فرص التزوير، ودعم التعددية الحزبية والتنافسية، وضمان التمثيل العادل لكافة الفئات، وعدم إهدار الأصوات للقوائم الأخرى والناخبين، ولتعزيز الثقة في جدوى الحوار الوطني المصري،وزيادة نسبة المشاركة في الانتخابات.
وسجلت أعلى نسبة مشاركة للمصريين في الانتخابات التشريعية خلال السنوات الأخيرة عقب ثورة 25 يناير 2011، حيث بلغت 54%، لكن هذه النسبة تراجعت بشكل كبير إلى 28.19% في انتخابات 2015 و29% في انتخابات 2020.
جاء ذلك في الورقة البحثية التي أعدتها منصة فكر تاني بعنوان “كيف جاءت المقترحات المقدمة إلى الحوار الوطني بخصوص قانون الانتخابات؟“، في إطار ما تحظي به الانتخابات التشريعية المصرية والمقرر عقدها في نوفمبر من العام المقبل 2025، من زخم سواءً فيما يتعلق بالترتيبات الخاصة بالقوى السياسية في هذا الصدد، أو ما يتعلق بالبنية التشريعية المنظمة لهذا الملف.
للاطلاع على الورقة اضغط هنا
اقرأ أيضاً : النظام الانتخابي..الفريضة الغائبة ( 1 )
حراك كبير
وأرجعت الدراسة هذا الزخم إلى حالة الحراك الكبير التي أفرزها الحوار الوطني في مصر، وسعي القوى السياسية والتيار المدني في مصر إلى توظيف هذه الحالة بما يضمن حلحلة بعض الملفات المحورية العالقة سواءً ما يتصل بالوضع السياسي العام أو ما يتصل ببعض البنى التشريعية التي تحتاج إلى إعادة نظر بما يتفق وتحديات المرحلة المقبلة وتجربة السنوات الماضية والتي أكدت الحاجة إلى إعادة النظر في السياسات المتبناة إزاء هذه الملفات.
وفي هذا الإطار أشارت الدراسة إلى أهمية المشاورات الموسعة التي تعقدها القوى السياسية حالياً بخصوص التحالفات التي سيتم تشكيلها لخوض الانتخابات المقبلة، بما يضمن زيادة حجم الحيز السياسي المتاح والمزيد من فتح المجال العام، مؤكدة ضرورة وجود تغييرات نوعية سواءً على مستوى الأوضاع السياسية في مصر بشكل عام، أو على مستوى البنى التشريعية الناظمة للمسار السياسي، وعلى رأسها قانون الانتخابات.
6 اعتبارات رئيسية
وأرجعت الورقة البحثية ذلك الاجماع إلى 6 اعتبارات رئيسية، في مقدمتها أن العمل بنظام القائمة النسبية يضمن “عدم التزوير المقنن للأصوات”، بمعنى أن القائمة النسبية تضمن عدم إهدار الأصوات للقوائم الأخرى والناخبين، والتي تصل في بعض الحالات إلى 50% من حجم الأصوات، فضلاً عن أن القائمة النسبية تدعم مبادئ التعددية والفاعلية بالنسبة للأحزاب وكذا التنافسية.
ثالث الاعتبارات بحسب الورقة هو أن الحوار الوطني انطلق بالأساس كرغبة في تصحيح المسار السياسي وإصلاحه، وفق تصريحات رئيس الجمهورية نفسه، وبالتالي فاستمرار العمل بالنظام الانتخابي الحالي يعني عملياً مفاقمة الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، والتي تبرز أحد مؤشراتها في عدم فاعلية العمل البرلماني.
وأضافت الورقة البحثية أن القائمة النسبية تضمن التمثيل العادل والدستوري لكافة الفئات النوعية، وأن العمل بنظام القائمة النسبية ووفق التجربة السياسية في مصر منذ ثورة يناير 2011 وحتى اليوم، يضمن نسبة مشاركة أعلى من قبل المواطنين في الانتخابات، انطلاقاً من القناعة بجدى أصواتهم، وأنها “لن تذهب سدى”، وهو أمر غير متحقق في حالة القائمة المطلقة المغلقة، فضلا أن نظام القائمة المطلقة المغلقة هو نظام انتخابي هجرته معظم دول العالم باستثناء بعض الدول كجيبوتي والكاميرون.
اقرأ أيضاً: حزب العدل والمنافسة البرلمانية المقبلة
الإشراف القضائي
وأشارت الورقة البحثية إلى إجماع واسع داخل الاتجاهات السياسية في مصر على ضرورة استمرار الإشراف القضائي على الانتخابات، باعتباره مصدر الثقة في نتائجها، موضحة أن قرار رئيس الجمهورية بتمديد الإشراف القضائي في مارس 2023 حظي بتأييد واسع، حيث اعتبرته الأحزاب “بادرة دعم لجلسات الحوار الوطني”.
وأوضحت أنه بالرغم من وجود احتفاء بهذه الخطوة، إلا أنه لا يزال هناك حاجة إلى تحقيق مجموعة من الضمانات الرئيسية، أولها مد الإشراف القضائي من اللجان إلى المقر الانتخابى بأكمله، وربما الدائرة من حيث الرقابة على الأنشطة الانتخابية، وهذا يقتضي تنقيح المهمة رقم 9 من المادة 3 بالقانون الانتخابي.
وطالبت الورقة البحثية، بمنح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سلطة تشكيل لجان مستقلة لضبط خروقات الحملات الانتخابية، خاصة المخلة بمبدأ تكافؤ الفرص، وهى لجان يقترح أن تشكل من مؤسسات المجتمع المدنى والمؤسسات الحقوقية، وخبراء الدعاية والإعلان، وأساتذة الإعلام والعلوم السياسية والقانون.
وترى الورقة البحثية أهمية لتعديل القانون رقم 198 لسنة 2017 في شأن الهيئة الوطنية للانتخابات فيما يتصل بمنع تعيين قيادات الهيئة الوطنية للانتخابات في المناصب العامة، عقب مغادرتهم مناصبهم في الهيئة، وذلك دعماً وإقراراً لنزاهتهم أثناء ممارستهم عملهم.
مخاوف لدى البعض
وفقاً للورقة البحثية، يثير معارضو نظام القائمة النسبية مخاوف من أنها قد تفتح الباب لإشكالات دستورية وقانونية، على الرغم من أن المحكمة الدستورية رفضت نظام القائمة المطلقة على سبيل المثال في حكم لانتخابات مجلس الشورى عام 1989، وبه أسقط النظام الانتخابى الذى انتخب على أساسه المجلس منذ عام 1980.
وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من الاتفاق الكبير بين أحزاب المعارضة المصرية على مسألة عقد النظام الانتخابي وفق القائمة النسبية، إلا أن هناك تبايناً نسبياً حول الطبيعة العامة للنظام الانتخابي، ففي الوقت الذي أيد فيه البعض كالحركة المدنية إجراء الانتخابات عبر الجمع بين نظم القائمة المطلقة المغلقة والقائمة النسبية والنظام الفردي، كان هناك بعض الآراء التي ترى ضرورة تطبيق القائمة النسبية بشكل كامل، فيما كان هناك تباينات نسبية بخصوص أنماط تقسيم الدوائر الانتخابية في مصر.
جدل عدد النواب
وتناولت الورقة البحثية، ما أثير من جدل حول مسألة زيادة عدد مقاعد مجلس النواب، سواء في جلسات الحوار الوطني، من خلال تسخير بعض الجلسات لمناقشة هذه المسألة، أو من خلال تناول بعض الاتجاهات السياسية المشاركة في الحوار الوطني لها.
وكان اللافت، بحسب الدراسة، أن هناك اتفاق كبير بين كافة المشاركين في الحوار الوطني على ضرورة زيادة عدد مقاعد مجلس النواب، بما يضمن التماهي مع تنامي الكتلة السكانية، ويلبي المحددات الجغرافية، لكن في المقابل يوجد وجهة نظر أخرى ترى أن هناك بعض الإشكالات التي تواجه مسألة زيادة عدد النواب، أو على أقل تقدير هناك اعتبارات تعزز من عدم فاعلية هذه الخطوة.
على رأس هذه الاعتبارات التي تناهض الفكرة، أن زيادة عدد أعضاء مجلس النواب يتناسب عكسياً مع مسألة إتاحة الفرصة للتحدث في الجلسات البرلمانية، وأن الربط بين زيادة الكتلة السكانية وزيادة عدد النواب هو أمر ليس في محله بالمقارنة مع بعض الحالات الدولية فالهند مثلاً والتي يبلغ تعدادها السكاني نحو 1.4 مليار نسمة، والكتلة التصويتية بها نحو 900 مليون ناخب، يبلغ عدد نوابها 545 عضواً.
4 مشروعات انتخابية
تناولت الورقة البحثية التي أعدتها منصة “فكر تاني” تحليل مجموعة من الرؤى والتعديلات المقترحة بشأن قانون الانتخابات، والتي شملت 4 من المشاريع الرئيسة ضمت كلاً من مشاريع : الحركة المدنية الديمقراطية ، وحزب الإصلاح والتنمية ، ومجموعة “دوائر”، والمقترحات الخاصة بـ”أحزاب الموالاة”.
وأوضحت الورقة البحثية أن الساحة السياسية المصرية شهدت نقاشات مكثفة حول تعديل النظام الانتخابي، مدفوعة بالانفراجة السياسية التي أتاحها الحوار الوطني الذي بدأ في مايو 2023.
قانون الحركة المدنية
وفقاً للورقة البحثية، قدمت الحركة المدنية الديمقراطية مقترحاً يقوم بشكل رئيسي على مجموعة من النقاط، في مقدمتها: زيادة عدد أعضاء مجلس النواب إلى 660 ليتناسب مع النمو السكاني، وتعديل النظام الانتخابي ليعتمد أساساً على القائمة النسبية، إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 46 دائرة متوسطة لتحسين التمثيل والتواصل بين النواب والناخبين.
كما اقترحت الحركة تعديل قانون مجلس الشيوخ لزيادة عدد أعضائه واعتماد القائمة النسبية، وتعديل قانون الهيئة الوطنية للانتخابات لتمديد الإشراف القضائي في السنوات القادمة ليشمل كافة أنحاء الدائرة الانتخابية.
وترى الحركة المدنية أن التراجع في نسب مشاركة المصريين في الانتخابات، يعود جزئيًا إلى التحول من نظام القائمة النسبية والفردي في انتخابات 2011 إلى القائمة المطلقة المغلقة في انتخابات 2015 و2020، مما أضعف ثقة الناخبين في البرلمان وقدرته على إحداث تغيير حقيقي.
وتؤكد الحركة أن نظام القائمة المطلقة المغلقة لا يضمن تمثيل جميع الفئات ويهدر أصوات المعارضة، مشيرة إلى أن تقسيم الدوائر الانتخابية الحالي يعزز القبلية والمال السياسي.
حزب الإصلاح والتنمية
وتشير الورقة إلى تقديم حزب الإصلاح والتنمية مشروع قانون ركز بشكل رئيسي على مسألة “تقسيم الدوائر الانتخابية”، منطلقاً من افتراض رئيسي مفاده أن مسألة تعديل الدوائر الانتخابية تعد المدخل الرئيسي لإصلاح النظام الانتخابي في مصر.
و ركز هذا المشروع بشكل رئيسي على تقسيم مصر إلى 12 دائرة انتخابية تُخصص للانتخاب بنظام القائمة المطلقة المغلقة غير المنقوصة، و27 دائرة انتخابية تُخصص للانتخاب بنظام القوائم النسبية المغلقة غير المنقوصة.
واقترح المشروع المقدم من حزب الإصلاح والتنمية إجراء الانتخابات وفق الجمع بين نظامي القائمة المطلقة المغلقة ونظام القوائم النسبية، مع استبعاد النظام الفردي.
مجموعة “دوائر”
وأشارت الورقة البحثية إلى انطلاق “مجموعة دوائر” في طرحها ورؤيتها الخاصة بتعديلات النظام الانتخابي، من بعض الافتراضات الرئيسية، وعلى رأسها أن إصلاح النظام الانتخابي يعد ركيزة أساسية لتعزيز المسار الديمقراطي والحياة السياسية في مصر، على قاعدة تقوية التعددية ودعم الحياة الحزبية وإطلاق الحريات العامة.
وفي ضوء ذلك طرحت المجموعة بعض النقاط الرئيسية في مسألة إصلاح النظام الانتخابي منها: تثبيت الدوائر الانتخابية دون تغييرها بين الدورات لضمان التواصل الفعّال بين المرشحين والمواطنين، واعتماد نظام القوائم النسبية المغلقة وفقاً للتعديلات الدستورية، مع دمج نظام القائمة والفردي بنسبة الثلثين للدوائر القائمة والثلث للفردي.
واقترحت المجموعة إجراء الانتخابات على مقاعد القائمة بنظام القوائم النسبية المغلقة، مع رفض القوائم المطلقة، وتحديد نطاق الدوائر بحيث لا يتجاوز المحافظة، مع استثناء المحافظات الحدودية، وترتيب القوائم الانتخابية لضمان تمثيل عادل لجميع الفئات وفقاً للدستور، ومراعاة الكثافة السكانية في توزيع الدوائر الفردية لتحقيق التمثيل المناسب.
ودعت المجموعة إلى تعديل قانون الهيئة الوطنية للانتخابات لاستمرار الإشراف القضائي الكامل، وضمان نزاهة عملية الانتخابات، وتعديل قانون الهيئة الوطنية للانتخابات لمنع تعيين قياداتها في المناصب العامة بعد مغادرتهم، وإدراج إصلاح النظام الانتخابي كجزء من إجراءات أوسع تشمل الإفراج عن المحبوسين لأسباب رأي، وحل أزمة الحبس الاحتياطي، وتعزيز الحريات العامة والإعلامية.
أحزاب الموالاة
ترى الورقة البحثية أن أحزاب الموالاة في مصر لم تقدم رؤية جديدة بشأن النظام الانتخابي الحالي، حيث أكدت الاحزاب دعمها للنظام القائم الذي يتضمن القائمة المطلقة المغلقة والنظام الفردي.
من أبرز هذه الأحزاب: مستقبل وطن، حماة وطن، الشعب الجمهوري، والمؤتمر، وشاركهم نفس الدعم بعض ممثلي تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.
ولفتت الورقة الانتباه إلى أنه رغم إقرار ممثلي حزب الوفد بأفضلية القائمة النسبية من حيث دعم الأحزاب والتعددية السياسية، إلا أنهم أعلنوا دعمهم أيضاً للقائمة المطلقة المغلقة.
وبررت هذه الأحزاب دعمها للقائمة المطلقة بأنها الأنسب للمرحلة الحالية والتحديات التي تواجهها البلاد، مؤكدين أن القائمة النسبية لا تلبي مصلحة المواطنين ولا تتماشى مع التحديات الراهنة ، وأن القائمة المطلقة تدعم اختيار العناصر ذات الخبرة السياسية وتجنب المشكلات القانونية والدستورية المتعلقة بتمثيل الفئات النوعية.