رغم آلاف الضحايا.. كيف هزمت غزة إسرائيل؟

على مدى عقود، تضرر المشروع الصهيوني، الذي كان في بداياته يسعى بقوة لتثبيت أقدامه في منطقة الشرق الأوسط، حتى تحول حاليًا إلى عاجز بشكل متزايد عن الدفاع عن نفسه، أو الترويج لإسرائيل الديمقراطية بين مجموعة من الدول الديكتاتورية، وقد تفاقم هذا الوضع لدرجة أوصلت إسرائيل إلى مرحلة خطيرة من عدم الاستقرار، وفق تحليل جديد لـ ستيفن إم والت، كاتب العمود في مجلة “فورين بوليسي” وأستاذ العلاقات الدولية في كلية “روبرت ورينيه بيلفر” في جامعة هارفارد.

حرب غزة.. خاسرة

يشير “والت”، في تحليله، إلى العدوان على غزة، فيقول إن إسرائيل تخوض حربًا “خاسرة”، أرهقت الجيش الإسرائيلي وأظهرت عليه علامات التوتر والإرهاق التي قد تتفاقم إذا ما تصاعد الصراع إلى مواجهة أوسع مع حزب الله أو إيران. وبالنسبة له، هذه المخاطر المتزايدة تجعل الوضع العسكري لإسرائيل أكثر تعقيدًا وخطورة، كما أنها ترتد على المجتمع الإسرائيلي فتزيد من انقسامه.

وشمل القصف الإسرائيلي الأخير غارة في وقت مبكر من صباح الأحد على منزل في مدينة دير البلح بوسط القطاع. (نيزنس إنسيدر)
وشمل القصف الإسرائيلي الأخير غارة في وقت مبكر من صباح الأحد على منزل في مدينة دير البلح بوسط القطاع. (نيزنس إنسيدر)

كذلك، فإن مشاكل إسرائيل الحالية لا تتوقف عند الصعيد العسكري فقط، بل تمتد إلى الوضع الاقتصادي الذي يصفه “والت” بأنه يعاني بشدة.

في تحليله يشير “والت” إلى تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” يفيد بأن ما يصل إلى 60,000 شركة قد تغلق أبوابها هذا العام. وبالنسبة له، فإن هذه الإحصائية تعكس حجم الضغوط الاقتصادية التي تواجهها إسرائيل في ظل تصاعد التوترات الأمنية والسياسية، مما يضيف عبئًا إضافيًا على كاهل الدولة العبرية.

غزة وصورة إسرائيل دوليًا

يرى “والت” أن سلوك إسرائيل في الأشهر الأخيرة من الحرب على غزة أضر بشكل كبير صورتها على الساحة العالمية، إذ فشلت في الاستفادة من الدعم الدولي الواسع والاعتراف بحقها في الدفاع عن نفسها الذي حصلت عليه بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، وبسلوكياتها العسكرية وحجم الضحايا والدمار اللاحق بمدنيي قطاع غزة، إضافة إلى تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية، بدأ هذا الدعم الدولي لإسرائيل يتراجع بشكل ملحوظ.

ويشير “والت” إلى أن هذا التراجع في الدعم الدولي لإسرائيل أصبح أكثر وضوحًا بعد أن تقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب لإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وهو تطور، بحسب والت، يعكس تزايد الضغوط القانونية على القيادة الإسرائيلية ويضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي.

ولم يكن هذا بمعزل عن إعلان محكمة العدل الدولية أن احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية يشكل انتهاكًا للقانون الدولي، مما يعزز عزلة إسرائيل على الساحة الدولية.

متظاهرون رافضون للحرب على غزة في العاصمة الأمريكية (أسوشيتد برس)
متظاهرون رافضون للحرب على غزة في العاصمة الأمريكية (أسوشيتد برس)

الدعم الأمريكي.. تراجع التأييد

رغم العلاقات القوية والتاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يرى “والت” أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يتراجع بشكل ملحوظ، خاصة بين الأجيال الشابة. وهذا التراجع في الدعم يشمل أيضًا العديد من اليهود الأمريكيين الأصغر سنًا الذين أصبحوا أكثر انتقادًا لسياسات الحكومة الإسرائيلية. وفي هذا السياق، يشير والت إلى أن إلقاء اللوم على بنيامين نتنياهو وحده يغفل حقيقة أعمق تتعلق بالتآكل التدريجي في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي على مدى العقود الخمسة الماضية.

في 2007 أصدر “والت كتابًا بعنوان “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية”، ناقش فيه كيف أعادت منظمة “أيباك” (لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية) وغيرها من الجماعات المؤيدة لإسرائيل توجيه السياسة الأميركية بعيدًا من المصالح الوطنية الأميركية، وهو ما يصعب عليها حاليًا، خاصة على مستوى الشارع الأمريكي وفي أوساط الشباب الأصغر سنًا.

كيف وصل المشروع الصهيوني لإخفاقاته الحالية؟

يحلل “والت” كيف أن التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، الذي شهد نجاحات كبيرة في الماضي، قد شهد تراجعًا كبيرًا في العقود الأخيرة. فيقول إن الصهاينة الأوائل كانوا قادة أذكياء وحذرين في سعيهم لإقامة دولة يهودية في وسط العالم العربي. ورغم قلة عدد السكان اليهود في فلسطين في بداية القرن العشرين، إلا أن القادة المؤسسين للصهيونية تمكنوا من استغلال الفرص المتاحة وبناء قوات عسكرية قادرة على حماية مصالحهم.

ثيودور هرتزل صحفى يهودى نمساوى مجري وهو مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة (وكالات)
ثيودور هرتزل صحفى يهودى نمساوى مجري وهو مؤسس الصهيونية السياسية المعاصرة (وكالات)

ويشير “والت” إلى أن أحد العوامل الرئيسية التي ساعدت إسرائيل في البقاء والازدهار في بيئة معادية هو استعداد قادتها لقبول ترتيبات مرحلية لا تحقق كل أهدافهم على المدى الطويل، ولكنها تقربهم من تحقيق تلك الأهداف. ويرى أن الحكومة الإسرائيلية بعد تأسيس الدولة عملت بجد لتوسيع دائرة الدعم الدولي، وأقامت “علاقة خاصة” مع الولايات المتحدة، استنادًا إلى نفوذ “اللوبي الإسرائيلي” في واشنطن.

حرب العام 1967.. بزوخ الغطرسة الصهيونية

ينظر “والت” إلى حرب العام 1967 باعتبارها نقطة تحول كبيرة في التفكير الاستراتيجي لإسرائيل. فالانتصار الساحق في تلك الحرب عزز شعورًا بالغطرسة بين القادة الإسرائيليين، وهو ما أثر سلبًا على حكمهم الاستراتيجي منذ ذلك الحين.

ويرى “والت” أن الخطأ الاستراتيجي الرئيسي تمثل في قرار الاحتفاظ بالضفة الغربية وقطاع غزة، مما أدى إلى احتلال تدريجي واستعمار لتلك الأراضي.

مزيد من الأخطاء الاستراتيجية

ويحلل “والت” الأخطاء الاستراتيجية الإسرائيلية التي لم تتوقف بعد نكسة 67، فيقول إن الأمر لم يتوقف عند احتلال الضفة الغربية وغزة، بل امتد إلى تجاهل إسرائيل لإشارات السلام من الرئيس المصري أنور السادات، مما أدى إلى حرب أكتوبر عام 1973. وهو يرى أن إسرائيل التي نجت من خسارة كبرى في حرب العاشر من رمضان لم تتحرك نحو مفاوضات جادة  في 1979 للتخلي عن سيناء إلا بعد التكاليف الباهظة للحرب.

كما يرى “والت” أن غزو إسرائيل للبنان عام 1982 كان خطأ استراتيجيًا كبيرًا. فالهدف المعلن من الغزو كان القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، لكن النتيجة كانت إنشاء حزب الله، الذي أصبح قوة رئيسية في المقاومة ضد إسرائيل. وبعد سنوات من المقاومة الشديدة، اضطرت إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان في عام 2000، وهو ما يعتبره “والت” هزيمة عسكرية وسياسية كبيرة.

الاتفاق النووي الإيراني.. الخطأ الجديد

ينتقد “والت” معارضة إسرائيل للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والذي كان يهدف إلى تقييد برنامج إيران النووي. فعلى الرغم من الضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، إلا أن إسرائيل ظلت تعارض بشدة هذه الاتفاقية. ويشير “والت” إلى أن هذا الضغط الإسرائيلي الذي أدى إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في عام 2018، زاد من التوترات مع إيران ورفع من احتمالات نشوب صراع مسلح في المستقبل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة