أزمة الأسمدة.. وما الفارق بين الحكومة والسوق السوداء؟

أمام الجمعيات الزراعية في العديد من المحافظات، يظل المشهد على حاله لفلاحين يفترشون الأرض في انتظار حصصهم المتأخرة من الأسمدة الشحيحة مرتفعة التكلفة. حتى الانفراجة المرتقبة التي أشارت إليها المصادر الرسمية في الفترة الأخيرة لن تكون إلا طوقًا ألقي لغريق يصارع مفترسًا في الماء (السوق السوداء)، بينما على اليابسة ينتظره مفترس آخر (زيادة الأسعار رسميًا).

بينما في بعض الأحيان، يضطرون للجوء إلى السوق السوداء، باعتبارها ملاذًا أخيرًا حتى وإن كانت تمثل أقصى أشكال الاستغلال الصارخ لأزمتهم المتواصلة. وقد باتوا بين خيارين كلاهما مر؛ إما قبول السوق السوداء أو انتظار ارتفاع جديد بالأسعار الرسمية والذي أصبح أحد الخيارات المطروحة لتعويض نقصها من الجمعيات الزراعية.

ديلما السوق السوداء

مع انخفاض إنتاج الأسمدة في الفترة الأخيرة تعللًا بارتفاع التكلفة على المصانع وأزمة الكهرباء التي أضرت مصانعًا أخرى، اضطر عدد كبير من الفلاحين -في سبيل إنقاذ زراعاتهم- إلى السوق السوداء، باعتبارها ملاذًا أخيرًا حتى وإن كانت تمثل أقصى أشكال الاستغلال الصارخ لأزمتهم.

يقول المزارعون إن شيكارة الكيماوي في السوق السوداء يصل سعرها لـ 1200 جنيه (الصورة - وكالات)
يقول المزارعون إن شيكارة الكيماوي في السوق السوداء يصل سعرها لـ 1200 جنيه (الصورة - وكالات)

يقول المزارع حسن سليم: "الموظفين بيستغلوا الأزمة وبيقللوا الحصص المخصصة لينا ويبيعوا الباقي في السوق السوداء... ما حدث فينا بياخد إيصالات الصرف.

اقرأ أيضًا: الأصول المصرية.. من "الملكية الشعبية" إلى "لجنة التصفية"

يقول أحمد عبدالله، أحد هؤلاء المزارعين، لمنصة "فكر تاني": "احنا بنصرخ من الوضع اللي وصلنا له... المحاصيل بتبوظ والسماد مش موجود في الجمعيات الزراعية، والبديل هو شيكارة كيماوي من السوق السوداء بيوصل سعرها لـ 1200 جنيه... حتى الحل الأخير اللي الحكومة بتدرسه هيبقى أكبر من طاقتنا.. هنجيب منين بس؟".

هنزود عشان تلاقوه.. الحكومة تدرس زيادة 30%

وتدرس الحكومة رفع أسعار الأسمدة المدعمة بنسبة قد تصل إلى 30%، مما سيرفع السعر إلى حوالي 6250 جنيهًا للطن بدلاً من 4800 جنيه حاليًا. وهي زيادة تهدف إلى مواجهة الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج، يقول عنها أحد المسؤولين الحكوميين -في حديث لوكالة "بلومبرج"، إنها خطوة ضرورية لضمان توفر الأسمدة.

الزيادة التي تدرس الحكومة إقرارها سترفع السعر إلى حوالي 6250 جنيهًا للطن بدلاً من 4800 جنيه حاليًا (الصورة - وكالات)
الزيادة التي تدرس الحكومة إقرارها سترفع السعر إلى حوالي 6250 جنيهًا للطن بدلاً من 4800 جنيه حاليًا (الصورة - وكالات)

وهو ما يرد عليه "عبدالله" الذي يرفض الزيادة، فيقول: "وايه الفرق كده بين الحكومة والسوق السودا ما الكل بيستغل حاجتنا.. الشركات عايزة ترفع السعر بحجة ارتفاع تكلفة الإنتاج.. طب ما الفلاح هو كمان ارتفعت عليه التكلفة بعد رفع السولار.. ليه محدش بيبص لأحوالنا زي ما بيبصوا للشركات؟".

في 2023.. الأسمدة ثاني أعلى الصادرات المصرية

بلغ إجمالي إنتاج مصر من الأسمدة العام الماضي 2023 حوالي 8 ملايين طن نيتروجينية، و4 ملايين طن فوسفاتية، لتأتي الأسمدة في المركز الثاني بين الصادرات المصرية بقيمة 3.4 مليار دولار، وفقًا لوزير قطاع الأعمال العام محمود عصمت.

نقيب الفلاحين: رفع الأسعار حل معقول لأزمة الأسمدة

لحسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، رأي مختلف، إذ يرى أن رفع أسعار الأسمدة قد يكون حلًا لتوفيرها للمزارعين في مختلف المحافظات. ووفقًا لأبو صدام، ستجعل الزيادة السعر الجديد للطن عند 6250 جنيهًا، وهو سعر أقل بكثير مقارنة بسعر السوق السوداء في بعض المحافظات الذي وصل إلى 20 ألف جنيه للطن بسبب نقص المنتج.

ويضيف أبو صدام أن سبب ارتفاع أسعار الأسمدة في السوق السوداء يرجع لرفع أسعار الغاز لمصانع الأسمدة وتوقف بعضها عن الإنتاج في يونيو مع انقطاع إمدادات الغاز حينها وزيادة الكميات المصدرة للخارج علي حساب السوق المحلي.

يمثل الغاز المكون الأساسي لتكلفة إنتاج الأسمدة ويتم توريده للمصانع المحلية بسعر 5.75 دولار للمليون وحدة حرارية بغرض إنتاج الأسمدة الموجهة للسوق المحلية، أما بالنسبة للحصة المُصدرة فيتم توريد الغاز وفقا لمعادلة سعرية مغايرة تضعها الحكومة.

اقرأ أيضًا: "دولة مدبولي" التي تتحمل دون المواطن

المصانع تفضل التصدير على التوريد المحلي

التقارير تشير إلى أن المصانع تفضل التصدير على توريد حصتها المخصصة كسماد مدعم للسوق المحلية. وهذا يؤثر سلبًا على توافر الأسمدة في الجمعيات الزراعية، مما يجبر المزارعين على شراء الأسمدة من السوق السوداء، خاصة في فترة ذروة احتياج المحاصيل الصيفية للأسمدة.

بلغ إجمالي إنتاج مصر من الأسمدة العام الماضي 2023 حوالي 8 ملايين طن نيتروجينية و4 ملايين طن فوسفاتية (الصورة - وكالات)
بلغ إجمالي إنتاج مصر من الأسمدة العام الماضي 2023 حوالي 8 ملايين طن نيتروجينية و4 ملايين طن فوسفاتية (الصورة - وكالات)

وتُلزم الحكومة منتجي الأسمدة بتوريد 55% من إنتاجهم بسعر مُدعم إلى وزارة الزراعة المصرية لتغطية احتياجات السوق المحلية، مقابل السماح لهم بتصدير الكميات المتبقية. وقد رفضت وزارة الزراعة في مايو الماضي طلب عدد من شركات الأسمدة رسميًا من الحكومة السماح لها بزيادة سعر السماد المدعم لـ6500 جنيه للطن، بدعوى زيادة تكلفة الإنتاج بعد تحرير سعر الصرف في مارس الماضي.

وصلت قيمة صادرات مصر من الصناعات الكيماوية والأسمدة إلى 6 مليارات دولار في 2023، مقابل 8.63 مليار دولار تقريبًا عام 2022، بتراجع نسبته نحو 30%، بسبب انخفاض سعر بيع الأسمدة لنحو 300 دولار للطن مقابل 1200 دولار للطن خلال العامين الماضيين.

رد "الزراعة" على أزمة الأسمدة

وتقول وزارة الزراعة إنها وزعت ما يصل إلى 136 ألف طن من الأسمدة على المزارعين منذ بداية الشهر وحتى نهاية الأسبوع الماضي. كما تؤكد أن المصانع عادت للعمل والإنتاج، وأن ما يتم استلامه من المصانع يتم توزيعه على الفور.

ومع ذلك، طالب النائب خالد طنطاوي بضرورة التدخل العاجل من وزيري الزراعة واستصلاح الأراضي وقطاع الأعمال العام لإيجاد حلول فورية لأزمة نقص الأسمدة وارتفاع أسعارها. ويشدد على أهمية إجراء دراسة دقيقة لتكاليف الإنتاج لضمان تحقيق أسعار عادلة للأسمدة.

الحلول المقترحة لحل أزمة الأسمدة

الحلول المطروحة حاليًا تتضمن إنشاء مشاريع جديدة في مجال الأسمدة أو التوسع في المشاريع الحالية.

ومن بين هذه الحلول، دراسة الحكومة مع وفد مجموعة أستوال الهندية للأسمدة إمكانية إنشاء مصنع جديد في مصر باستثمارات تبلغ 300 مليون دولار، وحجم إنتاج يصل إلى 700 ألف طن سنويًا.

ويؤكد المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة على أهمية التوازن بين سياسات الدعم الحكومي والقدرة الشرائية للمزارعين.

ويهدف تحسين كفاءة الإنتاج وتبني تقنيات جديدة إلى خفض تكاليف الإنتاج وتقليل الحاجة للدعم الحكومي. بينما تعتبر الحكومة أن صناعة الأسمدة تأتي على رأس أولويات الدولة خلال المرحلة الحالية، التي تستهدف إضافة 3.5 مليون فدان جديدة إلى المساحة المنزرعة في مناطق الدلتا الجديدة وتوشكى وسيناء.

ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب توفير المستلزمات الأساسية للمزارعين الذين هددوا بالتوقف عن الإنتاج في حالة استمرار الأزمة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة