مجدل شمس.. إسرائيل ولبنان على شفا جرف هار

منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أكتوبر الماضي، والتوترات متسارعة ومتصاعدة بين الاحتلال والجنوب اللبناني الذي يسيطر عليه "حزب الله"، الذي أعلن دعمه للمقاومة الفلسطينية في غزة، واشترط وقفًا لإطلاق النار في غزة مقابل وقف عملياته ضد إسرائيل.

هذا الوضع كله وعلى تصعيده المتواصل بين الجانبين، هو الآن في أخطر مراحله بعد الهجوم -مجهول الفاعل- على بلدة "مجدل شمس" في الجولان المحتل. تلك الحادثة التي ينفي حزب الله مسؤوليته عنها بينما تشير إسرائيل إلى أدلة تورطه فيها، بينما يقف كلاهما على شفا جرف هار يهدد المنطقة كلها بجحيم عنوانه "الشمس التي احترقت في مجدل".

الجبهة الشمالية.. خسائر إسرائيل ولبنان منذ أكتوبر؟

لم تصل الصراعات بين الجانبين إلى مستوى الحرب الشاملة حتى الآن، لكن الأدلة تشير إلى أن الهجمات شبه اليومية خلفت دمارًا هائلًا في الجانبين الإسرائيلي واللبناني على حد سواء.

تشير البيانات التي جمعها مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة (Acled) ومقره الولايات المتحدة، وحللتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إلى أن كلا الجانبين نفذا معًا 7,491 هجومًا عبر الحدود بين 8 أكتوبر 2023 و5 يوليو 2024. وتوضح الأرقام أن إسرائيل نفذت نحو خمسة أضعاف الهجمات التي قام بها حزب الله.

تقول الأمم المتحدة إن الهجمات أجبرت أكثر من 90 ألف شخص في لبنان على ترك منازلهم، وأسفرت عن مقتل نحو 100 مدني و366 مقاتلًا من حزب الله في الغارات الإسرائيلية. في المقابل، أفاد المسؤولون الإسرائيليون بأن 60 ألف مدني اضطروا إلى مغادرة منازلهم، وقُتل 33 شخصًا، بينهم 10 مدنيين، جراء هجمات حزب الله.

دخان يتصاعد من غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (جيتي إيماجس)
دخان يتصاعد من غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (جيتي إيماجس)

تكشف التحليلات أن أكثر من 60% من المجتمعات الحدودية في لبنان تعرضت لأضرار نتيجة الضربات الجوية والمدفعية الإسرائيلية. اعتبارًا من 10 يوليو، قد يكون أكثر من 3,200 مبنى قد تعرضت لأضرار.

تم تجميع هذه النتائج من قبل كوري شير من مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك وجامون فان دن هوك من جامعة ولاية أوريغون، بناءً على مقارنات بين حوالي 500 صورة منفصلة تظهر التغيرات في ارتفاع أو هيكل المباني.

دمار على الجانبين وإجلاء لآلاف الأشخاص

كانت بلدات عيتا الشعب وكفر كلا والبليدة من بين الأكثر تضررًا. تعرضت عيتا الشعب لضربات مكثفة، حيث تم تسجيل ما لا يقل عن 299 هجومًا منذ أكتوبر، مما ألحق أضرارًا بالمباني على طول الطريق الرئيسي للمدينة. أما كفر كيلة فقد استهدفت بأكثر من 200 هجوم، مما ألحق أضرارًا بمحلات السوبر ماركت والخدمات. كما تعرضت بلدة البليدة للقصف 130 مرة على الأقل منذ أكتوبر، مما ألحق أضرارًا بالعديد من المباني.

على الجانب الآخر من الحدود، دمرت مبانٍ في الشمال المحتل إسرائيليًا نتيجة لضربات عبر الحدود. ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن أكثر من 1000 مبنى تضررت منذ أكتوبر، ولكن الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع الإسرائيلية امتنعا عن التعليق.

استخدمت هيئة الإذاعة البريطانية البيانات التي قدمها الدكتور هي يين من جامعة ولاية كينت لفحص مساحات الأراضي المتضررة من حرائق الغابات التي نشأت نتيجة الهجمات عبر الحدود. وقد قُدرت المناطق المتضررة في إسرائيل ومرتفعات الجولان بنحو 55 كيلومترًا مربعًا، مقارنة بـ 40 كيلومترًا مربعًا في لبنان، وفقًا لبعض التقديرات الأخيرة.

ويوضح نمط الضرر أن العديد من المناطق المحترقة تقع بعيدًا عن الحدود، مما يشير إلى استخدام حزب الله لأسلحة غير موجهة. وقد أطلق حزب الله الصواريخ على مناطق مدنية وقواعد عسكرية ليست مباشرة بجوار الحدود. إذا اكتشف نظام القبة الحديدية الإسرائيلي أن الصواريخ لن تسقط في مناطق مأهولة، فإنه لا يعترضها، مما يؤدي إلى إلحاق أضرار بالأراضي الزراعية والغابات.

ووفقًا لصور مستوطنة كاتزرين في مرتفعات الجولان، فقد تم إجلاء حوالي 90% من السكان بسبب الحرائق التي دمرت مساحة شاسعة من الأراضي. في لبنان، قال وزير الزراعة عباس الحاج حسن إن 55 بلدة عبر الخط الحدودي تأثرت بالحرائق، واتهم إسرائيل باستخدام الفوسفور الأبيض لتدمير المنطقة. وقد تحقق استخدام الفوسفور الأبيض من قبل منظمة هيومن رايتس ووتش، التي أكدت أن استخدامه "عشوائي بشكل غير قانوني في المناطق المأهولة بالسكان".

مجدل شمس تحترق

سقط مساء السبت، صاروخ في ملعب كرة قدم بقرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، حيث كان عدد من الفتية يلعبون هناك. لم تشهد القرية، التي تعد من القرى العربية في الجولان، أي هجمات صاروخية منذ بدء الاشتباكات الحدودية بين إسرائيل وحزب الله في 8 أكتوبر الماضي.

وقد أسفر الحادث عن مقتل 12 طفلًا، تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عامًا، وإصابة حوالي 30 آخرين من سكان القرية الدرزية. جميع الضحايا هم من الطائفة الدرزية ويحملون الجنسية السورية.

وتقع مجدل شمس في الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل منذ حرب يونيو 1967، وقد ضمّت أجزاء منه عام 1981 في خطوة اعترفت بها الولايات المتحدة عام 2019. ويعيش نحو 25 ألف سوري من الدروز في الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويرفضون الحصول على الجنسية الإسرائيلية.

وتُعتبر مجدل شمس أكبر القرى الدرزية الأربع في الجولان.

موقع الهجوم على مجدل شمس (وكالات)
موقع الهجوم على مجدل شمس (وكالات)

كيف ردت إسرائيل وكيف علق حزب الله؟

قال الجيش الإسرائيلي إن الصاروخ الذي انفجر في ملعب كرة القدم هو من نوع "فلق 1" الإيراني، ويزن رأسه الحربي 53 كيلوجرامًا، وأشار إلى أن الصاروخ أُطلق من جنوب لبنان وأن حزب الله هو الجهة الوحيدة التي تمتلك هذا النوع من الصواريخ. وأضاف أن القبة الحديدية فشلت في اعتراض الصاروخ بسبب التضاريس المعقدة، مما حال دون إعطاء إنذار كافٍ.

اقرأ أيضًا: حدود جنوب لبنان.. معضلة أمريكا وإسرائيل

في المقابل، نفى حزب الله ما وصفه بالادعاءات الإسرائيلية حول مسؤوليته عن الهجوم، مؤكدًا أنه لا علاقة له بالحادث. وقال بعض المحللين إنه من المحتمل أن يكون صاروخ اعتراضي إسرائيلي قد سقط عن طريق الخطأ في ملعب مجدل شمس، لأن القرية ليست هدفًا لحزب الله.

وكان الحزب قد أعلن قبيل الحادث عن استهدافه مقر قيادة لواء حرمون في ثكنة "معاليه غولاني" الإسرائيلية، والذي يبعد نسبيًا عن مجدل شمس.

هل آن أوان الحرب الشاملة؟

التصعيد بعد حادث مجدل شمس يبدو محتملًا، وفق بعض المراقبين، فقد أكدت إسرائيل أنها سترد على الحادث بالاستهداف في لبنان. ورفعت في سبيل ذلك جاهزيتها القتالية في الشمال وتوعدت حزب الله بـ"دفع الثمن". كما قطع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو زيارته للولايات المتحدة وعاد إلى إسرائيل لعقد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الأمني. بينما أعلنت الحكومة الإسرائيلية تفويضه بالتعامل مع الوضع عسكريًا.

وقد تحدثت القناة 13 الإسرائيلية عن ثلاثة سيناريوهات محتملة للرد الإسرائيلي على قصف "حزب الله" لبلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل. وأوضحت القناة أن السيناريو الأول يتضمن "ردًا مدروسًا" يهدف إلى احتواء الوضع وتجنب تصعيده إلى حرب شاملة.

أما السيناريو الثاني، فيشمل تنفيذ الجيش الإسرائيلي ردًا قويًا يؤدي إلى تبادل ضربات مع "حزب الله" تستمر لعدة أيام، ثم تنتهي بهدوء متبادل. بينما السيناريو الثالث، يتضمن "الحرب الشاملة" ضد لبنان، حيث يتم توجيه ضربة واسعة النطاق لأهداف "حزب الله" وتنفيذ اجتياح بري إلى عمق الحدود اللبنانية.

وفي وقت سابق من اليوم، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن قيادة الجيش قدمت للمستوى السياسي في البلاد عدة سيناريوهات مختلفة للهجوم المتوقع على لبنان كرد على قصف مجدل شمس.

وذكرت "رويترز" أن حزب الله في حالة استنفار شديد، وأنه أخلى بعض المواقع المهمة في جنوب لبنان وسهل البقاع تحسبًا لشن هجوم إسرائيلي. وقد استهدفت الغارات الإسرائيلية فجر الأحد القرى المحيطة بمدينة صور، للمرة الأولى منذ بدء الحرب في جنوب لبنان، كما طالت البقاع في شرق لبنان، وهو ما اعتبرته مصادر في جنوب لبنان رسالة من إسرائيل بشأن نطاق العمليات العسكرية المحتملة.

وفي تعليق على التطورات، قال المحلل السياسي والإعلامي اللبناني حسن الدر، لقناة "RT"، إن إسرائيل قد ترد بشكل محدود على هجوم السبت على مرتفعات الجولان، والذي ألقت تل أبيب باللوم فيه على حزب الله، معتبرًا أن التهديدات الإسرائيلية بالحرب قد تكون مرتبطة بالوضع الداخلي في إسرائيل أكثر من كونها جدية.

تشييع الأطفال الضحايا في مجدل شمس (وكالات)
تشييع الأطفال الضحايا في مجدل شمس (وكالات)

ومن جانبه، اعتبر المتخصص العسكري والاستراتيجي اللبناني العميد ناجي ملاعب أن إسرائيل ستتبع عملية مدروسة ومحدودة بموافقة أمريكية، نتيجة لضغوط الوضع الداخلي في إسرائيل وضغوط الولايات المتحدة لعدم توسيع الجبهة.

وصف سفير إيران لدى بيروت مجتبي أماني الرواية الإسرائيلية بأنها "مسرحية افتعلها النظام الصهيوني"، مشيرًا إلى أن فرص شن حرب على لبنان ضئيلة جدًا بسبب معادلات القوة المفروضة. وأكد المحلل السياسي الإسرائيلي يوآب شتيرن في حديث لصحيفة "اندبندنت" أن تل أبيب قد ترد بشكل قاسٍ، ولكن من غير المرجح أن تتوسع إلى حرب شاملة في الوقت الحالي.

ردود الفعل على هجوم مجدل شمس؟

في السياق، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الهجوم على مجدل شمس الدرزية، داعيًا كافة الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب أي تصعيد إضافي. وأكد ضرورة وقف تبادل إطلاق النار عبر الخط الأزرق، ووجّه دعوة لجميع الأطراف للامتثال لالتزاماتها بالقانون الدولي.

بينما اتهم المتحدث باسم البيت الأبيض حزب الله بتنفيذ الهجوم، مشيرًا إلى أن واشنطن تجري حوارات مستمرة مع الإسرائيليين واللبنانيين منذ وقوع الحادث، وتسعى لحل دبلوماسي لوقف الهجمات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

كما أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في وقت سابق أن الولايات المتحدة لا ترغب في توسع الصراع، مؤكدًا التزام بلاده بدعم حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها ضد ما وصفه بـ "الهجمات الإرهابية".

وأضاف بلينكن أن كل الدلائل تشير إلى أن الصاروخ الذي ضرب الجولان كان من حزب الله، وأكد أن وقف إطلاق النار في غزة سيكون فرصة لتحقيق هدوء دائم على طول الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان.

وفي إطار ردود الفعل الدولية، أدانت فرنسا الهجوم ودعت جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتجنب أي تصعيد عسكري. وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن باريس "ملتزمة بالكامل القيام بكل ما هو ممكن لتجنب تصعيد جديد في المنطقة"، حسبما أفاد الإليزيه.

كما أعرب وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عن "قلقه العميق" إزاء خطر حدوث مزيد من التصعيد، في حين حذرت الخارجية المصرية من خطر فتح جبهة حرب جديدة مع لبنان في أعقاب ضربة مجدل شمس.

وفي تطور متصل، حذرت إيران الأحد إسرائيل من مغبة مهاجمة لبنان، حيث أكدت الخارجية الإيرانية في بيان صادر عن المتحدث باسمها ناصر كنعاني، أن طهران "تحذر من تداعيات غير متوقعة لأي مغامرات جديدة من الكيان الصهيوني تجاه لبنان بذريعة حادث مجدل شمس".

وأضاف البيان أن "أي خطوة حمقاء من جانب الكيان الصهيوني يمكن أن تؤدي إلى توسيع رقعة الأزمة والحرب في المنطقة". وتابع البيان أن إسرائيل تسعى عبر طرح سيناريوهات وهمية إلى تشويش الرأي العام بشأن جرائمها في غزة، مشيرًا إلى أن حزب الله اللبناني نفى مسؤوليته عن قصف قرية مجدل شمس في الجولان المحتل.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة