كراهية ووصم العابرات/ين جندريًا.. حكايات من الواقع

 

إن مفهوم العائلات في مصر -خاصة في قرى ومحافظات الصعيد وبدو سيناء- يقع تحت سلطة “العائلة”، التي تتلاشى معها مفاهيم أخرى مثل -الحريات والحدود الشخصية- لأن مثل تلك المصطلحات لا يمكن مقارنتها بالعائلة ومصلحتها العُليا.
لذا، تجد أن لكل فرد من هذه العائلة رأيًا وقرار فيما يخص الآخرين، وكلما كانت أفكار الشخص مختلفة عن الرأي الجمعي للعائلة، كلما لاقت هجومًا وربما وقع عليه أحكام وعقوبات مثل: التجاهل، الهجر، القطيعة وربما يصل الأمر للتهديد بالقتل أو القتل ذاته في بعض الأحيان.

الاضطهاد الجندري


يعاني ذوي الهويات الجندرية المختلفة عن رأي المجتمع، من: خطابات الكراهية، التمييز، وكثير من أشكال العنف، وربما تجد أن للعابرات “نصيب الأسد” من هذه الممارسات، مقارنة بالعابرين من الرجال، وأن كثير من النساء العابرات يخضن معارك يومية للحصول على حقوقهن في ظل نظام سلطته أبوية مازال يتحكم في مصائر النساء وما يخص حياتهن واختيارتهن، تحديدًا إذا كُن عابرات.

الرغبة المجتمعية في تنميط وقولبة النساء عمومًا والعابرات منهن تحديدًا، لا تؤثر فقط على بنية المجتمع وإنما على مسار التنمية الاجتماعية والسياسة والاقتصادية.

 

القبول والمحبة

يوصي الدكتور نبيل القط، طبيب الأمراض النفسية والعصبية في كتابه “حكايات التعب والشفاء”، إنه في حال وجود حالة انزعاج جندري، وبعد استبعاد الأمراض النفسية أو العضوية والتأكد من أنها حالة عبور جندري فعلية، يمكن البدء في مساعدة الفرد على تقبل مشاعره وأفكاره عن نفسه في هوية الجنس الآخر، والتعبير من خلال الأسماء والضمائر والملابس والسلوكيات التي تناسب هذا الجنس مع المساعدة على عدم الاصطدام بالثقافة المجتمعية لتفادي التعرض للخطر.

غلاف كتاب حكايات التعب والشفاء
غلاف كتاب حكايات التعب والشفاء

ويشير القط، إلى أهمية مجموعات المساندة الذاتية، والمجموعات العلاجية والتدخل الأسري، في تعليم طرق التكيف والتقبل.
ويضيف في حديثه لـ فكر تاني، أن التواصل الفعال أمر شديد الأهمية، لضمان سلامة العبور بشكل صحي: “يجب احترام مشاعر وأفكار أبناءكم/ن وتقديم الحب والقبول لهم/ن والسؤال عن الضمير المفضل والملابس المناسبة واحترام حدودهم/ن”. 

وفي لقائنا مع “لُبنى م.” تقول لـ فكّر تاني: “فكرة إني امرأة عابرة، انضممت -في نظر المجتمع- إلى معسكر النساء، وألحقت العار بنفسي وأسرتي إلى الأبد”.


تُلقي “لبنى” الضوء على الأبعاد المجتمعية والنفسية، لاضطهاد النساء العابرات بشكل مضاعف عن الرجال  العابرين، وتشير إلى أن: “أخلاق وأعراف المجتمع، المعروفة بـ”قيم الأسرة المصرية”  تضع الأفراد تحت رقابة مجتمعية قاسية وهي مُستمدة من ثقافة “إلحاق العار بكل ما هو نسائي” بحسب قولها، والتي لن تتسامح مع أي انتهاك لتلك القيم.

وتؤكد “لبنى”: “أنا لم ولن أرضخ لتلك الضغوط، وسأظل أدافع عن حقي الطبيعي في الوجود، وتصحيح المفاهيم المجتمعية الخاطئة والتي يتم التمييز ضدي  على أساسها”.

اقرأ أيضًا:لؤلؤة وأخواتها.. مراهقة الأيتام والتعامل معها

وبسؤال “زين” وهو عابر جندري، عن أسبابه في تمسكه بالتعبير عن نفسه بصفة “رجل” رغم المخاطر والأضرار التي قد تلحق به، قال لـ فكّر تاني: “إن التعبير عن الهوية الجندرية هو محاولة لانتزاع حقوق أصيلة لكل العابرين/ات، لأن قضاياهم/ن ووجودهم/ن حقيقي”.


ويؤكد “زين” أن تعبيره عن هويته يُعد صراعًا على البقاء، وأن الحصول على مثل تلك الحقوق والامتيازات يجب أن يكون أمرًا بديهيًا، يتمتع به كل أفراد المجتمع بلا تمييز.

ويُضيف زين: “بالرغم من التحديات التي واجهتها في انتزاع كثير من حقوقي، إلا أن وضعي مجتمعيًا وأسريًا أفضل بكثير من النساء العابرات”.

يشير إلى أن المجتمع لا يجد  ضررًا من وجود رجل عابر في محيطه، بقدر الشعور بالتهديد في حال وجود امرأة عابرة.

ويوضح أن أسرته -مثلًا- مشكلتها معه تنحصر في صعوبة إيجاد وظيفة مناسبة، لكنهم -على حسب تعبيرهم- لا يشعرون بالحرج أو العار، وعن هذه النقطة، يقول: “وهو أمر غاية في القسوة، على كل امرأة عابرة، لأن إحساسها بـ “العار المجتمعي” يخلق لها الكثير من الأزمات، والتي تعوق حياتها وتمنعها من المُضي قدمًا”.

اختلاف الوصم باختلاف الهوية الجندرية 

السائد في المجتمعات المحافظة، التي تحكمها ما يُعرف بالسلطة الأبوية، أن الرجال العابرين لا يُلحقون العار بذويهم مثل النساء العابرات.

اقرأ أيضًا: أن تعيش مكروها في مصر لأنك من مجتمع “الميم عين”

وتقول “لميس” امرأة مصرية عابرة لـ فكّر تاني: “لا توجد آليات لحماية النساء العابرات، أشعر دائمًا بضرورة إخفاء هويتي للبقاء”، تضيف “في الغالب نجد أن نظرة المجتمع لنا كعابرات أننا لا نستحق الحياة، وأجد نفسي في حرب دائمة للحصول على أقل حقوقي، وهو الحماية ضد التمييز على أساس الهوية الجندرية أو الميل الجنسي”.

وتشير لميس إلى أن لا أحد يحترم حقوق العابرات، يواجهن صعوبات شديدة في الحصول على الاحتياجات الأساسية مثل السكن والرعاية الصحية والنفسية، تقول: “هذا بالطبع بالإضافة إلى إيجاد وظيفة مناسبة، وحرية التنقل في الشارع والأمان”.


: “أفتقر إلى إحساس الأمان”، وتتساءل: “كيف يمكن للإنسان أن يعيش بشكل سوي، حين يتلقى التهديدات والتوعد بالانتقام طوال الوقت؟!”.

اقرأ أيضًا: الفقر.. جحيم آخر يواجهه الكوير في مصر

وتضيف لميس، إن هؤلاء الذين يخالفون العادات والتقاليد والأعراف السائدة، مصيرهم الوصم والنبذ المجتمعي، ما يمنع ذوي الهويات الجندرية المختلفة من القدرة على التعبير عن أنفسهم/ن، وعن مشاعر مثل الخوف من التهديد بالرفض المجتمعي لهم/ن، وخاصة النساء العابرات.

وتوضح، أن أحد أدوات الدعم في الدوائر الكويرية، هي احترام الضمائر والتعبيرات الجندرية التي اختارها الأشخاص وفقًا لإحساسهم/ن بأنفسهم/ن، وكذا تقديم كافة أشكال الدعم والتكاتف للقضاء على أشكال التمييز والوصم التي تلحق بالأفراد أصحاب الهويات الجندرية والميول الجنسية  المختلفة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة