كان أكبر تصعيد يُمكن أن يقاس في التوترات العسكرية بين الحوثيين وإسرائيل، حين نفذت جماعة أنصار الله الحوثي هجومًا بطائرة مسيرة قطعت أكثر من 2000 كيلومتر وضربت تل أبيب، في دليل جديد على فشل أنظمة الدفاع الجوي لإسرائيل، التي ردت بهجمات بطائرات حربية، استهدفت ميناء الحديدة، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وفقدان 3 آخرين وإصابة 83 شخصًا، وتدمير ما لا يقل عن 33 منشأة تخزين نفط، بحسب الحوثيين.
تغيير في تكتيكات الحرب
الصحيفة العبرية "كالكاليست" نقلت عن مصدر كبير بجيش الاحتلال الإسرائيلي، وصفه أن هجوم المسيرة الحوثية على تل أبيب هو سابع من أكتوبر جديد. وقالت الصحيفة إن نجاح الجماعة باليمن في إطلاق مسيرة مفخخة تقطع مسافة أكثر من ألفي كيلومتر وتصل حتى وسط البلاد يعد فشلًا مدويًا لأنظمة الدفاع الجوي، وينذر بانتهاء عصر "السماء الصافية"، في إشارة إلى طبقات أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي إسرائيل.
وأضاف المصدر العسكري، الذي وصفته الصحيفة "بالكبير"، أن هذا تطور يضع حدًا للتفوق النوعي لسلاح الجو الإسرائيلي ويبرز عجز وسائل الإنذار المبكر عن اكتشاف المسيّرة، كما أن يظهر الفجوة في المعلومات الاستخباراتية للتنبيه من الهجمات مسبقًا. وكذلك، يكشف عن فجوة في التنسيق مع القوات الأميركية في البحر الأحمر.
وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، في بيان متلفز، إن جماعته استهدفت أحد الأهداف المهمة في منطقة يافا المحتلة (تل أبيب) بواسطة طائرة مسيّرة جديدة اسمها "يافا"، بينما أكد أنها قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية، وأنها حققت أهدافها بنجاح.
كما هدد بأن تل أبيب ستكون منطقة غير آمنة وستكون هدفًا أساسيًا في مرمى جماعته، التي ستركز على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، مدعيًا وجود بنك أهداف عسكرية وأمنية حساسة.
كيف نفذت إسرائيل ضربتها الانتقامية؟
كان الاجتماع الذي دعا إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اليوم التالي للهجمة الحوثية، استثنائيًا، ضم أعضاء المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية، واستمر لنحو 4 ساعات، في نهايتها وافق مجلس الوزراء المصغر (الكابينت) على شن هجمة على اليمن، وتحديدًا على ميناء الحديدة غربي اليمن.
وقال جيش الاحتلال، في بيان، إن "مقاتلات (إسرائيلية) من طراز إف-15 قصفت أهدافًا عسكرية لنظام الحوثيين في منطقة ميناء الحديدة في اليمن، ردًا على مئات الهجمات التي طالت إسرائيل في الأشهر الاخيرة". وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن إسرائيل قصفت الحوثيين في اليمن لتوجيه رسالة محددة بعد أن ألحقوا الضرر بالمواطن الإسرائيلي. وأضاف في بيان: "إن النيران المشتعلة حاليًا في الحديدة يمكن رؤيتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط والمغزى واضح.. الحوثيون هاجمونا أكثر من 200 مرة. وفي المرة الأولى التي ألحقوا فيها الأذى بمواطن إسرائيلي، قمنا بقصفهم. وسنفعل ذلك في أي مكان إذا اقتضت الضرورة".
وقال نتنياهو أيضًا إن العملية التي أصابت أهدافًا على بعد 1800 كيلومتر من حدود إسرائيل تظهر جدية إسرائيل في الرد على التهديدات. وأضاف: "هذا يوضح لأعدائنا أنه لا يوجد مكان لن تصل إليه الذراع الطويلة لدولة إسرائيل".
وطالب وزير الأمن القومي، المتطرف إيتمار بن غفير، نتنياهو بالسياسة نفسها في لبنان. وأيد وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريش، هذا الرأي، وقال إن إسرائيل يجب أن تواصل الهجوم "بكل قوتها حتى في أماكن بعيدة".
وليس من الواضح، حتى الآن، ما إذا كانت إسرائيل نفذت الهجوم بمفردها بشكل كامل أم لا، فقد أكد مسؤولون أميركيون لقناة 12 الإسرائيلية، أن إسرائيل شنت الهجوم في اليمن (على ميناء الحديدة) بمفردها من دون تدخل عسكري أميركي. كما نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين، قولهم إن إسرائيل تصرفت بمفردها.
كيف تضررت اليمن؟
بث ناشطون يمنيون مشاهد من الموقع المستهدف بالقصف الإسرائيلي في مدينة الحديدة، حيث أظهرت اللقطات اشتعال حريق ضخم في موقع يعتقد أنه خزانات وقود في ميناء المدينة.
وقال كبير المفاوضين والمتحدث الرسمي باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام، في بيان على منصة "إكس": "عدوان إسرائيلي غاشم على اليمن باستهداف منشآت مدنية، خزانات النفط ومحطة الكهرباء في الحديدة، بهدف مضاعفة معاناة الناس، والضغط على اليمن للتوقف عن مساندة غزة". وأضاف أن هذه الهجمة "لن تزيد الشعب اليمني وقواته المسلحة الباسلة إلا إصرارًا وثباتًا واستمرارًا".
ميناء الحديدة الذي استهدفه الهجوم الإسرائيلي هو واحد من أبرز الموانئ المطلة على البحر الأحمر، يقع شمال خط الاستواء على خط عرض 14درجة و50 دقيقة شمالًا، وخط طول 42 درجة و56 دقيقة شرقا. ويرتبط بقناة ملاحية بطول 11 ميلًا بحريًا، وعرض 200 متر، وحوض للاستدارة بقطر 400 يصل الميناء بمناطق انتظار.
وبإمكان هذا الميناء استقبال السفن ذات حمولة 31 ألف طن كحد أقصى، كما يمكنه استقبال سفن الركاب والسياح. ويعتمد عليه اليمنيون في توفير أكثر من 70% من احتياجاتهم.
ردود فعل دولية على التصعيد الحوثي الإسرائيلي
من الممكن أن تكون هذه هي الشرارة الأولى لبداية صراع إقليمي في ظل استمرار العدوان على غزة والذي يتصاعد يوما بعد يوم، إضافة إلى تصاعد الصراع على الجبهة الجنوبية للبنان. وهو ما ظهر في بيان مصري، صادر عن وزارة الخارجية، حذر من مخاطر توسيع رقعة الصراع في المنطقة، داعيًا الأطراف كافة إلى ضبط النفس والتهدئة.
وجاء في بيان الخارجية أن مصر تتابع بقلق "العملية العسكرية الإسرائيلية" على الأراضي اليمنية، والتي تزيد من تصاعد حدة التوتر الحالي على كافة الجبهات. وشددت مصر على أهمية تكاتف الجهود الدولية من أجل صون أمن واستقرار المنطقة، محذرة من مخاطر توسيع رقعة الصراع في المنطقة إثر تطورات أزمة قطاع غزة، وبما سيدفع الإقليم بأسره إلى دائرة مفرغة من الصراعات وعدم الاستقرار.
ونددت قوى إقليمية، من بينها إيران والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان المجاورة - التي كانت راعية في المحادثات بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا - بالهجوم الجوي الإسرائيلي على ميناء الحديدة.
متى يتوقف الحوثيون؟
في مقابلة مع "ABC News" قبل سلسلة الهجمات المتبادلة بين إسرائيل والحوثيين، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج، إن التصنيف الرسمي الأكثر صرامة للحوثيين قيد النظر بشكل متزايد.
وأضاف: "هناك المزيد والمزيد من الحديث الآن عن تصنيف تحت (منظمة إرهابية أجنبية)، والتي سيكون لها بعض المقايضات، كما نشعر، مع قدرتنا على دعم النشاط الإنساني والتجاري في اليمن".
وذكرت ABC News أن تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لمنظمة بأنها إرهابية أجنبية من شأنه أن يساوي الحوثيين مع الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وحماس، ما يمكن أن يجعل من الصعب على المنظمات الإنسانية الدولية العمل داخل اليمن من خلال طلب ترخيص للتفاعل مع الحوثيين، الذين يسيطرون على الموانئ الرئيسية بما في ذلك الحديدة والعاصمة صنعاء.
ويحتاج أربعة وعشرون مليون شخص في اليمن - 80% من سكانه - إلى مساعدات إنسانية، مع وجود 4.5 مليون نازح داخليًا. ويعاني 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقال الحوثيون إنهم سيوقفون التوترات في البحر الأحمر إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. وهو ما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارًا إنه أولويته القصوى إلى جانب إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
وجمع بايدن تحالفًا من الدول لحماية البحارة والشحن التجاري في البحر الأحمر عندما بدأ الحوثيون في نشر الطائرات من دون طيار والصواريخ.
وقال المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن إن ترتيب الدفاع متعدد الجنسيات، الذي يشمل دولًا بعيدة مثل أستراليا وقريبة من البحرين، يمكن تعزيزه. وأضاف: "بالطبع يبقى الخيار للولايات المتحدة والحلفاء السبعة الذين يشاركون في هذا التحالف لإعادة النظر في ذلك".