"وعملوها الستات " .. المناصب القيادية ليست للرجال فقط


تقف آية عادل، في أواخر العشرينات من عمرها، بين عمال محطة البنزين، تستخدم لغة حديث منضبطة وقوية لتنظيم حركة العمل،  تترأس رجالًا يكبرها بعضهم في السن، ويردون على تعليماتها بـ "حاضر يا ريسة".


لم يكن هذا المشهد سهلًا منذ تسع سنوات قبل أن تصبح في هذه المهنة، كرئيس عمال في بنزينة، خاصة أنها تخطت حواجز عديدة اجتماعية وإدارية وأسرية ألزمتها التحدي والمقاومة لتصبح ما تريد فقط.

وقفت في حجرتها الصغيرة أمام المرآة، تتهيأ لتقديم نفسها للعمل، بينما ترفض أمها هذا القرار "لأنها أنثى" وصغيرة في ذات الوقت، لكنها ذهبت لإجراء مقابلة العمل في كل الأحوال، ورغم أن مالك محطة البنزين كان متخوفًا إلا أنه وافق أخيرًا.

ونجحت آية في عملها حتى أنها أصبحت رئيسة العمال بعد مدة شهر ونصف تقريبًا، لكن رغم  اجتهادها في العمل وإصرارها على إثبات قدرتها لم يرحمها من سماع عبارات مثل "إحنا رجالة ومينفعش يبقى مديرنا بنت.. دا مش مكانك شوفيلك حاجة بناتي".

ظل الرجل على مدار عقود طويلة محتكرًا لسوق العمل ومسيطرًا عليه، ولا يمكن للمرأة أن تتولى القيادة وأن تكون "رئيستهم" فظل يحاربها حتى لا تنافسه.

وفي السنوات الأخيرة، كانت وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي تسلط الضوء على النساء اللاتي يعملن في مهن ارتبطت في الوعي الجمعي بأنها "للرجال فقط"، لتصبح المرأة "جزارة" أو سائقة "لوري" و"رئيسة عمال".

اقرأ أيضا: وصم المطلقات.. موروث شعبي يتزايد

المرأة للبيت والمطبخ تاريخياً

تقول الدكتورة الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، لـ"فكر تاني" أن المهن قديمًا كانت حكرًا على الرجال وحدهم، منذ أن كانوا يعملون بالصيد والفلاحة، وكان دور المرأة هو الخدمة المنزلية فقط، وتعود بالتاريخ إلى تطور وظهور مهن جديدة بالإضافة إلى نشوب الحربين الأولى والثانية وتعبئة الرجال للقتال فيهما.

دكتورة هدى زكريا

وتضيف زكريا أن وقتها حدثت فجوة في المهن المختلفة ما ترتب عليه دخول المرأة في قطاعات العمل المختلفة لكن بشكل حذر موضحة أن هذا لم يمنحها فرصة أن تتولى القيادة، وظلت لسنوات وعقود مرؤوسة للرجال، وترتيبها من الدرجة الثانية، وهو الترتيب المجتمعي عموما، حتى داخل الأسرة أيضًا.

وتشير إلى أن هذه الأوضاع أدت إلى نشأة الحركة النسوية، حيث مرت النساء في مصر بمراحل كثيرة وصراع طويل من أجل حقها في العمل، منها فترتي الثلاثينيات والأربعينيات مثلًا،  عندما كان يتم توظيفهن في المصالح الحكومية، لكنها إذا قررت الزواج، تتقدم باستقالتها على الفور".

وتلفت زكريا الإنتباه إلى نظرية "التلمذة" التي انتشرت قديمًا وساهمت في حجب فرص النساء عن العمل وتراجع دورهن وفق السياق المجتمعي، والتي أثرت بدورها على تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء.

اقرأ أيضا: وإذا شكت عُنِفت.. "تمارا" ورحلتها اليومية في المواصلات العامة

ونظرية التلمذة ظهرت في تخصصات مثل الطب والمحاماة والصحافة والإخراج وغيرها، حيث تتطلب المهارة في هذه المهن إلى التلمذة والتدريب قبل التوظيف، لذا كان صعب على النساء في تلك الأوقات أن تنافس الرجال، حيث كان  الطبيب -مثلا- يستعين بفريق من المساعدين حتى لا يتعرض للوصم الأخلاقي والاجتماعي باعتماده على نساء ويجتمع معهن في غرف مغلقة.

وتشير زكريا إلى المهن العليا بجملتها لم تستطع المرأة اللحاق بها لطبيعتها مما حجب عنها الفرصة وحرمت المعايير الثقافية المجتمعية المرأة من تولي المناصب القيادية أو حتى أن تكون عضوا فيها حتى وقت قريب.

التنشئة الاجتماعية 

بدورها، تؤكد الكاتبة  سحر الجمال، رئيس قسم الثقافة العامة بقصر ثقافة الفيوم، أن المساواة بين الذكور والإناث داخل الأسرة ينتج عنه أبناء أسوياء.

وتوضح في حديثها مع "فكًر تاني " أن الابنة إذا وجدت من الحقوق مثل شقيقها وأدت نفس الواجبات التي يؤديها، تستطيع أن تكون قيادية ناجحة، لكن القاعدة العامة في مصر في الغالب لا تعامل الأبناء بالتساوي، بل تصبح فيه الفتاة درجة ثانية بعد أخيها.

وتشير
الجمال، إلى أن هذه التفرقة تنعكس بالضرورة على النساء، وقد تؤدي إلى الفشل وربما تشعر أنها غير قادرة على الإدارة وأداء الأدوار القيادية مؤكدة أنه لو نظرنا إلى المجتمعات الغربية نجد كل النساء اللاتي تولين مناصب قيادية نجحن لأن المجتمع يعاملهن كما يعامل الرجال بل أفضل لأنهن يقمن بوظيفة أخرى وهي الإنجاب.

وترى الجمال أن فكرة التقبل من عدمه، تعود جذورها إلى الثقافة والأعراف السائدة داخل بعض البيوت المصرية، التي ترى المرأة غير مقبولة كرئيسة حتى إن النساء الأخريات قد يحاربونها.

"بعد تعييني رئيس قسم الثقافة العامة، تعرضت للكثير من أشكال المضايقات لفترة طويلة من زميلتي بالعمل، والسبب إني أصبحت "رئيسة" تقول الجمال.

اقرأ أيضا: قطع الكهرباء المتكرر.. لا أمان للنساء في الشوارع المظلمة

احصائيات كاشفة 

يقدر عدد العاملين من النساء في مناصب قيادية بمصر بنسبة 28% بينما نسبة التمثيل الوظيفي للنساء فيشار إليه بنسبة 43%.

وتعد السيدة، حكمت أبو زيد، أول امرأة تولت منصب وزاري بمصر،  بعدما عُينت وزيرة للشؤون الاجتماعية، عام  1962.

وظل العمل القضائي حكرًا على الرجال حتى عام 2003، حين تولت المستشارة تهاني الجبالي، منصب نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا.

وبعد مرور أربع سنوات تم تعيين 30 قاضية كأول دفعة من النساء بين آلاف من الرجال الذين يتولون منصب قاضي.

وشهد عام 2017، تعيين أول محافظ امرأة في مصر.

اقرأ أيضا: ماذا تفعل صباح مع جنون أسعار الفوط الصحية؟

جذور ثقافية

"إننا نعيش في مجتمع ذكوري وهذا المجتمع يرفض وصاية المرأة عليه بل يرى أن القيادة مهمة الرجل وحده". يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي لـ "فكّر تاني".

ويتفق فرويز مع سابقيه في أن الجذور الثقافية هي الأزمة في رفض الرجال أن تترأسهم سيدة، مشيراً إلى ذلك يعود لأسلوب التنشئة الأسرية السيئة التي يستحوذ فيها الابن الذكر على التقدير وتعتبره الأسرة رمزاً لقوتها.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة