“لا جديد في السياسات “.. كان هذا لسان حال مراقبين وسياسين، تحدثوا لمنصة فكر تاني حول التشكيل الوزاري الجديد، لحكومة العاصمة الجديدة.
وشهد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، اليوم 3 يوليو بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة، أداء اليمين الدستورية للحكومة الجديدة، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، وكذلك أداء المحافظين ونوابهم اليمين الدستورية.
وأعلنت الحكومة المصرية، في وقت سابق، نقل وزارتها بشكل نهائي إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
نفس السياسات
سياسيًا، ينظر الشارع السياسي المعارض باللامبالاة تجاه التشكيل الوزاري الجديد، وسط نقاشات حول بعض الاختيارات وطريقة صعودها بحسب أكثر من مصدر حزبي معارض تحدث لـ”فكر تاني”.
من جانبه يقول د.مجدي عبد الحميد منسق عام الحركة المدنية الديمقراطية في حديث لـ”فكر تاني”: “الموقف من التشكيل الوزاري الجديد بدأ من اختيار، مرة أخرى، الدكتور مصطفي مدبولي رئيسا للوزراء، وهو ما يعني أنه لا تغيير ولا تبديل للسياسات”.
ويضيف عبد الحميد أن اختيارات الوزراء مرتبطة باختيار مدبولي، و لا جديد في الاختيارات في ظل تجاهل القضايا الكبرى في الإصلاح السياسي والدستوري والاقتصادي، والإصرار على تعزيز نفس السياسات والتوجهات.
ويرى منسق عام الحركة المدنية الديمقراطية أن بعض الاختيارات عليها علامات استفهام وتعجب، وإحداها جاء كمكافأة على تجميد “ما يسمى الحوار الوطني”، وفق تعبيره، لكنه يرى أن تغيير وزير الخارجية يمكن أن يشكل نقطة إيجابية بقدر بسيط.
وفي السياق نفسه، ينقل مجدي حمدان عضو الهيئة العليا بحزب المحافظين في حديثه لـ”فكر تاني”، مشاعر اللامبالاة التي رصدها بين مواطنين تحدث معهم صباح اليوم عن التشكيل الوزاري الجديد وحركة المحافظين، مشيرا إلى أن بعضهم قال :” عملوا ايه قبل كده علشان يعملوا بكره”.
هذه العبارة يصنفها حمدان في خانة التجاهل والإحباط من حدوث تغيير في فكر الحكومة الجديدة، مؤكدا أن معظم الوزراء الجدد كانوا في مواقع مسؤولية ينفذون الاستراتيجية القديمة، وبعضهم عمل مع الوزراء السابقين، ما يعني عدم وجود استراتيجية جديدة.
وتساءل عضو الهيئة العليا بحزب المحافظين: ” كيف نشهد تغييرًا في السياسات في ظل وجود رئيس الوزراء نفسه على رأس الوزارة، وبقاء بعض الوزراء الذين ثبت فشلهم في قضايا كالبيئة والرياضة وغيرهما؟”
ويؤكد حمدان أنه لا يعول على التشكيل الوزراي الجديد، خاصة في ظل وجود تساؤلات واسعة على بعض الاختيارات ومغزاها وسببها وطريقة تمريرها بشكل غريب.
في المقابل، أعلن ناجى الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطى، دعم حزبه للحكومة الجديدة لأنها تضم عناصر لهم بصمة فى مهامهم الحالية.
وقال في بيان:” الحكومة الجديدة ستكون متجانسة ومن المتوقع أن تنجز هذه الحكومة المهام المكلف بها من خلال توجيهات الرئيس السيسي”.
الإطاحة بالمجموعة الاقتصادية
وشهد التغيير الوزاري الجديد الإطاحة الكاملة بالمجموعة الاقتصادية بمفهومها الضيق الذي يشمل وزارات المالية والتخطيط والتجارة والصناعة والتعاون الدولي والمفهوم الأشمل الذي يضيف للحقائب سالفة الذكر “التموين” والإسكان والتضامن الاجتماعي والبترول والكهرباء”.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، كان الحديث عن رحيل المجموعة الاقتصادية مطلبًا شعبياً مصرياً ومناشدة من بعض الدول الصديقة مثل الخليج أيضًا التي رأت أن وجود أسماء بعينها لا يضمن الاستفادة الحقيقة من البرامج التمويلية المقدمة لمصر.
ومع تغيير المجموعة الاقتصادية، حققت السندات المصرية المقومة بالدولار أكبر مكاسب في مؤشر بلومبرج للعائد الإجمالي للسندات السيادية بالأسواق الناشئة، بعد التغييرات العديدة التي طالت حقائب المجموعة الاقتصادية في الحكومة الجديدة.
وسجلت سندات مصر الدولارية مستحقة السداد في مارس، أكبر ارتفاع منذ 6 مارس الماضي، عندما خفضت مصر قيمة عملتها، واتفقت على إبرام صفقة قرض بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
ما هي المجموعة الاقتصادية؟
يتولى وضع التوجهات الاقتصادية لجنة تضم وزراء المجموعة الاقتصادية منذ عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك وحتى الآن، واختلف عدد أعضائها باستمرار لكنها ظلت دائما برئاسة رئيس الوزراء، ووصل أكبر عدد لها في حكومة حازم الببلاوي حينما بلغ عددها 11 وزيرا، بضم وزراء “التعاون الدولي، والزراعة، والإسكان، والبترول، والسياحة، والتموين”.
في وزارة المهندس إبراهيم محلب السابقة، اُستبعد من عضوية اللجنة عام 2014 وزراء الاستثمار، والتعاون الدولي والسياحة والزراعة والإسكان ليتراجع العدد إلى 6 وزراء، وفي عام 2015، قام المهندس شريف إسماعيل برفع العدد إلى 9 أعضاء، معيدا وزراء السياحة والاستثمار والتعاون الدولي، لكنه أعاد تشكيل اللجنة بعد عام واحد لتصبح من 7 أعضاء، مستبعدا وزيري البترول والتموين.
السياسات أهم من الأشخاص
هاني توفيق، الخبير الاقتصادي ورئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر سابقًا، يرى أن الأهم من الأسماء الجديدة، هي السياسات، والتمكين، وتفعيل مبادئ المساءلة، والمحاسبة، ووحدة الموازنة، وغيرها.
ويشدد توفيق في حديثه لـ”فكر تاني ” على أن تغيير الأشخاص مهم لإحياء الأمل لدى المواطنين، لكنه يرى أن الأهم هو تغيير السياسات التي تحقق آمال هؤلاء المواطنين في حياة أفضل والتركيز على المؤشرات الحقيقية كالعجز النهائي بالموازنة وهو محصلة أداء الدولة خلال عام وليس الفائض الأولي، ووجود موارد وخطة واضحة لسداد الديون وليس مجرد التأكيد على أن نسبتها للناتج المحلى تنخفض سنويًا.
وأثارت بعض الاختيارات في الوزارة الجديدة الجدل مثل استمرار اختيار وزير للتموين من قطاع الاتصالات والبريد مثل الدكتور عليّ مصيلحيّ وشريف فاروق، وكذلك الحال بالنسبة لوزارة الزراعة التي أصبح وزيرها يأتي محاسبا من البنك الزراعي كالسيد القصير وعلاء فاروق.
وأضاف أن هناك فرق شاسع بين خفض “سعر الدولار ورفع قيمة الجنيه فليس المهم خفض سعر الدولار نتيجة لتوفر السيولة -المؤقتة- الناتجة عن بيع أصول والمساعدات والمنح والقروض ولكن الأهم “رفع قيمة الجنيه” الدائمة نتيجة التحسن المستمر بمؤشرات الاقتصاد الحقيقي أي الاستثمار والتشغيل، وإحلال المستورد بمنتج محلى والتصدير وسداد الديون.
المحك هو تغيير القماشة
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي محمد النجار، لـ”فكر تاني” :” إن المحك هو تغيير القماشة أو بمعنى أخر توفير صلاحيات واسعة للوزراء وتغيير في السياسات وأن يكون الوزير صاحب رأي وقرار”.
لكن حنان رمسيس، محللة أسواق المال، ترى أن التعديل الوزاري يتماشي مع هوى المواطنين الذين سخطوا من أداء المجموعة الوزارية المحملة بالإخفاقات في الفترة الأخيرة خاصة في ملفات الأزمات الاقتصادية والأسعار ونقص إمدادات الغاز وقطع الكهرباء، وعدم توظيف الاستثمارات الداخلة لمصر بشكل جيد.
وتضيف رمسيس أن الدمج في الوزارات واستحداث وزارة جديدة للاستثمار بشخصية لها سجل وظيفي متنوع بين سوق المال والبنوك خلق حالة تفاؤل انعكس على أداء البورصة اليوم، ويشير لتوجه الدولة نحو توفير التمويل وحل مشكلات مثل عجز الموازنة عن طريق الاستثمار وليس عن طريق فرض الضرائب.
وانتعشت البورصة خلال تعاملات اليوم لتنهي التعاملات على مكاسب بنحو 8 مليارات جنيه لرأسمالها السوقي، وارتفع مؤشر السوق الرئيسي “إيجي اكس 30” بنسبة 0.63% ليصل إلى مستوى 28161.17 نقطة، كما زاد مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة “إيجي اكس 70 ” بنسبة 0.18% ليصل إلى مستوى 6235.31 نقطة، وشملت الارتفاعات مؤشر “إيجي اكس 100” الأوسع نطاقا والذي زاد بنحو 0.1% ليصل إلى مستوى 9064.17 نقطة.
خطط ثقافية
وحول اختيار أحمد فؤاد عبد السلام هنو وزيرا للثقافة، قال الشاعر والصحفي سيد محمود رئيس تحرير جريدة القاهرة الثقافية الأسبق:” إن الإشكالية ليست في شخص وزير الثقافة، فقد مر على وزارة الثقافة منذ العام 2011 أكثر من 10 وزراء وليس هناك أي تغيير يذكر في تلك التغييرات”.
ويضيف محمود أنه ليس هناك أي اتفاق على سياسات ثقافية أو رؤية واضحة أو حتى منظومة تحكم العمل الثقافي في فترات التحول، ذلك إذا اعتبرنا أن كل تلك الفترة هي فترة تحول.
ويشير رئيس تحرير جريدة القاهرة الثقافية الأسبق إلى أن تلك السنوات الأخيرة شهدت صعودا واضحا لمؤسسات ودول خليجية بدأت تهتم بالثقافة المصرية في الوقت الذي تراجعت فيه كل الأدوار التي كانت تلعبها المؤسسات المصرية فيما يتعلق بسياسات الجوائز وتنظيم المهرجانات والمؤتمرات بسبب نقص الدعم الحكومي أو تراجعه في الفترة الأخيرة.
ويوضح محمود أنه خلال عهد الدكتورة نيفين الكيلاني مثلا، فشلت وزارة الثقافة أن تنظم فعاليات مثل مؤتمر الرواية أو الشعر أو حتى المؤتمرات التي كان ينظمها المجلس الأعلى للثقافة مشيرا إلى أنه بالرغم من التحديات التي تواجه تلك المؤتمرات إلا أنها كانت مؤشرا على رغبة الحكومة في الحفاظ على ما يسمى بالقوى الناعمة.
ويلفت رئيس تحرير جريدة القاهرة الثقافية الأسبق الانتباه إلى أن تمثيل الأدب المصري الواضح والنجاحات التي تحققت في السنوات الأخيرة جميعها مصدرها الاستجابات الفردية أو الجهود التي يقوم بها المجتمع المدني الثقافي على الرغم لما يتعرض له من حصار.
ويؤكد محمود أنه لا يتم استثمار هذه الجهود بحيث تعبر عن قوة الثقافة المصرية كما كان الحال في سنوات الوزير الأسبق فاروق حسني في فترة التسعينيات حتى بدايات الألفية، كان هناك رغبة من الدولة في تبني مشروعات ثقافية تعطي انطباعا دائما بوجود قوى ناعمة في مصر
ويضيف محمود أن في تلك الفترة، أيضًا، كان يوجد رغبة حقيقية من الدولة في تقديم الخدمة الثقافية للقطاعات العريضة من الشعب المصري وظهرت مشروعات مثل القراءة للجميع ومكتبة الأسرة.
ويشير محمود إلى أن هذه المشروعات تعرضت للتراجع في السنوات الأخيرة وبقي معرض الكتاب وحده هو الفعالية التي تتسم بشيء من الجماهيرية، وذلك بالإضافة إلى أنه المكان الوحيد الذي يتيح بعض مساحات التواصل مع المثقفين في العالم العربي، وباستثناء تلك المساحة، فإن المؤسسات الثقافية تعرضت للتدهور والتراجع.
ويرى رئيس تحرير جريدة القاهرة الثقافية الأسبق أن المأمول من الوزير الجديد أن يسعى لأن يكون هناك سياسة ثقافية واضحة تضمن تقديم برامج عمل وفتح مساحة أكبر للمجتمع المدني ومحاولة توظيف النجاحات الفردية التي يحققها سواء فنانين أو كتاب على قدر كبير جدا من النجاح.
ترقب عمالي
وتترقب قيادات عمالية عديدة مواقف محمد جبران وزير العمل الجديد الذي كان قائما بأعمال رئيس اتحاد العمال، وتولي رئاسة النقابة العامة للعاملين بالبترول، والوزير رقم 12 الذي يأتي من اتحاد العمال للوزارة.
وقال محمود هريدي رئيس النقابة المستقلة لعمال مصنع يونيفرسال في حديثه لـ”فكر تاني”: سبق وأن توجهنا للوزير عندما كان يشغل منصب رئيس الاتحاد العام لعمال مصر، وحينها أبدى تعاطفا كبيرا مع مشكلة النقابة”المفصولة” ومشكلة عمال يونيفرسال جميعا ووعد بحل أزمة النقابة بعد حصولنا على أحكام”.
ويعرب هريدي عن تخوفه من تحول موقف الوزير بعد المنصب الجديد، بالرغم من أنه نقابي وجاء من قلب النقابات بحسب وصفه، ضاربا المثل بتحول موقف الوزير السابق حسن شحاتة الذي أبدى تعاطفه مع العمال حينما كان رئيسا للاتحاد، لكن بعد توليه منصب الوزارة رفض مقابلتهم من الأساس.
وعن ما يتمناه العمال من الوزير الجديد، قال هريدي:” نتمنى من الوزير محمد جبران أن يسن قانون يجبر رجال الأعمال على تنفيذ الأحكام القضائية للعمال، وأن يطلق الحريات النقابية ويحمي النقابات من بطش رجال الأعمال، تكون فيه يد الدولة هى العليا وليس رجال الأعمال”.
وطالب هريدي، جبران بالاعتراف بمشروعية الإضرابات وعدم فصل أي عامل على خلفية استخدام حقه في التظاهر والإضراب، بالإضافة لإجبار القطاع الخاص على تطبيق الحد الأدنى للأجور.
وحول قانون العمل الجديد وموقف الوزير منه، حذر هريدي من استمرار مناقشة قانون العمل الجديد في غرف مغلقة بعيدا عن العمال مؤكدا أهمية تمثيل العمال بنفس قدر تمثيل رجال الأعمال في الحوار المجتمعي الدائر حول قانون العمل الجديد.
ترقب للأداء
في السياق ذاته ، عبر الدكتور شريف المصري ، رئيس الاتحاد المصري للنقابات العمالية عن ترقبه لأداء الحكومة الجديدة وبالأخص دور وزير العمل الجديد ، في ظل الوضع الحالي وما يعانيه المواطن من بطالة وفقر خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.
وأكد المصري ضرورة وجود حلول جذرية حقيقية لحل جميع المشكلات، وأن تتبنى الحكومة الجديدة إعادة النظر في السياسات العامة خصوصا الملفات الاقتصادية.
وشدد رئيس الاتحاد المصري للنقابات العمالية على أهمية ترسيخ الحريات النقابية، والسماح بتأسيس النقابات بحرية ، وعدم تدخل الجهات الإدارية في عمل النقابات ، ومناقشة قانون العمل الجديد بشكل محايد لضمان حماية حقوق العمال، ، والبت في الشكاوى المقدمة للجنة الشكاوى في وزارة العمل والخاصة بالنقابات المعطلة، على رأسها نقابة الضرائب العقارية المعطلة.
وطالب المصري وزير العمل الجديد باحترام حقوق النساء في العمل وإلغاء التمييز الذي يمارس ضدهن، وتقديم استراتيجية شاملة حول ملف العمالة غير المنظمة.
تحديات الصحة
وفي تعليقه على استمرار وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، قال الدكتور أبو بكر القاضي أمين صندوق نقابة الأطباء في حديثه لـ”فكر تاني “: “نراها خطوة إيجابية، وذلك فى ظل استراتيجية الحوار والتنسيق المتبعة من الدكتور حسام مع النقابة، وذلك رغم الخلاف فى عدة قضايا”.
ويضيف القاضي أن “ملف الصحة من أهم الملفات التى تهم المواطن المصرى، ونحن نأمل أن تعمل الحكومة الجديدة على ترميم ما يواجه هذا القطاع من قصور، وتسريع العمل بقانون التأمين الصحى الشامل فى المحافظات”.
ويوضح أمين صندوق نقابة الأطباء أن الفترة المقبلة تمثل تحدي كبير فى قطاع الصحة، وذلك فى ظل قانون جديد لتأجير المستشفيات مثير للجدل، ووجود تحديات كبيرة فى قطاع الأدوية، ولذا نأمل أنه مع استمرار وزير الصحة أن تعمل الحكومة على استمرار الحوار مع النقابة وحل أزمات المواطن فى هذا القطاع.