الإعاقة في شوارع القاهرة وطبق الكشري البعيد

أثناء المرحلة الأولي لارتباطي بعالم الإعاقة، كنت أكتشف هذا العالم من خلال الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم، واذكر حكايات كثيرة كشفت لي اسرار عالم الإعاقة الخفي.

من الحكايات التي لن أنساها تلك القصة التي حدثت عندما طلبت مني صديقتي المحامية الشابة والتي تستخدم عكازين حضور مرافعتها الأولي أمام المحكمة، كنت سعيدا جدا لرؤيتها تترافع بلغة قانونية سليمة والبسمة الواثقة تكسو ملامحها الطيبة.

بعد المرافعة طلبت مني أن أكافئها بطبق كشري عند مطعم شهير بوسط البلد، وافقت بالطبع علي هذا الطلب الذي كنت أظنه بسيطا جدا، لكن هذا الطلب جعلني أرى شوارع القاهرة التي أحبها و أحفظها عن ظهر قلب من زاوية مختلفة وكأني أعيد اكتشافها من جديد.

وصلنا إلى وسط البلد بصعوبة بسبب الزحام الشديد في ذلك اليوم، ولم يتمكن سائق التاكسي إيصالنا إلى مكان المطعم وتركنا اسفا في ميدان عبد المنعم رياض، المسافة بيننا وبين المطعم شارعين فقط لكن المسافة القصيرة تحولت لرحلة طويلة استغرقت أكثر من ساعة.

الأرصفة المرتفعة التي اعتدت عبورها يوميا اصبحت حواجز تسرق الجهد والوقت معا، فصديقتي لم تتمكن من صعود الأرصفة وكان علينا أن نمشي لأخر الرصيف حتى نجد مكان يمكنها المرور منه، وبعد كل رصيف نجد أخر يقف متحديا رغبتنا في طبق الكشري الذي أصبح بعيدا رغم أننا نكاد نراه أمامنا في نهاية الشارع.

أقرأ أيضا : التمييز والكراهية بين الدستور والقانون

وصلنا بعد جهد ووقت طويل للمطعم حيث طبق الكشري الذي كان مكافأة مستحقة علي الوصول، حافظت صديقتي علي ابتسامتها وهي تتناول الكشري بسعادة، كان واضحا اعتيادها علي الحواجز التي تحاربها كل يوم، أما أنا فقد انشغلت بالصورة الجديدة لشوارع القاهرة فأنا لم أرى من قبل تلك الحواجز وهي أمام عيني كل يوم.

جعلتني تلك الحكاية أعمل علي إصدار تقرير عن الحق في الوصول والحواجز لكن للأسف لم يصدر هذا التقرير حتى الأن، لكني راجعت في تلك الفترة أكواد البناء التي يصدرها المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، والحقيقة أنها كانت في تلك الفترة تتضمن بعض المعايير الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة لكن لم أجد اي تطبيق لتلك المعايير حتي في المدن الجديدة، وكأن المسؤولين عن المباني والطرق في مصر لا يروا الحواجز التي يضعوها بأنفسهم أمام ذوي الإعاقة.

كان من المفترض أن يتغير الوضع بعد انضمام مصر لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة 2007، والتي ساهمت في صعود الحركة الاجتماعية للإعاقة بعد أن أصبح لعالم الإعاقة مرجعية حقوقية معترف بها دوليا، كما أصبح المطلب الأول للحركة هو إزالة الحواجز بكل أشكالها لتمكين ذوي الإعاقة من الوصول لحقوقهم علي أسس مبدأ المساواة، لكن الواقع لم يتغير كثيرا.

الحواجز ظلت موجودة وتزيد كل يوم، فالحكومة اكتفت بالاعتراف الرسمي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة علي المستويين الدستوري والقانوني، حتى أن مركز بحوث الإسكان أصدر كود جديد برقم 601 في 2019 خاص بإزالة الحواجز وتهيئة المباني للأشخاص ذوي الإعاقة تنفيذا لقانون حقوق ذوي الإعاقة 10 لسنة 2018 ولائحته التنفيذية، لكن رغم كل ذلك تبقى المسافة شاسعة بين الواقع والقوانين.

اقرأ أيضا : الإعاقة والعمل والحياة الكريمة

وأعتقد أن إزالة الحواجز لن تتم بقوانين أو حتى قرارات تنفيذية، فالمشكلة الحقيقة أن المسؤولين لا يرون الحواجز.

ولحل المشكلة اقترح أن يقوم كل مسؤول بدعوة شخص من ذوي الإعاقة علي طبق كشري في وسط البلد، وأن يمشي معه قليلا في شوارع القاهرة، حينها فقط سيرون تلك الحواجز ويدركون معناها.

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة