قبل أن تستقيل الحكومة، رسمت دائرة جهنمية مستقبلية للتضخم بعدما قررت رفع أسعار الخبز 300%، من 5 إلى 20 قرشًا، وإقرار زيادة في أسعار الأدوية تدور ما بين 20 و25%، فضلاً عن دراسة تحرير سعر الكهرباء خلال 4 سنوات، وكذلك أسعار الوقود.
بحسب خبراء، فإن الحكومة المستقيلة غزت التضخم المستقبلي، قبل موعد مراجعة صندوق النقد الدولي للبرنامج الإصلاحي، فارتفاع الأسعار سيتبعه موجهة تضخم تتطلب رفع أسعار الفائدة للمواجهة أو إقرار حزمة جديدة من تحسين الرواتب فينكمش القطاع الخاص وتقل قدراته على التوسع وطلبه على العمالة.
تقول الدكتورة عالية المهدي، خبيرة الاقتصاد، إن كل قرارات رفع الدعم تضخمية بطبعها، فالتضخم يمس القوى الشرائية لمحدودي الدخل بشدة ويخفضها، متسائلة: ما هي السياسات التي وضعتها الحكومة "السابقة" للحد من التضخم المتوقع؟
وأضافت المهدي عبر صفحتها الشخصية على فيس بوك: "محدش يقولي ان الحكومة هتزود الدعم النقدي، لأنه كمان بيزيد التضخم أكتر، الحل الأساسي لابد أن يكون زيادة الإنتاج بكل أنواعه سواء السلع الغذائية او الاستهلاكية الأخرى بأنواعها.
تابعت: "في السبعينات والثمانينيات وبعدها كانت هناك مخابز حكومية آلية… كان الرغيف حجمه مناسب علي الاقل ١٥٠ جرام وجودته عالية…و سعره بمعايير زمان كان مناسب جدا… يعني عموما رغيف المخبز الآلي كان أفضل كتير من رغيف المخابز البلدي"
لا تتوقع المهدي أن يستمر سعر الرغيف طويلا عند ٢٠ قرشًا، قائلة:" سيحرر تدريجيًا في فترة قصيرة بحسب متطلبات صندوق النقد الدولي وذلك للحد من عجز الموازنة، وفي رأيي أن خفض الدعم عن الخبز و الكهرباء لن يكون كافيًا لخفض عجز الموازنة، ولكن الموازنة لابد أن تخفض الإنفاق الاستثماري بشدة".
توقيت صعب على الحكومة الجديدة
وأكدت المهدي أن التوقيت الحالي صعب وعلي الحكومة "الجديدة" أن تتصف بالحنكة والحكمة بمعالجة القضايا الاقتصادية، وعليها أن تسعي جاهدة لأن تحد من اتجاهها للاقتراض الخارجي، حتي تخفف عن جد أعباء الديون علي الموازنة العامة للدولة والتي تزيد بشدة عن أعباء دعم الخبز والكهرباء".
وكشفت بيانات صادرة عن معهد التمويل الدولي أن الدين الحكومي في مصر ارتفع بما يمثل 81.4% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام الجاري مقابل 80.5% في الربع المماثل من العام الماضي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض إجمالي الدين المصري إلى 82.6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025، من أكثر من 90% في عام 2024، مرجحًا أن معدلات الدين في مصر ستواصل الانكماش في ظل برنامج القروض الذي يقدمه الصندوق للبلاد.
يقول عبد الفتاح الجبالي، الخبير الاقتصادي، إن التضخم يعد العدو الرئيسي لأصحاب الدخول الثابتة "الأجور وأصحاب المعاشات"، الأمر الذي يتطلب تدخل الدولة عبر سياسة الدعم، وليس العكس كما يتصور الذين يطالبون بخفض القيمة الحالية للدعم السلعي أو على الأقل الحفاظ عليه، على أن يتحمل المواطن الفرق بالأسعار، وذلك بحجة الحفاظ على عجز الموازنة عند مستواه الراهن.
وكشف التقرير الشهري لوزارة المالية عن تراجع عجز الموازنة العامة للدولة خلال أول 10 أشهر من العام المالي الجاري إلى 5.58% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 5.64% خلال نفس الفترة من العام الماضي، ليبلغ العجز الكلي للموازنة نحو 781 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو إلى أبريل من عام 2023-2024 مقابل نحو 570 مليار جنيه خلال نفس الفترة من عام 2022-2023.
حجة واحدة لإلغاء الدعم السلعي
أضاف الجبالي لـ "فكر تاني" أن دعاة سياسة تقليص الدعم العيني يعتمدون على حجة واحدة فقط ترى أن الانكماش المالي جزء من برنامج جدير بالثقة لتقليص العجز والديون ويهدف إلى الحد من حصة الحكومة في الناتج المحلى الإجمالي بشكل دائم وهو المنهج الذى اصطلح على تسميته التقشف التوسعي، ويحظى بقبول لدى صندوق النقد ومن سار على نهجه، وأخذت به العديد من البلدان، والتي ركزت جهودها على جانب المصروفات خاصة الأجور والدعم.
يشدد الجبالي على أن تلك السياسات أثبتت فشلها تمامًا وبدأ بالفعل إعادة النظر بها، فالعديد من الدراسات حذرت منها لعدم جدواها ولآثارها السلبية على النمو وتوزيع الدخل وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، كما أنها تعمل فى إطار مجموعة محددة للغاية من الشروط، وتفشل فشلاً ذريعًا عندما تكون هذه الظروف غائبة.
صندوق النقد الدولي ذاته تراجع عن تلك الأفكار حينما ثبت أن سياسة التقشف التي كان يدعو إليها عن طريق تخفيض النفقات العامة، خاصة على بعض الجوانب الاجتماعية كالأجور والدعم، أدت في النهاية إلى المزيد من عدم المساواة وسوء توزيع الدخول، بل أقر أن هناك إفراطًا شديدًا في تخفيض الموازنات، ما أدى إلى نتائج عكسية أضرت بأهداف النمو والعدالة الاجتماعية وحتى استمرارية السياسة المالية ذاته، مضيفًا أن الاستمرار في سياسة الدعم "ضروري" إذ لا يشكل ضرورة ملحة بالنسبة للفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة.
هل الدعم ضروري؟
بحسب بحث الدخل والإنفاق عن عام 2019/2020، فإن الدعم حد من معدلات الفقر بنسبة 10%، إذ أسهم دعم البوتاجاز بالحد من الفقر بنسبة 4.3% ودعم الكهرباء بنحو 2.8% والغذاء بنسبة 3%، وهي نتائج تؤكد أهمية وضرورة هذه السياسة بشكل عام.
أوضح البحث أيضًا، أنه رغم ارتفاع قيمة الدعم من 111 مليار جنيه عام 2010/2011 إلى 132 مليارًا فى الحساب الختامي لعام 2019/2020 وإلى 138 مليارا بموازنة 2021/2022 إلا أن نسبته من المصروفات قد تراجعت من 28% إلى 9% و7.5% خلال نفس السنوات على الترتيب. وكذلك تراجعت نسبته للناتج من 8% تقريبا إلى 3.8% و3% خلال نفس الفترة.
بحسب الإحصائيات الحكومية، فإن 84% من الأسر المصرية تمت تغطيتها من خلال منظومة الدعم السلعي في 2019/2020، وترتفع هذه النسبة في الريف إلى 91% مقابل 75% بالحضر، ويمثل ما تحصل عليه الأسرة فى الشريحة الدنيا من الإنفاق، من دعم للسلع الغذائية نحو 12% من إجمالى استهلاكها من الغذاء، والشريحة الأخرى تصل إلى 10% مقابل 4.5% فى الشريحة الأعلى. وتختلف هذه النسبة وفقا لنوع السلعة.
يضيف الجبالي أن المشكلة الأساسية هي كيفية تحديد الفئات المستحقة للدعم والمعايير التي يمكن استخدامها لتحقيق هذا الهدف. وبالتالي، يجب العمل أولًا على إعادة تعريف مستحقي الدعم والوصول به إلى مستحقيه فقط، مع ما يتطلب ذلك من إعادة لترتيب أولويات وأدوات الدعم بشكل يضمن انحيازه للفقراء من ناحية، ويتيح من ناحية أخرى توفير بديل عملي لتخفيف الضغوط المتزايدة على الموازنة العامة.
يقول عز الدين حسنين، الخبير الاقتصادي، إن السياسة الانكماشية للمالية والنقدية لها مخاطر ولابد من وضعها في الاعتبار وإلا أتت بنتائج عكسية، يؤكد أن إيجابياتها في نفس الوقت على المدى القصير، ولابد من حساب التكلفة والعائد لمنع السقوط الحر (التضخم المفرط) فالتضخم عندما يصل لـ 40% علي أساس سنوي "يبقي ده السقوط الحر".
أضاف حسنين لـ "فكر تاني" أنه من الممكن أثناء علاج التضخم، تلقي أموال ساخنة بحجم كبير ما يسبب تضخم مضاعف، و رفع الفائدة أحيانا يكون خطأ، وخفض الفائدة أحيانا خطأ، فمصر تمر بوقت يجب أن يكون القرار به بميزان من ذهب، فلا ينفع أن نعرض الاقتصاد للتجربة والخطأ".