تصوير: محمد ليل
في الجزء الثاني من سلسلة حوارات مع منصة "فكر تاني"، تحدث الأديب محمد سلماوي عن واقع الأدب المصري وما يمر به من منعطف جديد، وهو الذي تولى رئاسة اتحاد الكتاب لعشر سنوات، وقدّم أعمالًا أدبية ترجمت للغات متعددة ونالت شهرة عالمية. وكانت من بين أعماله: "الرجل الذي عادت إليه ذاكرته" و"أجنحة الفراشة" التي تنبأت بثورة 25 يناير. حصل سلماوي على العديد من الجوائز والأوسمة مثل جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2012.
في الحوار، كشف "سلماوي" عن أسرار أعماله الأدبية وأشار إلى جوانب القصور في الأدب المصري والعربي. كما ناقش العلاقة بين الإنتاج الأدبي العربي والغربي وقدم وصاياه للأجيال القادمة من المبدعين بمصر.
فإلى نص الحوار:
الأدب في الشرق الأوسط انغماس بقضاياه
المطلع على "أدب سلماوي" يلاحظ ارتباطًا وثيقًا بالواقع في بعديه السياسي والاجتماعي، حتى عندما تستعين بالأساطير، كيف تعلق؟
تلك ملاحظة في محلها، وسببها إيماني بأن الأديب يجب أن يكون مهمومًا بقضايا وطنه.
لا يصح انغماس الأديب بفلسفته بعيدًا عن الواقع، خاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ فالقضايا السياسية والاجتماعية حاضرة بشكل واسع جدًا، يصل إلى حد يجعل القارئ ينتظر من مواقف الأديب ورؤيته للواقع المعاش، وقد لا يقبل القارئ أن يبتعد الأديب عن هذه القضايا اليومية.
هذا الوضع الأدبي لن تجده مثلًا في مجتمعات أخرى، تتمتع بمزيد من الاستقرار في قواعد الحياة ومتغيراتها. حينها يكون للأديب رفاهية أن يتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الإنسان بالكون وما شابه. لكن في منطقتنا التي تموج بالتغيرات والتفاعلات الاجتماعية والسياسية والإنسانية، يصعب هذا الانفصال.
هذا التأثر بالواقع يسهل أن تجده في مسرحيات: "القاتل خارج السجن"، و"فوت علينا بكرة"، ورواية "أوديب في الطائرة"، وكذلك تجد تأثرًا بالقضايا القومية الكبرى في "سالومي" و"الخرز الملون"، وبعض المجموعات القصصية الخاصة بي مثل "وفاء إدريس"، حيث أعالج القضية الفلسطينية باعتبارها قضية قومية عربية.
فلسطين عندي قضيتنا جميعًا نحن العرب، وهي في قلبها صراع بين قومية تؤمن بوحدة الوطن العربي دون جسد غريب صهيوني زُرع بها، وقومية صهيونية دينية تؤمن بأن تلك الأرض من النيل إلى الفرات هي ملك لليهود.
فلسطين ليست قضية صراع فلسطيني إسرائيلي وإنما هي صراع عربى إسرائيلي. وهذه قناعتي.
بين التأثر والتقليد الأدبي
لديك تنوع ثقافي كبير وهناك عدة تداخلات ما بين الأدب الفرنكفوني والأدب العربي والتأثر بالعمل الصحفى، ما هي المدرسة الأدبية التي تأثر بها محمد سلماوي؟
كل ما قرأته وكل ما تعرضت له من مؤثرات ثقافية أو أدبية أو فكرية أو فنية أثر بي، ولكن هناك فارق شاسع بين التأثير والتقليد، لا يجيد بعض الناس تمييزه.
وكما قلت تأثرت بكل ما اطلعت عليه، لكن لا أستطيع القول بأنني أنتمي لهذه المدرسة دون غيرها، حتى وإن كان أدب نجيب محفوظ؛ لن تجد هذا التأثر في رواياتي، ولا أعتقد أن هناك تأثرًا كذلك بتوفيق الحكيم في مسرحياتي، ولا هناك تأثر بالسرد الفرنكفوني فيما أنتجت من أعمال.
أنا أستخدم أسلوبًا يكاد يقترب من السرد الصحفي بسلاسته وبساطته ولكن بشيء أكبر من البلاغة. أما المدارس الأدبية فإن تأثري بها سطحي لا يجعلني أنتمي لمدرسة محددة أو يحول أعمالى إلى التقليد الفج.
أؤمن بالتعدد الثقافي، وتقديري للأدباء حسب العمل نفسه، لأنني لو التزمت بأديب واحد وقلت إنه الأول في العالم، هنا أقع في مسألة التقليد.
يعصمني من هذا التقليد أنني أميل للتنوع الثقافي.
تميزت أعمالك الأخيرة، وخاصة المذكرات، بتأثر واضح بالثقافة الإسلامية ومرادفاتها، خاصة في عناوين مثل "يومًا أو بعض يوم" و"كالعصف والريحان"؟
بالتأكيد لدي هذا التأثر، لكنه كما قلت سلفًا ليس التأثر الوحيد.
في رواية "أوديب في الطائرة" مثلًا هناك تأثر بفكرة جلب الأسطورة وإسقاطها إلى الواقع المعاش، هذا الاستدعاء غير مألوف لدينا لكنه يفسر ما أؤمن به من كوني أميل إلى هذا التنوع.
بلا شك، تأثرت بالتراث العربي، وخاصة القرآن الذي أجده أقوى كتاب بلاغي مكتوب باللغة العربية. هذا التأثر موجود ليس في المذكرات فقط، ولكن في أعمال أخرى أنتجتها.
كذلك، هناك تأثر بالقوالب العربية القديمة، تجده في رواية "الخرز الملون" مثلًا، والتي تروي قصة الصراع العربي الإسرائيلي.
المهم هنا ليس التأثر وإنما توظيف ما تأثرت به وبأسلوب يتناسب مع هويتك الأدبية، وهو ما حدث معي في تأثري بالثقافات غير العربية، وهو ما تجده فى تأثيرات مسرح العبث، الذي يؤمن بأن الحياة عبثية فلا معنى ولا قيمة لها، ولذلك يلجأ لتوصيف الحياة بشكل هزلي مبالغ فيه، كما في مسرحية "فوت علينا بكرة"، التي تنتقد عبثية البيروقراطية في واقعنا المعاش، وهو معنى مختلف تمامًا عن العبثية في أدبيات كُتاب فترة منتصف القرن العشرين في فرنسا.
سلماوي ومبارك والثورة
في روايتك الأخيرة، استعرت من التاريخ مشاهد أسقطتها على الواقع.. متى يلجأ الكتاب لاستحضار التاريخ؟
وفقًا لمتطلبات العمل الدرامية، ففي "أوديب في الطائرة" كنت أصور مأساة الرئيس الذي كان يقال له إنه بطل الحروب وصاحب الضربة الجوية والبطل المغوار حين ثار عليه شعبه، فتقع المأساة ما بين صورته الذاتية التي لا يصدق غيرها وصرته لدى جماهير تراه حاكم ظالم ارتكب جرائمًا بحق الشعب، وهذا هو موضوع ثورة 25 يناير.
هنا كان التشابه الذي استدعى إسقاط أوديب مرة أخرى إلى الواقع، والاستعانة بالتاريخ أو الأسطورة كانت له وظيفة درامية محددة أنقذت الرواية من السقوط في فخ السرد الجامد لأحداث الثورة.
هل كنت تقصد فى روايتك الأخيرة أن تحذر الرؤساء من الانفصال عن الشعب الذي يقود إلى مصير أوديب ومبارك؟
كل عمل فيه معنى مقصود، وتفسيرات لا نهاية لها، وهذه ميزة العمل الفني عن المقال الصحفي وكتب التاريخ.
العمل الفني يشع بالمعاني طوال الوقت، وقد يكتسب فى عصر ما معنى لم يكن موجودًا وقت كتابته، ولذلك تجد كتابات ورسائل أكاديمية عن أعمال شكسبير إلى اليوم، وكذلك أعمال الكتاب الكبار.
أما عن "أوديب في الطائرة"، فإن تركيزي كان معنيًا في الأساس بالصراع النفسي للشخصية البطلة، وهذا ما كنت أعنيه بالربط بين الشخصية الأسطورية أوديب ومبارك اللذين تلاقيا في مصير مؤلم. الوجدان والنفس هما المجال الحقيقى للأدب.
ضجة كبرى أحدثتها رواية "أجنحة الفراشة" خاصة وأنها توقعت أحداث ثورة 25 يناير. كيف تعلق؟
يقول البعض إنها رواية تتنبأ بثورة 25 يناير، وهذا صحيح، لأنها تحدثت عن الثورة، وبعد أسابيع من نشرها وقعت الثورة بالفعل وحدثت كما جرت الأحداث بالرواية. ولكن لم يكن الهدف من كتابتها هذا التنبؤ، فقط كنت أريد تصوير الواقع القائم في المرحلة الأخيرة من عهد الرئيس مبارك، والوضع المأزوم الذي كان في هذه الفترة، وقد قاد منطق تسلسلها إلى حقيقة أن هذا وضع لا يمكن له الاستمرار، وأن مآل هذه الأحداث إلى الانفجار، هذه حتمية درامية لا يمكن للكاتب الهروب منها.
حتى توقع الرواية لتحول ميدان التحرير إلى مركز هذه الأحداث منطقي، لأنه أكبر ميادين القاهرة، وأن يقود الشباب هذا الحراك بديهي من منطلق وعيهم الرافض للقديم والأساليب البالية في الإدارة.
هذه البديهيات والمنطقية في تحليل الواقع جعل الرواية ممثلة لثورة 25 يناير.
لهذا لم تتفاجئ بثورة 25 يناير؟
على العكس فاجأتني بالطبع، لأن هناك فارق بين أن تكتب قصة في كتاب وبين أن تسير في الميدان وترى ما كتبته في الشارع، وليس هناك مفاجأة أكثر من أن تكتب رواية من الخيال فتتحول واقعًا.
تحدثت عن أهمية تعبير الروائي عن قضايا مجتمعه، ما هي أهم القضايا الآنية التي يعيشها المجتمع المصري وتثير داخلك دوافع الكتابة؟
ليست قضية بعينها، بل قضايا، ولكن أيها سيفرض نفسه على عقلي؟ هذا أمر لم أحسمه بعد.
في رأيي، الكاتب لا يختار القضية التي سيكتب عنها، هي تختاره وتفرض نفسها عليه وعلى اهتماماته، بحيث لا يستطيع الهرب، ويضطر للكتابة.
كم استغرق الوقت لتكتب "أوديب في الطائرة"؟
6 أشهر تقريبًا.
نحن وهم.. كيف يرى سلماوي الغرب أدبيًا؟
الكثير من أعمالك الأدبية تمت ترجمته إلى لغات أخرى، وحصلت على تكريمات في العديد من دول العالم، كيف تقيم نظرة الغرب للأدب العربي؟
رؤية الغرب للأدب العربي ظلت معيبة وناقصة لفترة طويلة، وقد بدأت بدوافع استشراقية ليس أكثر، وكانت تدعم رؤيتهم النمطية للشرق، لكن هذا الوضع تغير بشكل كبير جدًا في العقدين أو الثلاثة عقود الأخيرة، وخاصةً منذ نيل نجيب محفوظ جائزة نوبل للأدب.
هذا الرجل لفت النظر الغربي إلى ثراء وتنوع الأدب العربي، ثم بدأت رؤية أقل نمطية تتكون، وإن بقيت بعض التحيزات الغربية موجودة.
وعلى سبيل المثال، رواية "الخرز الملون" التى تعالج قضية فلسطين ونكبة 48 والمذابح التى حدثت للشعب الفلطسطيني في دير ياسين وغيرها، تُرجمت بعد 13 عامًا من نشرها، وأعتقد أن سبب ذلك كونها تتعارض مع المفاهيم السائدة في الغرب عن القضية الفلسطينية، وقد أثبت الواقع الآن أن ما قدمته الرواية هو الحقيقة، وتصوراتهم السابقة عن القضية زائفة، بدليل ما يحدث في غزة حاليًا.
ورغم أن الرواية صدرت سنة 1990، وجدت أن دار النشر تُعيد طبعها مرة أخرى هذه الأيام، كونها الأكثر تعبيرًا عن أحداث غزة، وأستطيع أن أقول إننا أكثر دراية بالأدب الغربي من دراية الغرب بأدبنا.
هل ترى أن الكاتب العربي مُطالب بنقل صورة مجتمعه وقضاياه إلى الغرب؟
أنا ضد إسناد أي دور اجتماعي أو ثقافي أو سياسي للكتاب.
الكاتب مهمته الوحيدة هي أن يكتب، ولكن كتابته بالضرورة سوف يكون لها هذا التأثير، قد يُحمل الكاتب نفسه مهمة أن يُعرف بالأدب العربي وثقافته وقضاياه، ولكن هذا ليس دوره، وفى الأصل تلك مهمة أجهزة معنية، أو اتحاد كتاب، أما الأديب فدوره فقط الإبداع والكتابة.
هل هناك قصور لدينا في ترويج الأدب العربى لدى الغرب؟
بالطبع هناك قصور كبير ومزدوج، وهم أيضًا لديهم قصور في دراسة أدبنا، والغريب أنك تجد الكتب العربية بلغتها الأصلية في معارض الكتاب التي تقام فى أوروبا دون ترجمة.
هذا قصور كبير، وأنا عندما توليت مهمة رئيس اتحاد الكتاب، وجهت بترجمة قصص قصيرة لأهم كتاب هذا الفن بمصر إلى الإيطالية، واتفقت مع الناشر الخاص بي فى إيطاليا لنشرها، وبالفعل صدر الكتاب، وكان الكتاب الوحيد في المعرض عن الأدب العربي باللغة الإيطالية، ولكن هذا الذي توليته هو في الأصل مهمة أجهزة الدولة ووزارة الثقافة ودور النشر.
ولا أقول إن تترجم كل الأعمال، ولكن على الأقل تترجم ملخصات للكتب بلغة الدولة التي يقام بها المعرض، وعليها عرضه على دور النشر الغربية، وحينها تختار تلك المؤسسات الأجنبية الأعمال التي ترى أنها مناسبة للتروجي لديها.
وأذكر أنني عندما كنت رئيسًا لتحرير "الأهرام إبدو" كنت أترجم عمل أدبي كل أسبوع، وكانت الحصيلة أننا أنتجنا 52 ترجمة موجهة للغرب عن أعمال أدبية عربية سنويًا، وكنا نحرص على أن يكون هناك تنوع كبير فى الاختيار، فكان لدينا أعمال لأدباء بداية من نجيب محفوظ إلى أحدث وأصغر الكتاب سنًا، وتم تجميع هذه الأعمال المترجمة في كتاب آخر العام، لكن هذا الأمر توقف بعد أن تركت المنصب ولا أعلم السبب.
تجربة الخليج الأدبية
بالحديث عن جوائز الأدب، كيف تقيم تجربة دول الخليج في إقامة مسابقات كبرى للأعمال الأدبية؟
دول الخليج تستخدم إمكاناتها المادية ترويجًا لثقافتها وأدبها، وهذا شيء جيد، ويشجع الأدب والفن، ولكن تلك الجوائز فى النهاية جوائز عربية وللأدب العربي، ولا تصل إلى مرحلة النشر بالخارج، ونحن نأمل أن يخرج الأدب العربي للعالمية، وينتشر في كل أنحاء العالم وليس في أوروبا فقط.
للأسف حتى الآن، أي كاتب معروف في هذه الدول بفضل اهتمامهم بنا؛ هم من أعطوا نجيب محفوظ نوبل، وحينها لم تكن كل أعماله مترجمة، ومع ذلك تنبهوا له وأعطوا له الجائزة، وبعد ذلك تزايدت ترجمات كتبه وكذلك لآخرين بالأدب العربي، نحن بحاجة .
هناك حركة عربية في هذا الاتجاه حاليًا، خصوصًا وأن هناك وحدة وجدانية بين الشعوب العربية، فيمكن لرواية وسيمي الأعرج في الجزائر أن تقرأ في السودان، ويتقبلها وجدان الكاتب في العراق، والرواية التي يكتبها إبراهيم عبد المجيد بمصر يمكن أن تقرأ فى لبنان ويتأثر بها القارئ الليبي بنفس الطريقة ويتفاعل معها.
أين دورك في طرح تلك الرؤية، خصوصًا وأنت صاحب رؤية تم تنفيذها بالفعل وحققت نجاحًا؟
أنا ضد أن يخرج أي شخص من منصبه ثم يوجه الأوامر، وإن كنت كتبت في العديد من المقالات حول هذا الأمر، ولكن إن أوكلت لي مهمة تنفيذيه حينها سأعمل على تطبيق هذه الرؤية، وهي معروفة ونفذناها من قبل، سواء في رئاسة تحرير صحف، أو قيادة اتحاد الكتاب.
الأدب والدراما التلفزيونية
كيف ترى العمل الأدبى بعد تحويله إلى دراما تلفزيونية؟
كل مجال له أدواته ووسائله، ولا يجب أن نطلب من العمل أن يستخدم وسائل الأدب، فالأدب وسيلته الكلمة، أما السينما فوسيلتها الصورة، وهي تأخذ الفكرة من الأدب، وبالتأكيد لن تنجح الدراما المصورة ما لم تستخدم الوسائل الخاصة بها، وهناك فارق بين الاثنين وقد أدرك الأدباء ذلك، فكثيرًا ما جاء أحدهم ليقول لنجيب محفوظ إن هذا الفيلم أضر بروايتك كثيرًا، فيقول لكل مجال أدواته ووسائله، و"أنا لي كتاب حاسبوني على كتابي أما السينما فهي أمر مختلف".
هل تسببت بعض أعمالك الأدبية فى أزمات لك؟
كل أعمالي تقريبًا. فحين كتبت رواية "الجنزير" كان هناك أزمة في عرضها على المسرح، حينها كانت هناك خوفًا من تفجير المسرح، وذلك رغم أن الدولة هي المنوط بها محاربة التطرف، وكذلك عندما عرضت "سالموي" اعترض البعض على أن هناك تجسيد للنبي يحيى بالعمل، وطالب الكثير بوقفها، ولكن شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (1996 - 2010) حينها هو الذي تصدى لتلك المطالبات، وخرجت أنا حينها وقلت إن العمل لا توجد به شخصية النبي يحيى، ولكنها شخصية شاب ثائر، أما "أجنحة الفراشة" فلولا ثورة 25 يناير لكانت سببًا في أزمة كبيرة لي.
هل حدثك بعض المسؤولين بشأن أعمالك؟
هذا يحدث طوال الوقت من مسؤولين وغير مسؤولين، وعلى الكاتب في الشرق الأوسط أن يتقبل الأمر.
كيف تقيم الكُتاب الحاليين في مجال الأدب؟
نحن الآن في مرحلة انتقالية، هناك أشياء كثيرة تحدث، وبراعم جديدة تنمو، وأرض جديدة بعد الثورة قد تم حرثها، وتخرج الآن نبتًا جديدًا، ولكن كل نبت في بدايته يصعب أن تبحث فيه عن نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أو يوسف إدريس جديد، وإن كنت أؤكد أن هناك نبتًا جديدًا يطرح، فالمطابع المصرية خلال العام الماضي أصدرت أكثر من 30 رواية لكُتاب شباب جداد، وليس شرطًا أن يكونوا جميعًا جيدين، فلو كان هناك 10 منهم جيدين أو 5 جيدين، فهذا يعني أننا فرصة ظهور 5 نجيب محفوظ جدد يلمعون في مجال الأدب.
هناك بعض الأسماء التي ظهرت مثل ريم بسيوني، وطارق إمام، وعمر طاهر، وغيرهم. وهناك عمرو حسين قرأت له عدة أعمال ممتازة، ولذلك فعلينا أن نصبر على هذا النبت ونشجعه، ومع الوقت سيكون لدينا جيل من الأدباء العظماء.
أدب السوشيال ميديا
ظواهر تشوب المجال الأدبي في الفترة الأخير، مثل الأزمة الحالية للكتاب المطبوع، وظاهرة انتشار الكتاب الإلكتروني، وكذلك ظاهرة طبع دور النشر كتب لعدد من المؤثرين في السوشيال ميديا بغض النظر على المضمون.. كيف ترى تلك الأمور؟
بالنسبة لأزمة الكتاب، فأنها ليست فقط في انصراف الناس عن القراءة، ولكن أكثرها أزمة مادية، فالكتاب أصبح في غير متناول وفي غير مقدور القارئ الطبيعي.
الكتاب وصل إلى 100 و150 و200 جنيه، فإذا اشترى شاب كتابًا في شهر فإنه لن يشترى غيره، والدليل على أن الأزمة هي مادية هي الأقبال الكبير على معرض الكتاب، والتخفيضات في أسعار الكتاب، وهو ما يؤكد أن الشباب يقرأون، ولكن الأزمة مادية.
ظاهرة الكتاب الإلكتروني هي انعكاس سلبي لأزمة الكتاب، وإيجابي لإقبال الشباب على القراءة. أما استغلال دور النشر لمشاهير السوشيال ميديا وطباعة كتب لهم، فتلك ظاهرة عالمية، وليست قاصرة على مصر، في إصدارات هي "الأكثر مبيعًا". دور النشر في النهاية هي مؤسسات تجارية، ومن أجل الاستمرار بعملها التجاري والأدبي، عليها أن تنشر بعض الأعمال التي تجلب لها الربح، ولكن عليها أن توازن ما بين القيمة الأدبية والقيمة المادية بحيث لا تنشر الكتب التى تسيء إليها.
وبالطبع، هذا ليس من ضمنه دور النشر التابعة للدولة، والتي لا يجب أن تضع المكسب في مقدمة اهتماماتها، فتلك الدور يجب أن تتخصص في الأعمال الجادة، ولكن ما يحدث حاليًا، فإنه للأسف يحتاج لإعادة نظر.
أنت أحد كتاب مصر الكبار بالمسرح.. هل هناك تراجع في المسرح بمصر؟
بالطبع المسرح يتراجع، وذلك لأنه بخلاف بقية الأجناس الأدبية هو عمل تجاري ضخم، مثل السينما يحتاج إلى التمويل، فهو عمل يحتاج منتج ميسور الحال يصرف على هذا الإنتاج. في وقت من الأوقات كانت الدولة تقوم بهذا الدور، ولكن اليوم تراجعت عنه لأسباب متعددة، سواء أمور مادية أو غيرها، والنص الأدبي هو أرخص أعمدة العمل المسرحي، أما باقي مكونات العمل المسرحي فمكلفة جدًا، ولذلك أصبح الكاتب المسرحي مقل في أعماله، فهو لا يكتب إلا لمسرح واقعي، ولا يستطيع الكتابة إلا وهو يتصور النص على خشبة المسرح، وفي ظل حالة المسرح العام تقل الأعمال المسرحية المكتوبة، فهو لا يكتب طالما أدرك أن هذا العمل لن يتجسد على خشبة المسرح.
كيف تقيم دور الدولة الحالي في دعم الأدب المصرى؟ وما مقارنته بما مضى؟
بالتأكيد هناك قصور من الدولة بسبب ندرة الموارد، ولكن أنا لا أقبل هذا العذر، لأنه على الدولة واجب كراعي للأدب والفنون، وعليها أن تجد بدائل للموارد الذاتية الخاصة بها، مثل تشجيع القطاع الخاص، وإنتاج أعمال مشتركة مع هذا القطاع، وتقديم جوائز كبرى للإنتاج المسرحي، مثل الأوسكار.
وللعلم، في أمريكا والنظم الرأس مالية، أي عمل في القطاع الخاص يتم التبرع فيه بالمال يخصم بالكامل من وعائه الضريبي، ولو صرفته على المسرح يخصم بالكامل من ضرائبه، وحتى الأعمال الخيرية بمصر مقيضة بـ15% فقط، فلو دفعت 50% لا يخصم سوى 15% فقط، وتجد أن أحد أكبر دور الأوبرا بأمريكا ميزانيتها بالكامل من القطاع الخاص، والدولة لا تدفع بها مليم، وهذا توفير على نفسك، ولكن هنا الدولة تتحمل ميزانيتها بالكامل، ولذلك يجب أن نتفق أولا هل الدولة راعية لفنون أم لا، فإذا كانت راعية، فدورها أنها تشجع تلك الفنون، ولا تتحجج بقلة الموارد، فعليها إيجاد البدائل للقيام بدورها، وهناك باب المقومات الثقافية فى الدستور، وأول مادة فيه تقول إن الثقافة حق للمواطن، وعلى الدولة أن تكفل هذا الحق بلا تمييز بين المواطنين بسبب القدرة المالية أو البعد الجغرافى أو غير ذلك، ووفق هذه المادة، فمن يعيش فى سيناء أو الصعيد تصل إليه ذات الخدمة الثقافية الموجودة بالقاهرة أو الإسكندرية، وواجب الدولة أن الكتاب يكون فى متناول الشباب والمثقفين، ومن واجبها أن تكفل هذه الخدمة بلا تمييز.
أبرز وصايا سلماوي للأدباء الشباب:
• التنوع في المؤثرات الثقافية للأديب تعصمه من الوقوع في مستنقع التقليد.
• الأديب يجب ألا ينفصل عن واقع مجتمعه وثقافته والقضايا اليومية للقارئ خصوصًا في الشرق الأوسط.
• استعن بكل ما تأثرت به من الثقافات المختلفة ووظف الأسلوب في القضايا التي تناقشها بأعمالك.
• العمل الأدبي يتعامل مع النفس البشرية، وليس مع الأحداث الخارجية، فالوجدان والنفس هما المجال الحقيقي للأدب.
• الكاتب لا يختار القضية التي سيكتب عنها هي تختاره وتفرض نفسها عليه وعلى اهتماماته.
• الكاتب يتصور نفسه صاحب القلم والأمر والنهي بعمله، ولكن بالنهاية هو أداة، والوحي أو الإلهام يملي عليه ما يكتب.
• استغل أي فرصة لترجمة أعمالك للغات أجنبية.
• لا تنشغل بأي أدوار مجتمعية أو سياسية، فدورك الأساسي هو الإبداع الأدبي.