رغم فشله في إنقاذ غزة.. لماذا القانون الدولي مهم؟

في حين أن الدبلوماسيين، وخاصة من الولايات المتحدة، غالبًا ما يتحدثون عن نظام عالمي “قائم على القواعد”، فإن الأحداث الأخيرة في غزة وقبلها في أوكرانيا ومناطق صراع أخرى، تدفع البعض إلى التساؤل حول جدوى وأهمية هذا القانون الدولي والذي يكاد يكون الالتزام به والعدم سواء. وهو ما يحاول بول بواست، الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، الإجابة عليه في تحليل جديد نُشر على موقع “World Politics Review“.

غزة وأوكرانيا.. أين القانون الدولي؟

يبدأ “بواست” تحليله بقراءة توضح كيف فشل المجتمع الدولي في رفع عمليات القتل الممنهج والوضع الإنساني الكارثي في غزة، ذلك بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن الدولي المتكررة التي تدعو إلى وقف إطلاق النار في القطاع. ويقول إنه حتى عندما سمحت الولايات المتحدة أخيرًا لأحد بالمرور بامتناعها عن التصويت أواخر مارس الماضي، فقد ادعت أن القرار غير ملزم، بينما تجاهلته إسرائيل تجاهلًا قاطعًا.

وأصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا يأمر إسرائيل بمعالجة المخاوف بشأن إدارتها للحرب في غزة، وقد تُصدر حكمًا ضد شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب سياسة روسيا المتمثلة في اختطاف الأطفال الأوكرانيين في حربها ضد أوكرانيا.

اقرأ أيضًا: ملف غزة بمجلس الأمن.. من يرفع الفيتو مجددًا؟

لا يطيعه الأشرار ولا يطبقه الصالحون

وبينما تشير تصرفات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية إلى مساءلة قادة روسيا وإسرائيل عن انتهاكات ملموسة للقانون الإنساني الدولي، فإنه لا يبدو أن هؤلاء القادة قد يغيرون سلوكهم، ذلك لأن إنفاذ القانون الدولي يبدو “بلا أنياب” حقيقية، كما يشير أستاذ العلوم السياسية الأمريكي، الذي يقول إن هذا الضعف ملحوظ كذلك في مجال التجارة الدولية، حيث يبدو أن آليات تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية في غاية التهافت في الفترة الأخيرة بسبب عدم رغبة الدول الأطراف في استخدام النظام أو الالتزام بأي أحكام قانونية دولية.

وينقل “بواست” عن الدبلوماسي الإسرائيلي الراحل أبا إيبان سخريته من القانون الدولي بوصفه بـ”القانون الذي لا يطيعه الأشرار ولا يطبقه الصالحون”. ورغم ذلك، فإن أستاذ العلوم السياسية الأمريكي لا يزال يرى القانون الدولي مهمًا.

الأمر أعقد من معاهدات دولية

ويقول إنه على الرغم من الأبهة والظروف المحيطة بتوقيع المعاهدات والتركيز على أحكام المحاكم الدولية، فإن المعاهدات الدولية ليست غاية في حد ذاتها. وبدلًا من ذلك، لا يكون إنشاء المعاهدات الدولية وأحكام المحاكم الدولية سوى أجزاء من عملية دبلوماسية أطول.

ويضرب “بواست” بذلك مثلا قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السماح بتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة في أعقاب مكالمته الهاتفية الأخيرة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.

ويقول إن هذا التنازل الإسرائيلي يفهم فقط في سياق التعليقات الانتقادية من قبل مسؤولي إدارة بايدن، والتي بلغت ذروتها بامتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن، حيث ساعد التأثير التراكمي للانتقادات الأمريكية في الكشف بشكل موثوق عن تفضيلات السياسة الأمريكية، وأشار إلى استعداد الولايات المتحدة لزيادة ضغطها الدبلوماسي، ومن ثم رضخت إسرائيل أخيرًا وسمحت بإدخال المساعدات التي منعت عبورها طوال فترة الحرب.

في غزة.. إسرائيل تخسر الدعم الدولي

ويضيف “بواست” أنه بينما لم تنه الدبلوماسية الأمريكية القتل في غزة، ولا تزال إدارة بايدن تراقب عن كثب لمعرفة الإجراءات التي يتخذها نتنياهو ضمانًا لإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، يبقى أن التأثير المشترك لكل هذه الجهود هو الإشارة علنًا إلى أن إسرائيل بحاجة إلى التصرف بشكل مختلف. وقد قاد هذا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى التعليق بأن “إسرائيل تخسر حرب العلاقات العامة تمامًا”.

اقرأ أيضًا: لماذا تلقي الحدأة “ميناء توت” على قطاع غزة؟

ويقول “بواست”: “هناك شيء ما في ملاحظة ترامب، وهي أن التصور بأن الدولة مستعدة لانتهاك القانون الدولي هو علاقات عامة سيئة يمكن أن تجعل من الصعب بناء الدعم لإسرائيل في المستقبل.

القانون الدولي ليس نافذًا ذاتيًا

ووفق أستاذ العلوم السياسية، فإن القانون الدولي، شأنه شأن أي قانون، ليس نافذًا ذاتيًا. بل يجب أن يتم فرضه من قبل شخص ما. وعلى الصعيد المحلي، تضطلع الدولة بهذا الدور، بينما على الصعيد الدولي، يتطلب الإنفاذ من أعضاء آخرين في المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات تضمن التقيد بشروط المعاهدة أو الوفاء بأحكام المحكمة.

ويمكن للأمين العام لمنظمة دولية أن يعرب عن استيائه، ويمكن لرئيس المحكمة الدولية أن يصدر مرسومًا، ولكن يجب على شخص ما تولي مهمة إنفاذ القواعد. وفي المجال الدولي، يرقى الإنفاذ إلى مستوى العدالة الأهلية.

ويقول “بواست”: رغم أن الأقوياء يفعلون ما في وسعهم والضعفاء يعانون”، ولكن هذا لا يعني التخلي عن القانون الدولي. ويختتم بأنه “يجب على المرء دائمًا التفكير في الواقع بدون القانون الدولي: ماذا سيكون السلوك بدون القانون؟ في معظم الحالات، الجواب هو، ربما أسوأ. والفرق بينهما هو سبب أهمية القانون الدولي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة