لماذا تلقي الحدأة “ميناء توت” على قطاع غزة؟

في 7 مارس الجاري، كتبت صحيفة “الجارديان”، أن خطة الولايات المتحدة لبناء ميناء عائم قبالة ساحل غزة هي خطوة جريئة، تشبه “مينائي التوت” لتأمين الإمدادات أثناء غزو الحلفاء نورماندي في الحرب العالمية الثانية، ولكنها كذلك خطوة تثير تساؤلات عن حجم الإغاثة التي ستجلبها إلى القطاع، وتوقيتها إذا كان الأمر سيستغرق أسابيع لإعداده في وقت يموت الأطفال الفلسطينيون جوعًا، بينما هناك معبر رفح الذي يُمكن للولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لترك أمر إدارته وإدخال المساعدات عبره دون عوائق للجانب المصري، الذي اشتكى مرارًا التعنت والتهديد الإسرائيلي.

فما الغرض إذن من هذا الميناء العائم؟

بايدن يراوغ ويناقض نفسه

ينظر بعض المراقبين إلى إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن بناء ميناء عائم وجسر مؤقتين لفتح طريق جديد للمساعدات الإنسانية لغزة، باعتباره “مراوغة” من “أول رئيس صهيوني للولايات المتحدة” يدعم إسرائيل بشكل كامل وغير مشروط، في حين يحاول تقديم توازن شكلي في حرب غير متوازنة في الشرق الأوسط، لخدمة حسابات سياسية انتخابية داخلية.

وقد كتب آرون ديفيد ميلر، الخبير بمؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي” والمفاوض الأميركي السابق في مفاوضات سلام الشرق الأوسط، في تغريدة على منصة “إكس”، أن “الحكومة الإسرائيلية غير راغبة وغير قادرة على تيسير وصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة نتيجة لحسابات سياسة داخلية، وهم لا يكترثون لمعاناة المدنيين الفلسطينيين ولا بما يتعلق بمستقبل غزة”.

بينما نقلت “الجزيرة” عن النائب الديمقراطي من كاليفورنيا رو خانا، أنه “لا يمكن أن يكون لديك سياسة تقديم المساعدات وإعطاء إسرائيل الأسلحة لقصف شاحنات الطعام في الوقت نفسه”.

وأضاف: “هناك تناقض متأصل في ذلك، وأعتقد أن الإدارة بحاجة إلى التوفيق بين التعاطف الحقيقي والاهتمام الأخلاقي الذي ظهر الليلة الماضية على حياة المدنيين الفلسطينيين مع المساءلة الحقيقية لنتنياهو والحكومة اليمينية المتطرفة هناك”.

ميناء توت في غزة

كما ميناء التوت في نورماندي في الحرب العالمية الثانية، دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع شركة خاصة لا تحظى بشهرة واسعة تُدعى “فوجبو” ويديرها مسؤولون سابقون في الجيش والمخابرات الأمريكية لتسهيل مهمة الميناء العائم في غزة، كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

اقرأ أيضًا: معضلة دولة فلسطين

وبينما لم تُنشر تفاصيل المهام التي ستقوم بها الشركة للعلن إلى الآن. لكن مصدرًا على علم بالخطة قال لـ”بي بي سي” إن العملية فوجبو -المصطلح على تسميتها داخليًا باسم “بلو بيتش بلان”- تتلخص بشكل أساسي في تنظيم حركة المساعدات لدى وصولها إلى ساحل غزة.

 

وعلمت “بي بي سي” أن شركة فوجبو لا تزال تتطلع إلى تمويل، وأنها أطْلعت عددًا من الحكومات في أوروبا والشرق الأوسط على الخطط. وعلى مدى أطول، تخطط فوجبو لإنشاء مؤسسة تديرها جهات مانحة من أجل إدخال المساعدات إلى غزة.

وسيجرى تفريغ الحاويات وسفن الشحن، وستُحمّل المساعدات على شاحنات تنقلها بدورها إلى نقاط توزيع في داخل غزة، وذلك في إطار خطة حظيت بموافقة حكومتَي الولايات المتحدة وإسرائيل. وتستهدف هذه العملية إيصال مليونَي وجبة غذائية يوميًا إلى قطاع غزة، حيث تحذر الأمم المتحدة من مجاعة “شبه مؤكدة”.

كيف ستنصب الولايات المتحدة المرفأ العائم؟

وفقًا للبنتاجون، تشتمل الخطة على مكونين أساسيين يتعين تجميعهما معًا: مَرسى ضخم عائم مصنوع من قِطع فولاذية وطريق ممهّد من حارتين بطول 548 مترًا (1,800 قدمًا) ورصيف.

وسيتكون الطريق الممهّد من قِطع فولاذية كلّ منها بطول 12 مترا (40 قدما) متصلة معا لغاية الساحل.

وستصل سفن الشحن محمّلة بمواد المساعدات إلى المرسى، ثم يجري تفريغ الحمولات في مجموعة من المراكب والسفن الصغيرة –المعروفة باسم سفن الدعم اللوجستي- قبل أن تؤخذ هذه إلى رصيف الميناء على الساحل.

ومن على الرصيف، ستتولى الشاحنات مهمة نقل مواد المساعدات إلى اليابسة ومن ثم إلى داخل قطاع غزة.

هل يمهل الموت غزة 60 يومًا؟

وقال المتحدث الرسمي باسم البنتاجون، بات رايدر، إنه لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض في غزة، لكن الجيش الأميركي (عبر قوة تُقدر بأكثر من ألف جندي أمريكي) سيساعد في بناء رصيف وجسر لنقل المساعدات. وأوضح أن بناء الممر سيستغرق حوالي 60 يومًا، ولكن بمجرد وضعه، يُتوقع أن يكون قادرًا على توفير قرابة مليوني وجبة يوميًا.

وغرد مدير برنامج فلسطين بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن خالد الجندي، قائلًا إنه “في غضون 60 يومًا، سيموت آلاف آخرون بسبب الجوع والمرض. وأن الرد الأكثر منطقية وفعالية هو مطالبة إسرائيل، التي تعتمد كليًا على الأسلحة والدعم الأميركي، بالتوقف عن منع دخول المساعدات وفتح المعابر البرية الستة إلى غزة على الفور”.

ماذا يعني الميناء لإسرائيل؟

في 11 سبتمبر، كتبت صحيفة “هآرتس” العبرية، عن وصول سفينة المطبخ المركزي العالمي Open Arms إلى ميناء لارنكا في قبرص الشهر الماضي، تمهيدًا لتدشين الطريق الإنساني البحري الذي قد يغير طريقة نقل المساعدات إلى قطاع غزة.

وأوضحت الصحيفة أن السفينة، المحملة بأكثر من 200 طن من الدقيق والأرز وعلب التونة وغيرها من المنتجات، تم تفتيشها من قبل المسؤولين الإسرائيليين الذين جاءوا إلى لارنكا للتأكد من أنها لا تحمل معدات عسكرية أو أسلحة أو مواد قد تستخدم لأغراض عسكرية.

اقرأ أيضًا: إسرائيل تشتعل وجانتس في واشنطن.. نتنياهو في مرمى كل الأسهم

وقالت إن المحطة المؤقتة التي سيتم ربطها بساحل غزة، والتي من المتوقع أن يبلغ طولها حوالي 500 متر، وبدأت القوات الأمريكية في تركيبها تمهيدًا لبناء الميناء المائي المؤقت، إنه سيحيد سياسة إسرائيل المتمثلة في تحويل المساعدات الإنسانية إلى رافعة ضغط استراتيجية على حماس أو إلى بيدق في السياسة الإسرائيلية الداخلية.

وأوضحت الصحيفة أنه لن يكون لإسرائيل إذا ما نجح تركيب الميناء، رأي في كمية المساعدات المشحونة أو وتيرة الشحنات التي سترسل إلى غزة.

وأضافت “هآرتس” أن هذه الخطة الأمريكية -في أهم جانب منها- ستحرر إسرائيل من مسؤولية إدارة الجوانب الإنسانية لحربها (وإن لم تكن مسؤولة بشكل عام عن وضع السكان المدنيين). لكنه سيحرم إسرائيل أيضًا من خيار استخدام المساعدات كأداة للحرب.

واختتمت الصحيفة بأن إسرائيل حاصرت نفسها في وضع لم يعد بإمكانها فيه إغلاق جميع طرق الوصول، لأن حليفتها الأكثر أهمية، الولايات المتحدة، هي التي ترعى أساطيل الحرية إلى غزة. وهكذا تحطم واشنطن العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية، التي لعب فيها حصار غزة دورًا رئيسيًا.

كيف نثق بهم؟

وعلق اللواء محمد عبد الواحد، الخبير الاستراتيجي المصري وضابط المخابرات السابق، على الممر البحري الخاص بتوصيل المساعدات إلى غزة، بأنه في ظاهره مساعدات إنسانية، وفي باطنه العداء.

وأوضح “عبد الواحد”، في تصريحات خاصة لـRT، أن هناك تشكيك كبير فى هذا المشروع، لأن الاطراف القائمة عليه سواء الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، موقفهم كان واضحًا جدًا بالحرب في غزة، فالولايات المتحدة أوقفت تمرير أي مشروع في مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النيران على غزة ووقف الحرب أو وقف مؤقت، “فأتخيل أنه من الصعب عليها أن تتحدث عن مساعدات للشعب الفلسطيني، وبالتالي هناك علامات استفهام كثيرة حول الموقف الأمريكي”.

وأردف اللواء عبد الواحد: “نعلم تمامًا أن هذا المشروع تم طرحه في 2014 وإسرائيل رفضت أن يتم توصيل مساعدات إلى غزة، كذلك هناك علاقات استراتيجية قوية مع قبرص سواء على المستوى الأمنى أو الاقتصادي، وبالتالي الآن مجلس الوزراء الفلسطيني رفض هذا المشروع”، مؤكدًا أن دخول المساعدات تكون عبر المعابر الرسمية المخصصة.

وأضاف: “هناك علامات استفهام كثيرة حول الحديث بأن تهجير الفلسطنيين طوعي وليس قصري، فإسرائيل أيقنت تماما من خلال فضح نواياها عن عملية التهجير القصري، ولكنها اقتنعت مؤخرًا أنه سوف يتم التهجير الطوعي وليس القصري، بمعنى جعل الحياة مستحيلة فى غزة والتشجيع على هروب الأسر والنجاة بأرواحها وأرواح أسرتها إلى أية منطقة، أو من خلال سماسرة.. إسرائيل ستسطيع أن تخلق نوع من السماسرة والشركات من خلال عملاء لتشجيع الفلسطينين على الهروب إلى أماكن أخرى أكثر أمانا لحين وقف الحرب، ولكن مشروع التهجير قائم وبقوة لإخلاء منطقة غزة، كذلك أتخيل تنفيذ هذا المشروع ولكن على مراحل، والسلطة الفلسطينية تعلم هذا وتخشى علي القضية الفلسطينية، ولكن الشعب سيكون في حيرة في هذا الامر لحجم الدمار الواقع عليهم”.

قرار يتماشى مع شروط إسرائيل

وفي بيان مشترك أعلنت المفوضية الأوروبية، وقبرص، والإمارات، والولايات المتحدة، وبريطانيا عن قرارها بإطلاق ممر بحري جديد يهدف إلى تسهيل وصول كميات إضافية من المساعدات إلى قطاع غزة.

وقد وصف الدكتور حسن أيوب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الفلسطينية، هذا القرار بأنه متأخر ولا يلغي الظروف الصعبة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في غزة نتيجة للحرب والحصار الإسرائيلي.

وأشار “أيوب”، في حديثه مع TRT عربي، إلى أن هذا القرار يتبع شروطًا إسرائيلية تُفرض سيطرتها المباشرة أو عبر حلفائها على نقل المساعدات والمواد الإنسانية إلى غزة. وأبدى قلقه من عدم وضوح آليات عمل المرفأ العسكري المقرر إنشاؤه، ومن التحديات اللوجستية والأمنية المحتملة.

وأوضح أن هذا القرار قد يعزز سياسة إسرائيل الهادفة إلى التخلص من المسؤوليات الإنسانية والدولية تجاه الفلسطينيين في غزة، ويمكن أن يتسبب في تفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية بدلًا من تحسينها.

قرار يخدم سيطرة إسرائيل

ومن جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة أن هذا الإعلان يعكس محاولة للإدارة الأمريكية لكسب دعم داخلي في ظل توترات دولية وشعبية نتيجة للأحداث في غزة، وهو يأتي في سياق حملة انتخابية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأشار إلى أن هذا الخطوة قد تكون تأخرت وغير عملية مقارنة بالبدائل المتاحة مثل فتح المعابر البرية.

“الحيلة” أكد أن هذا القرار يمكن أن يستغل من قبل الاحتلال لزيادة سيطرته على المنطقة وتنفيذ سياساته التهجيرية والقمعية تجاه الفلسطينيين في غزة، مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والأمنية.

ظاهره مساعدات وباطنه هجرة طوعية

وقال الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية هشام خريسات إن “الرصيف العائم ظاهره مساعدات وباطنه هجرة طوعية إلى أوروبا”.

وأوضح خريسات، في مقابلة مع وكالة الأناضول، أن تكلفته الأولى 35 مليون دولار، ولن يقلّ عمق الغاطس للسفن بالرصيف عن 17 مترًا لاستيعاب جميع سفن المساعدات.

واعتبر الخبير الاستراتيجي أن فكرة إنشاء الميناء “ليست جديدة”، بل إنه “موضوع قديم جديد طُرح قبل 10 أعوام”، مؤكدًا أن إسرائيل ستوافق الآن عليه لأجل تمرير صفقة تبادل الأسرى والهجوم البري على رفح من دون إغضاب واشنطن.

ويرى خريسات أن “بايدن قلق جدًا مما سينتج عن اجتياح الجيش الإسرائيلي لرفح، ومن عدم إنهاء الكارثة الإنسانية في غزة”، لافتاً إلى أن “معبر رفح سيخرج عن الخدمة لأن إسرائيل لا تثق به، وتعتبره المدخل الرئيسي لأسلحة حماس”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة