هل ينمو “خطاب الكراهية” ضد اللاجئين على مواقع التواصل الاجتماعي فقط؟

عبر التاريخ، اشتهر شعب مصر بقدرة على استيعاب مختلف الثقافات والشعوب التي تندمج به وتصبح جزءًا من نسيجه. هذا النسيج الذي يظهر جليًا في عائلات مصرية تحمل اسم “المغربي-العراقي-الشامي”. لذا كان من الطبيعي أن يجد السائر في أحد شوارع منطقة فيصل الشعبية مائدة رمضانية احتفالًا برمضان، تعلوها لافتة مخصصة لدعوة السودانيين وغيرهم من الأخوة اللاجئين إلى المائدة.

إلى هنا الأمر منطقي وطبيعي؛ لكن أن يتغير هذا الحال وتنتشر في الأيام الأخيرة دعوات ضد السودانيين وغيرهم من الجنسيات التي اضطرت تحت وطأة الظروف الخارجة عن إرادتهم، لترك بلادهم والقدوم هربًا لمصر هو ما يستدعي التوقف والدراسة.

الكراهية بين الواقع والافتراضي

انتشرت المطالبات التي تحمل خطابا أقل ما يقال عنه خطاب كراهية محرض على العنف؛ حيث تبدأ هذه الدعوات بالمطالبات بالطرد وتنتهي بمقاطعة منتجاتهم والتعرض بالقوة لهم على غرار القوات الشعبية التركية. الأمر الذي قد يسفر عن تكرار كارثة ميدان “مصطفى محمود” مرة أخرى؛ وهي الأحداث التي حملت مرارة في نفوس الأخوة الأفارقة ضد مصر والمصريين.

مجتمع اللاجئين

حسب مفوضية اللاجئين تستضيف مصر حتى 31 ديسمبر الماضي، حوالي 473،000 لاجئًا وطالب لجوء مسجلين من 62 جنسية، بالإضافة إلى نصف مليون سوداني فروا عقب اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل الماضي. وقد أيدت هذه الأرقام وزارة الخارجية المصرية. وينتشر اللاجؤون في مصر ما بين القاهرة والإسكندرية ودمياط ومدن القناة وغيرها من المدن.

ويعيش اللاجؤون الأفارقة في أوضاع معيشية صعبة ومناطق عشوائية مكتظة بالسكان، حيث تقطن أكثر من أسرة في شقة واحدة، وقد يصل العدد ما بين 10-15 شخصا.

في الأونة الأخيرة، وُجهت اتهامات لمصر من قبل 27 منظمة حقوقية بإساءة التعامل مع اللاجئين وترحيل السودانيين بشكل قسري تحت شعار “العودة الطوعية”. كما وصِفت ظروف احتجاز السودانيين بأنها غير إنسانية. مما يعد انتهاكًا لالتزامات مصر الدولية ومبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان والدستور المصري.

اقرأ أيضًا:هل نكره اللاجئين؟

من هنا، يثور سؤال حول تصنيف رقم 9 ملايين لاجئ الذي تصمم السلطات المصرية على استخدامه.

في دراسة أجراها مركز المعلومات لدعم واتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء بعنوان “تأثيرات تغيُّر المُناخ في تكوين الملاجئ.. دراسة حالة: مصر” شرح الفرق بين “اللاجئ-المهاجر-المقيم”. كما ذكرت الدراسة أن عدد المهاجرين والمقيمين رقم أكبر من اللاجئين. فالمهاجر وفقًا لهذه الدراسة؛ لا يحتسب من ضمن اللاجئين يعيشون بين المصريين، لا في مخيمات مثل الدول الأخرى، وهو الوضع الذي يجعل من مصر ملجأً للذين يهربون من أوضاع لا تُحتمل في بلادهم. ويتجمع المهاجرون أصحاب اللغة أو الجنسية أو العرق المشترك في المناطق نفسها؛ مما يخلق مجتمعات خاصة بهم.

يقول المحامي الحقوقي مالك عدلي إن من قُنن وضعه من اللاجئين أو المهاجرين يخرج من تصنيف اللجوء ليصبح مستثمرًا أو مقيمًا. أما اللاجئون غير الشرعيين فمصر بالنسبة لهم دولة عبور للسفر لأوروبا التي يفضلونها على البقاء في مصر، للحصول على امتيازات لا تقدمها مصر. إذ أن مصر متحفظة في اتفاقية اللاجئين على بنود “الصحة والسكن والتعليم والدعم العيني وإعانات البطالة”؛ بعكس الغرب حيث تنص قوانينهم بمعاملة اللاجئ بعد تقنين الأوضاع معاملة المواطن. هذه الفئة لا تدخل مصر في جماعات؛ لذا فالتعريف الصحيح أن مصر بها 9 ملايين “مقيم” ما بين مستثمرين وطلاب وسياحة علاجية، و”مهاجر” فر لأسباب بيئية. وكل هؤلاء لا يعاملون فيما يخص العلاج والتعليم وغيره بنفس أسعار المصريين؛ بل يدفعون بالدولار. لكن هذا لا يمنع وجود حركة هجرة غير شرعية من الجنوب؛ فلا يمكن إلقاء اللوم على من يحاول الهروب من جحيم، وهذه نفس المشكلة ما بين أمريكا والمكسيك. والادعاء بأن وجود لاجئين أو ضيوف يمثل ضغطًا على الخدمات وأنهم سبب اختفاء سلع أو ارتفاع أسعار لا يتجاوز الحيل الرخيصة.

النار تحت الرماد

في احتكاكات قد تبدو عادية بين سودانيين ومصريين؛ ظهرت تلك الدعاوى مؤخرا، ووصل الأمر لتقديم المحامي طارق العوضي عضو لجنة العفو الرئاسي بلاغا للنائب العام ضد الحسابات التي تنشر خطاب الكراهية. حيث أفاد أنه قدم هذا البلاغ يوم السبت 9 مارس؛ وتم إحالته لنيابة الاستئناف وفي انتظار استدعاء النيابة للتحقيق.

وأوضح أنه لفت نظره التغريدات التي تتسم بخطاب كراهية والتحريض على العنف ضد السودانيين والسوريين بل وحتى اليمنيين؛ حيث وجد أنها تجاوزت حد انتقاد تصرف شخصي للاجئ أو وافد. من هنا، بدأ اهتمامه بهذه القضية، حيث صرح بوجود خلط بين مفاهيم (لاجئ – مقيم- نازح) وهذا ما جذب اهتمامه أولًا. ثم تجاوز الأمر ليصل لدعاوي ضد كل الجنسيات العربية؛ مع تنامي تميز للشعب المصري على باقي الشعوب العربية وممارسة عنصرية ضد أي جنسية عربية. ثانيًا، انتشار خطاب الكراهية وما تلاه من دعوات لتشكيل قوات دفاع شعبية لمواجهة أي وافد أو لاجئ. في نفس الوقت انتشار الدعوات العنصرية وهي معاكسة للتوجه الرسمي للدولة.

وفي سياق مخالف، جاءت تصريحات وزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبدالغفار، بأن 60% من المهاجرين يعيشون في مصر منذ حوالي 10 سنوات، و6% يعيشون باندماج داخل المجتمع المصري منذ نحو 15 عامًا أو أكثر، بالإضافة إلى أن هناك 37% منهم يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، مع حصول المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء لمصر على الخدمات الوطنية في قطاعي التعليم والصحة، بالمساواة مع المصريين.

ضيف أم غريب

في طرح لهذه المسألة على د. محمود نور الدين أستاذ علم الاجتماع، قال إن الشعب المصري على مر تاريخه عاش معزولًا عن التواصل مع الثقافات المختلفة، وهذا وفر للمصريين التماسك الداخلي ومحدودية التنوع والاختلافات الثقافية، فمثلًا الاختلافات بين الأقباط المسلمين والأقباط المسيحيين ضئيلة، هذا النوع من الوحدة الثقافية كان طاردًا للأغراب. مما عظم من قلق المصريين من الاختلافات الثقافية؛ فالعضوية في الجماعة الاجتماعية المصرية مرتبطة بشكل وثيق جدًا بالامتثال لقيم الجماعة والتأكيد على التشابه وليس الاختلاف، واتخاذ مواقف مستقلة. ففي الموروث الشعبي يقال “حط رأسك بين الروس وإدعي عليها بالقطع”. وبالتالي لا يوجد موقف منفرد لكل فرد، مما قلل من قدرة الأفراد على قبول الاختلاف، والقدرة على قبول الآخرين.

يعارضه في ذلك أ.د. مصطفى كامل السيد، أستاذ الاقتصاد السياسي، معتبرا مصر قد عرفت عبر التاريخ هجرات عربية بالإضافة للعديد من الجاليات الأجنبية؛ التي عاشت ومارست أعمالها بحرية. ولم يعاديهم المصريون عدا التيارات المتشددة من الحركة الوطنية وجماعة الإخوان إبان حريق القاهرة 1952، وهذا العداء كان موجهًا للمؤسسات الأجنبية لا للأفراد. وهذا منطقي في ظل وجود أزمة، حيث شكلت هذه المؤسسات فئة متميزة عن المصريين. لكن الأجانب عاشوا منتشرين في ربوع مصر كلها ولم يواجهوا بأي عداء، فمصر لم تعرف حتى فكرة “جيتو”.

أسباب الاحتقان

في إحدى تلك التغريدات العنصرية التي أخذت شكل اعتداءات وإن بدأت في شكل حوادث فردية؛ وجهت اتهامات صريحة للاجئي دولة عربية بمسؤوليتهم عن أزمات مثل السكر والذهب والدولار. وهذا ما أرجعه السيد إلى غياب النقاش العام الجاد حول الأسباب الحقيقية للأزمة، والهروب من الاعتراف بإلقاء اللوم على أسباب عير حقيقية.

ومن هنا، حُمل الأجانب وألصقت بهم تبعات الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر، في محاولة لحجب الأسباب الحقيقية عن وعي المواطن، باللعب على مشاعره. بل تم تجاهل المكاسب الاقتصادية المترتبة على حركة الوفود. فالمتيسر منهم يستطيع الوفاء بحاجاته الأساسية، ومن ثم يحدث رواجًا اقتصاديًا، بالاضافة لتوفير عمالة في بعض الوظائف التي تحجم عنها العمالة المصرية. هذا فضلًا عن حجم العوائد التي تحصلها الحكومة كرسوم الحصول على إقامة، وتصل إلى 1000 دولار للشخص.

ويقول أ. د. محمود محيي الدين إن تعاظم العولمة وتأزم الأوضاع في الدول المحيطة، سواء في دول إفريقيا جنوب الصحراء أو الدول العربية وأخيرًا فلسطين عظم من أعداد الوافدين القادمين لمصر، بالتزامن مع أزمة اقتصادية طاحنة على المصريين، ومنافسة بين شرائح معينة في المجتمع المصري والعمالة من اللاجئين، وهنا يحدث هذا النوع من النفور من الأجانب.

أحد أهم أسباب أزمة اللاجئين إذن هو المنافسة؛ إذ تضررت مصالح بعض التجار ورجال الأعمال بسبب أنشطة واستثمارات اللاجئين مثل السوريين. وبدلًا من أن يدفع ذلك المتضررين إلى رفع مستوى جودة خدماتهم أو خفض أسعارها لمنافسة منتجات اللاجئين، يأجرون لجانًا إلكترونية للتحريض ضد اللاجئين في مصر، بل ووصل الأمر لكل الجنسيات العربية حتى لو لم يكونوا لاجئين.

في هذا الأمر، كان للكاتب الدكتور عمار علي حسن رأي مخالف. إذ يرى أن تلك الدعوات الإلكترونية موجودة منذ مدة؛ بدأت ضد السوريين ثم تلاشت بعد إقبال المصريين على منتجات الوافدين لمصر من سوريا، مرجحًا أن تكون هناك أيادٍ خفية تحاول إحداث قلاقل بالمجتمع المصري. بينما لم يعف السلطة من المسؤولية لتبرير الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الشعب المصري، بإلقاء تبعة هذه الأزمة على “الأخوة اللاجئين أو الوافدين أو الضيوف” حسب بعض التعبيرات. وهذا التبرير يعتبره حسن في منتهى الخطورة؛ فمصر عبر تاريخها تفتح ذراعيها للغريب، وهذه إحدى سمات الشعب المصري الاجتماعية والنفسية (معاملة الضيف أفضل من ابن البلد).

المخاطر

إن ربط الأزمة الاقتصادية بملف اللاجئين رسميًا إنما يشكل خطورة كبرى بمساهمته في زيادة الاحتقان يهدد بتحول الاحتكاكات الطبيعية إلى أحداث عنف وتشابك. وهو ما يحذر منه طارق العوضي الذي يقول إن مثل هذه التغريدات التي تهاجم اللاجئين تشكل نوعًا من الإرهاب، تهدد استقرار البلاد وعلاقة مصر بالدول العربية والإفريقية، كما أنها تمثل محاولة لإعادة تصدير القهر لفئات أضعف.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة