هل نكره اللاجئين؟

أذهب إلى عملي يوميًا وأمارس حياة طبيعية حتى يوقفني أحدهم في طريق عودتي إلى المنزل مع أبنائي الثلاثة، أنتظر لحظة حضوري إلى مدرستهم يوميًا فهم مصدر الدفء في حياتي، لا أدري كيف يوقفني الغرباء مع أبنائي لعرض الزواج أو لمحاولة التقرب إليّ ومغازلتي. اللجوء وويلات الحرب لم يجعلوني أقل حبًا للحياة، بل زادوني شغفًا وتعلقًا بها، فزوجي عالق في “إرتريا” وأنا أنتظره هنا على الرغم من بعض المضايقات اليومية التي تفسد مزاجي. في أحد الأيام وأنا أصعد إلى حافلة ركاب شعرت بتلك اليد تمتد إليّ وتتحسسني، تجمدت حتى ترجلت منها قبل الوصول لوجهتي فالصياح لن يفيدني على أي حال وأنا لا أتحدث العربية بعد.

من بين جميع أصدقائي المصريين قام أحدهم بعرض إقامة علاقة جنسية معي وعندما رفضت الأمر نعتني بالزنجية الغبية، لم أعلم كيف أفهم أولادي أن هذا الشخص لم يعد صديقنا مرة أخرى. يومياتي سعيدة ومحبة للحياة حتى يتجرأ شخص فاسد وهو يعلم أنني أم لثلاثة أبناء، قلقي على أبنائي هو ما يحبطني حقًا، أريد طفولة طبيعية لهم وهو ما أفعله الآن ولكن أحيانًا تجتاحني رغبة في تكبيلهم وحبسهم داخل المنزل بعيدًا عن أي شخص قد يسبب لهم الألم يومًا.

اللاجئين وخطاب الكراهية

من الأزمات السياسية المنتشرة في العديد من البلدان هي أزمة اللاجئين وذلك لزيادة الحروب ونزوح المواطنين إلى دول أخرى، لكنها تظل أزمة إنسانية وليست سياسية كما يظن الناس، إذ يعاني اللاجئون من صدمات نفسية وكرب أزمة لا تحمد عواقبه فهم في الأساس قرروا النزوح وحياتهم على كف أيديهم، ثم يعانون من قلق التأقلم في بلد جديد مع أوضاع جديدة.

فيما بعد يتعرض اللاجئون للكثير من التنمر وخطابات الكراهية، فهم -على الأرجح- مواطنون من العالم يراهم المجتمع الجديد كدخلاء عليه بثقافتهم المختلفة، وتعرف الأمم المتحدة خطاب الكراهية على أنه الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو فردا بناء على خصائص متأصلة مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي والتي قد تهدد السلم الاجتماعي.

قد تتسع طرق توجيه خطابات الكراهية فتشمل الصور والرموز المسيئة لجماعات معينة، على الرغم من وجود تعريفات وأطر تعرف خصائصه إلا أن القوانين العالمية لا زالت لم تحدد ماهيته فخطاب الكراهية محل خلط مع حرية التعبير.

لا أمان في المهجر

ظلت مصر طوال عصور التاريخ المختلفة منارة للعديد من الجنسيات لوفرة وتنوع خيراتها، وفي العصر الحديث أصبحت تضم الكثير من اللاجئين بسبب موقعها الجغرافي فهناك 9 مليون مهاجر ولاجىء من 133 دولة وذلك بنسبة 8.7 % من إجمالي تعداد السكان، تم تقدير عدد الفلسطينيين من بينهم بحوالى 60 الف لاجىء و4 مليون سودانى ومليون ونصف من السوريين.

هناك العديد من الصور النمطية التي تحيط بكل جنسية/ ثقافة إلا أنها قد لا تشكل عائقًا كبيرًا أثناء التعايش في أرض جديدة، فهذه الصور النمطية قد لا تنتج المزيد من المخاوف حول التعامل مع المهاجر أمنيًا، قد يشكل جواز السفر نقطة فاصلة بين تعامل آدمى وغير آدمى. تروى “رهف” الفلسطينية التي أقامت في مصر لبضعة أعوام أن السفر إلى سيناء مع أختها التي تحمل إقامة مصرية كان مختلفًا عن سفرها إلى نفس الوجهة بمفردها أو مع أصدقاء مصريين، فقد لاحظت التدقيق الأمني الزائد معها، وتتابع “رهف” أن الكثير من أصدقائها الفلسطينيين داخل مصر كانوا على قلق دائم بما يتعلق بالسفر إلى سيناء لنفس السبب فهم وجدوا أنهم يمرون بالكثير من التضييق وسوء المعاملة والأمر بلا حاجة إلى ذلك.

أتذكر جيدًا “حمدان” جاري الفلسطيني الذي كان يعيش في إحدى مدن الدلتا، كان والدي مغرماً بهذا المكان للغاية حتى اشترى لنا منزلاً لقضاء العطلات فيه، هناك قابلنا ذلك الجار كثير الصراخ على الناس، كان صعب المراس حقاً في كل مرة يكتشف فيها دخول أو خروج شخص غريب إلى أرضه التي كانت مجاورة لنا، ولكن ما لفت نظري هو رد الناس عليه في كل مرة “ما تروح تحرر بلدك أحسن”.

اقرأ أيضًا:البدو كفئة مهمشة

على الرغم من تشابه الثقافة الفلسطينية مع الثقافة المصرية واشتراك كلا الثقافتين في نفس الأديان والعادات، إلا أن مجرد الهجرة أو اللجوء يجعلان أصحاب الثقافة المستضيفة في زاوية أعلى من الضيف، فيمارس عليه بعض من أشكال  التنمر والتضييق، بالإضافة إلى المشهد الفلسطيني الذى سادت فيه وجهة النظر الغربية التي أدانت المقاومة المسلحة فأصبح حتى المتعاطفون مع القضية الفلسطينية يقللون من شأن الدفاع المسلح، وينظرون إلى الفلسطيني على أنه مسلم إرهابي الذي يقتل بالسلاح، وليس صاحب الأرض المحتلة الذي يدافع عن بيته وأرضه بعد أن تخلى عنه صناع القرار في العالم.

عنصرية على أساس اللون

“أرتريا” واحدة من ال133 دولة التي لجأ أهلها إلى مصر بسبب الحروب الأهلية، التي نتج عنها ضيق الموارد وانعدام الأمان، وقد وصل عدد اللاجئين الأرتريين في مصر إلى 32 ألف لاجىء مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين في مصر، إلا أن الرقم الحقيقي لمن طلبوا الحماية في مصر أكثر من ذلك، فهناك من يتم رفض طلب لجوئهم أو يتم ترحيلهم بالإضافة لمن لا يتم تسجيلهم من الأساس. معظم اللاجئين من أرتريا يسكنون في أحياء شعبية وهناك يزيد التنمر عليهم وملاحقتهم، في 2014 تعرضت “داليا” للاغتصاب على يد شاب مصري وعندما لجأت أسرتها للشرطة لم يتم أخذ بلاغهم على محمل الجد، بل على العكس فقد تم التنمر عليهم وحفظ البلاغ.

“داليا” فتاة سوداء مسيحية، إنها حقاً مزيج معقد من اللا امتيازات، في مقابلة صاحب الامتيازات هنا، ذكر أبيض مسلم وقد يكون غنياً أيضاً، لا نعلم حقًا السبب الحقيقي في تقاعس الشرطة عن عملها في قضية داليا على أي حال، هل هو لونها، دينها، أم نوعها الاجتماعي؟

كراهية منظمة

في يناير 2024 اندلعت حملة على الإنترنت طالب المشاركون فيها برحيل اللاجئين السوريين، تضمنت خطابات كراهية تحرض على العنف ضدهم، كالخوض في أعراض السوريات والتشبيهات المسيئة للاجئين السوريين. كان هناك العديد من الدوافع وراء هذه الحملة، فهناك من ظن أن الحالة المادية والاقتصادية السيئة التي يمر بها المصريون حاليًا سببها الأعمال التجارية التي أنشأها السوريون، ومن ثم اتهموا بأخذ رزق المصريين.

أيضًا هناك من اعتقد أن ظهور المتسولين في الشوارع سببه وجود السوريين في مصر، بالإضافة إلى هلع البعض بعد خبر في تركيا للقبض على شبكة تجسس وكان أغلب الجواسيس من جنسيات فلسطينية وسورية وعراقية، معتبرًا أن ذلك دليلا عن أن اللاجئ  قد يكون جاسوسًا. لكن هل هذه الشكوك والتكهنات كافية لإدارة حملة ممنهجة تطالب بترحيل اللاجئين؟

على الأرجح هناك الكثير من المحركات لحملات كهذه، ففي النهاية السوريون المتهمون بسرقة رزق المصريين عملوا بكد لتزدهر تجارتهم، وأما عن ظاهرة المتسولين فهناك جميع الألوان من التسول والمتسولين حاليًا نتيجة الأزمة المادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، أما الهلع غير المبرر الذي قاد مروجي الحملة إلى القول بأن اللاجئين قد يكونون جواسيس فهذا اتهام غير منصف فاللجوء والجاسوسية لا ارتباط لهم فقد يصبح أي شخص جاسوس يوما ما.

هذه الحملة فى حد ذاتها عنف ممنهج ضد طالبي الحماية في مصر، حيث ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 14 على أن: “لكلِّ فرد حقُّ التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتُّع به خلاصًا من الاضطهاد”.

ضرورة حل أزمة اللاجئين

لا بد وأن حرص مصر على تسجيل المزيد من اللاجئين له زاوية سياسية مهمة وهي تشكيل مصدر نقدي آخر، حيث تتعاون مفوضية اللاجئين مع مصر والدفع مقابل كل لاجئ مسجل لتعليمه وتأمينه طبيًا وذلك لقلة دخل اللاجئين وتقدم المفوضية دعمًا ماليًا في مجالي التعليم والصحة إلى الحكومة مقابل ذلك كتدريب المعلمين وإصلاح المدارس والمستشفيات.

وجود اللاجئين في حد ذاته شكلاً من أشكال التبادل الثقافي، فهم يأتون إلى أرض جديدة بثقافاتهم التي تساعد في إثراء الثقافة المستضيفة، كما أن قلة دخلهم تدفعهم إلى العمل الذي يعود على الدولة بإنعاش لاقتصادها، مثل محلات الأكل السورية وتجارة السودانيين والأريتريين للتوابل والملابس التقليدية. من هذا المنطلق تظهر حملات توعوية لوجوب حسن معاملة اللاجىء فهي في الأساس أخلاقيات إنسانية لا يجب المساس بها.

انضمت مصــر إلــى اتفاقيــة الأمــم المتحــدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الاختياري لعــام 1967 إلــى جانب اتفاقيــة منظمــة الوحــدة الإفريقية التي تحكم الجوانب المختلفة لمشاكل اللاجئين في إفريقيا لعام 1969 بالإضافة إلى الانضمام فى عدد من الاتفاقيات العالمية لضمان حقوق اللاجئين وخاصةً النساء والأطفال. تنص المادة 91 من دستور 2014 على حق الدولة في منح اللجوء السياسي لكل أجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب، وأيضًا تُلزِم المادة 93 من الدستور المصري بالالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومن هنا قد يكون هناك أمل فى سن بعض القوانين التى تخص التنمر وحملات العنف التى تحمل خطابات كراهية ومعاداة للغير ولاسيما اللاجئين.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة