كيف يصل الديمقراطيون للسلطة؟

تحدثنا في مقال ركائز الإصلاح عن أهمية الديمقراطية كأساس للإصلاح السياسي والاجتماعي، وخلصنا إلى أنه لا يمكن تصور إصلاح شامل للدولة والمجتمع دون أن يكون المجتمع هو الطرف الفاعل في اختيار طرق ووسائل الإصلاح، و أن يكون الشريك الأساسي للدولة في تنفيذها والمراقب لعملية التنفيذ ونتائجها، وأن كل ذلك لا يحدث إلا في النظام الديمقراطي والذي يرتكز على الحرية ودولة القانون والانفتاح.

وتحدثنا في مقال كيف نصل للديمقراطية عن أهمية وجود أفراد ديمقراطيين يعملون من داخل تنظيمات ديمقراطية من أجل أن تتحول الديمقراطية بالنسبة إليهم من فكرة نظرية إلى ممارسة عملية تتطور بتطور المجتمع، وينشأ عنها في النهاية قاعدة شعبية وفكرية يمكن أن تبنى عليها الخطوة التي لا يمكن للديمقراطية أن تتحقق بدونها والتي خصصنا من أجلها موضوع اليوم وهي “وصول الديمقراطيين للسلطة”.

نبدأ أولًا بسؤال ما هو الهدف أصلًا من وجود السلطة؟
الهدف من السلطة هو تشكيل وتوجيه المجتمع، سواء كان ذلك عن طريق دعوته إلى التحرك في اتجاه معين باستخدام الخطاب السياسي الذي تتبناه، أو عن طريق التشريع ووضع القوانين التي تنظم العلاقات بين أفراد ومؤسسات المجتمع والدولة، أو عن طريق القضاء المسئول الأساسي عن تحقيق العدل وصيانة الحقوق والتي بدورها تعزز الأمن والاستقرار الوطني، أو عن طريق القوة المستخدمة في تطبيق العقوبات وتنفيذ التشريعات ومنع الفوضى والجريمة.

اقرأ أيضًا: أكرم إسماعيل في حوار خاص: على النظام أن يسمح للمعارضة بالمنافسة

ونحن عندما نضع كل تلك الآليات للسلطة تحت مظلة واحدة فإننا نتحدث عن السلطة بشكلها الأصلي البدائي الذي يوجد حتى الآن في المجتمعات الاستبدادية، سواء تحت مظلة الحزب الحاكم (مثل الذي يوجد في الصين)، أو مظلة القائد الأعلى للبلاد (مثل الذي يوجد في روسيا أو كوريا الشمالية). وبالطبع فإن الدول الديمقراطية تتوزع فيها هذه السلطات على العديد من المؤسسات التي يعتبر التوازن بينها -التوازن يشمل التعاون والتقارب أو الاختلاف والتباعد بل والصراع أحيانا- هو الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع الحديث.

ولذلك نقول إنه لا يمكن تحقيق إصلاح حقيقي في المجتمع دون وصول المصلحين للسلطة وقيامهم باستخدام أدواتها المختلفة لتحقيق أهدافهم، وأن الإصلاح الديمقراطي لا يمكن أن يطبق على أرض الواقع بشكل حقيقي إلا عن طريق وصول أصحابه إلى السلطة واستخدامهم لها لتحقيق أهدافهم.
وهنا تنقسم المعضلة إلى شقين يحتاج كل منهما إلى التفكير والتخطيط والاتفاق الجماعي بين الديمقراطيين للوصل للحل، الشق الأول هو كيف يصل الديمقراطيون للسلطة في ظل نظام مبني على أساس معادٍ للديمقراطية، والمعضلة الثانية –الأصعب والأسهل في آن واحد- هي كيفية التصرف بعد الوصول للسلطة لتحويل النظام إلى نظام ديمقراطي؟

اقرأ أيضًا: ملف غزة بمجلس الأمن.. من يرفع الفيتو مجددًا؟

المعضلة الأولى لا يمكن حلها – في رأيي – دون وجود كيان جامع أو جبهة واسعة تجمع الرأي العام الديمقراطي على موقف واحد، لذلك أضيف إلى ما قلته في مقال (كيف نصل للديمقراطية) أنه يجب على الديمقراطيين، أفراد وتنظيمات، إكمال خطوة الاجتماع في جبهة موحدة وانتخاب قيادة معروفة تتحدث باسم القوى الديمقراطية، وتضع أجندتها الإصلاحية أمام الجمهور وتروج لها حتى تجذبهم لدعمها، وتقود الحراك الاحتجاجي الضاغط على الحكومة إما لتحقيق إصلاحات ملموسة تحسن من حياة المواطنين فعلا أو على الأقل لتوضيح أن البديل الذي تطرحه هو الأفضل من البديل الموجود بالسلطة بالفعل.

كذلك يجب على القيادة المنتخبة لهذه الجبهة أن تتحلى بكل القيم والصفات المؤهلة لتحمل المسؤولية، وأن تسعى بالفعل والقول لأن تصبح البديل الذي يطمح الناس في أن يحكمهم ويقودهم، وأن تستغل كل فرصة متاحة لكسر القيود المفروضة على العمل السياسي.

قد يقول قائل إن إيجاد مثل ذلك الكيان مستحيل في ظل القمع السياسي المتشدد والذي بالتأكيد سيطارد أي كيان إصلاحي ويهدمه، وأرد على ذلك بما ذكرته سابقًا من أن إنشاء ذلك الكيان يجب أن يسبقه إنشاء كيانات ديمقراطية أخرى أصغر وأكثر تنوعًا، وفي حالة نجاح إنشاء الكيانات الصغيرة فقط يمكن لقياداتها التوصل لاتفاق لإنشاء كيان جامع، وأن الكيانات الصغيرة المتنوعة أكثر قدرة على التواجد دون التعرض لإجهاض السلطات الاستبدادية طالما لا تمثل تحديًا مباشرًا لسلطتها، كما أن قيادة الكيان الديمقراطي الجامع ليس بالضرورة أن تتواجد داخل البلد الواقع تحت الحكم الاستبدادي، ويكفي وجود الكيانات الديمقراطية الأصغر داخل المجتمع لتضفي الشرعية على القيادة الموجودة بالخارج وتتعاطى مع خطابها السياسي للضغط على الحكومة الاستبدادية.

أما بالنسبة للمعضلة الثانية (ماذا يفعل الديمقراطيين بعد الوصول للسلطة؟) فالأمر بالطبع يختلف من بلد لآخر حسب احتياجاته وظروفه وحسب الطريقة التي أوصلتهم للسلطة، ولكن إعادة الثقة للناس في قدرتهم على حكم أنفسهم بأنفسهم وتمكينهم من ذلك يجب أن يكون هو الهدف المبدئي لأي قيادة ديمقراطية، إدراكًا منها بأنها زائلة والسلطة مؤقتة وأن الشعب باق، فلو تمكن الشعب من حكم نفسه بنفسه لاستمرت الإصلاحات حتى بعد خروج تلك القيادة من المشهد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة