لماذا خافت حبيبة الشماع؟

حبيبة الشماع فتاة تبلغ من العمر 24 عامًا، ألقت بنفسها من الباب الخلفي لسيارة مسرعة على طريق السويس، وعند توقف أحد المارة لمساعدتها‎ ‎أخبرته أن سائق ‏السيارة التابعة لشركة “أوبر” حاول معاكستها فقفزت من السيارة خوفًا من تحرشه بها أو خطفها. ‏
وقع هذا الحادث المؤسف يوم الأربعاء الماضي الموافق 21 فبراير 2024، حيث طلبت حبيبة سيارة خاصة من تطبيق أوبر ‏-بحسب شهادة والدتها-، حيث أكدت لموقع سكاي نيوز أنه “من المستحيل أن تكون ابنتي قد ألقت بنفسها من السيارة وهي مسرعة ‏وعرضت نفسها للخطر نتيجة تقدير خاطئ لتصرف السائق، من المؤكد أنه فعل شيئًا أرعبها وجعلها تفعل ذلك، وهو بالفعل ‏اعترف في التحقيقات أنه أغلق نوافذ السيارة وقام “برشّ” ما قال عنه إنه معطر، وهذا شيء كافِ أن يرعب أي فتاة، كما أن السائق كان متذمرًا عندما طلبت منه ابنتي خفض صوت الكاسيت وأنا أحدثها على الهاتف قبل الواقعة مباشرة”.

خافت لأننا غير آمنات

أثارت هذه الواقعة الجدل حول سياسات شركة أوبر والشكاوى المتكررة منها، والتساؤل حول أسس اختيار السائقين العاملين بها، ‏خاصة وأن المتهم في حادثة حبيبة ظهرت له سابقة جنائية بتهمة تعاطي المخدرات، وهو ما يؤكد مسئولية الشركة وتقصيرها ‏في حماية عملائها!

اقرأ أيضًا: هل يحمل قانون العقوبات تمييزًا ضد المرأة؟

من جانب آخر نَفَت شقيقة السائق ما ورد عن الفتاة قبل فقدانها الوعي، موضحة أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه ‏السائق هو عدم العودة للفتاة بعد أن ألقت نفسها من السيارة، مبررًا خوفه من تجمع المارة حول حبيبة، وأن كل ما فعله هو إغلاقه ‏النوافذ كما حكى لها بسبب شعوره بالبرد ثم رش معطر داخل السيارة، مما أثار شكوك الفتاة التي لم تطلب منه التوقف بل قررت ‏فجأة إلقاء نفسها من السيارة.

قد تبدو هذه رواية أخرى أمام رواية حبيبة التي ننتظرها جميعا أن تشفى وتتعافى مما مرت به! لكن ما ‏نطرحه اليوم هو السؤال الأهم.. لماذا خافت حبيبة الشماع؟ ‏

حبيبة الشماع فتاة كغيرها من الفتيات والنساء المصريات، اللاتي يعانين يوميًا من الخوف والترقب الشديد كي لا يقعن ضحية ‏للتحرش أو التعنيف، أو التتبع وصولًا للقتل كما حدث لنيرة أشرف في وسط الطريق ووضح النهار وأمام جامعتها! كل ما تعيشه النساء يوميًا في شوارع مصر جعل ‏تجربتهن غير آمنة ومليئة بالمخاوف ومحاولة النجاة منذ خروجهن من المنزل حتى وصولهن إلى وجهتهم. ‏

حوادث متكررة من العنف

منذ 2011 جاء ملف التحرش الجنسي في الشوارع والمواصلات العامة والخاصة في مقدمة أولويات المؤسسات المعنية بشؤون ‏النساء وحقوقهن، بسبب ما نعانيه من كابوس متكرر ولحظات من القلق الشديد خوفًا من التعرض للتحرش الجنسي أو محاولة خطف ‏أو تتبع من شريك سابق وغيره. والجدير بالذكر أنه منذ سنوات قليلة ذُكرت محافظة القاهرة في تقرير مؤسسة تومسون رويترز في ‏خانة المدن الأكثر خطرًا على النساء في الكثير من الجوانب والأكثر سوءًا بالنسبة لأحوال ‏المرأة (الختان والزواج الإجباري وزواج القاصرات)مقارنة بالدول العربية الأخرى، وجاءت في المركز الثالث بعد نيودلهي وساو باولو في العنف الجنسي. ‏

لم لا أكون أنا الضحية القادمة؟

وعلى مر هذه السنوات، شهدت شوارع مصر العديد من الحوادث التي اشتهرت على نطاق واسع كانت ضحيتها فتاة أو سيدة ‏مصرية، سواء كانت جريمة قتل ذبحًا مثل نيرة أشرف والطالبة أماني و سلمى بهجت، ونورهان حسين التي قتلت على يد ‏زميل عمل إثر خلافات سابقة داخل الجامعة، أو جرائم تحرش فردية أو جماعية كحادثة مدينة الزقازيق الشهيرة التي اعتدى فيها ‏مجموعة من الشباب على فتاة في الشارع، كذلك لا ننسى طبيب الميكروباص، و متحرش المعادي محمد جودت الذي تحرش بطفلة في مدخل ‏العمارة، وغيرها من الحوادث منها ما سمعنا ‏عنه ومنها من لم تستطع الضحية الحديث والإبلاغ عن المجرم! ‏
هذه الجرائم خلقت داخل كل فتاة مصرية مخاوف عديدة من أن تكون هي الضحية القادمة.

اقرأ أيضًا: الستر للرجالة.. كيف يتعامل المجتمع مع المتحرشين؟

هل يمكن أن تكون راوية السائق بها شيء من الحقيقة وأن حبيبة قد أساءت فهم سلوكه غير المبرر؟ كل شيء وارد، الآن الجميع في انتظار أن ‏تتعافى حبيبة وأن تحكي روايتها وهو الجزء الأهم في الواقعة، لكن هل تلام حبيبة على خوفها وقرارها أن تنجو بنفسها بهذه الطريقة؟! هل على ‏الفتيات فقط أن يحرصن على مراقبة سلوك كل من حولهن لحماية أنفسهن، أم على المجتمع والدولة دور أكبر في تأمين رحلة ‏النساء اليومية في الشارع وأن يؤمنوا لها سبلًا وأدوات للنجاة دون أن تضطر لتعريض نفسها للخطر أو الموت؟. ‏

من اللازم أن تفرض الدولة قوانين ملزمة للشركات مثل أوبر بوضع سياسات أكثر أمنًا لحماية النساء، وتوفير خدمة آمنة خالية من ‏المخاطر المحتملة، وكذلك تأمين الشوارع والمناطق التي تتردد عليها النساء بشكل يومي مثل المواصلات العامة والأماكن ‏الخدمية والتعليمية حتى تكون مساحات آمنة، تسمح بتطبيق سياسات خاصة للحماية من التحرش وليست فقط لتوفير الأدوات للإبلاغ ‏عنه حال وقوعه.

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة