هل يحمل قانون العقوبات تمييزا ضد المرأة؟

 

تنص المادة 53 من الدستور المصري الصادر عام 2014 على أن “المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس…”.

ويعد مبدأ المساواة أمام القانون ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلاف أنواعها والمسؤوليات الناتجة عنها، بل إنه يكون الأساس التي تقيم الدولة عليه العدل وتحقق به السلام الاجتماعي، وإنما شرع هذا المبدأ لغاية صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز المختلفة التي أوردها الدستور على سبيل المثال لا الحصر، هذا التمييز الذي قد ينال من تلك الحقوق والحريات ويقيد ممارستها خاصة في ظل تكافؤ المراكز القانونية المتماثلة بين المواطنين سواء كان ذكر أو أنثى.

اقرأ أيضًا:في الطريق إلى برلمان 2025.. هل تُصبح تكتلات “جيل يناير” بديلًا للحركة المدنية؟

ومنذ صدور دستور 2014 أصدرت المحكمة الدستورية العليا العديد من الأحكام بعدم دستورية بعض مواد القوانين التي كانت تحمل شكلا من أشكال التمييز ضد المواطنين، فقضت بعدم دستورية قصر الحق في اكتساب الجنسية المصرية بالنسبة للأولاد إذا كان الأب مصريا دون الأم المصرية إذ رأت أنه تلك المادة تتضمن حكما تمييزا على أساس الجنس – أو النوع – وذلك بغير أسس موضوعية بالمخالفة لأحكام الدستور واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة الموقعة من قبل الدولة المصرية.

وفي حكم آخر قضت المحكمة الدستورية أيضًا بعدم دستورية قصر تقرير الحق في إجازة وجوبية للعامل لأداء فريضة الحج للعامل المسلم دون زيارة بيت المقدس بالنسبة للعامل المسيحي، إذا رأت أن ذلك يحمل تمييزا على أساس ديني وضد مبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية وكذلك مبدأ المواطنة.

وعلى أساس هذه التفسيرات الهامة التي ضمنتها المحكمة الدستورية العليا في مثل هذه الأحكام وأمثلة أخرى كذلك، كان يحب على المشرع المصري إعادة النظر في العديد من أحكام قانون العقوبات التي تحمل أيضا تمييزا بين المواطنين على أساس الجنس أو النوع.

فغالبا ما يستخدم القضاة المادة 17 من قانون العقوبات التي تتضمن مبدأ استعمال الرأفة في القضايا التي تتعلق بالعنف ضد المرأة، فإذا قتل أخ أو أب شقيقته أو ابنته لشكه في سلوكها أو لممارسته سلطة دينية عليها، يستخدم القاضي الجنائي مبدأ استعمال الرأفة مع المتهمين بمثل هذه الجرائم تحت مسمى الدفاع عن الشرف، الذي – ويالا المفاجأة – لا يوجد له تعريف أو أساس في القانون.

كذلك ينص قانون العقوبات في المادة 60 أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على الأفعال التي ترتكب بمقتضى الشريعة، ويفتح هذا النص الباب لكل من تسول له نفسه لارتكاب أي جريمة يكون معاقب عليها بالفعل في مواد أخرى إلا أن ذلك الشخص يرى أن له سلطة دينية ما على المجني عليه فيكون في هذا الحالة قد أفلت من العقاب، وغالبا ما تستخدم هذه المادة في إفلات الرجل من العقاب على جريمة الضرب – والذي يفضي في الكثير من القضايا إلى الموت – أو جريمة التعذيب إذا ارتكبها هذا الرجل في حق النساء من أهل بيته.

وفي تمييز آخر لا يعاقب القانون الزوج الذي يقتل زوجته ومن كان معها إذ تفاجئ بهما يرتكبان الخيانة الزوجية، ويكتفي القانون بمعاقبته بالحبس، وتعطى الأحكام التي تصدر في مثل هذه القضايا العذر للزوج نتيجة حالة الغضب والاستفزاز التي تسيطر على أفعاله عند قيامه بتلك الجريمة، وعلى الرغم من أن جريمة القتل هي جريمة معروفة ومستقرة الضوابط والأحكام في القانون المصري ويعاقب عليها بالإعدام، إلا أنها إذا ارتكبت من الزوج في هذه الحالة لا تطبق عليه لا عناصر الجريمة ولا العقوبة المقررة لها في قانون العقوبات أصلا، مما يجعله مطمئنا للإفلات من العقاب، فماذا عن الزوجة؟! تعاقب الزوجة التي تفاجئ بزوجها ومن معه يرتكبان نفس الفعل بعقوبة القتل العمد قولا واحدا، ولا يلتمس لها العذر بالغضب أو الاستفزاز ولا يُطبق عليها مبدأ الرأفة التي تنص عليه المادة 17 سابقة الذكر لأنه من المفترض فيها السيطرة على غضبها وانفعالاتها وعدم فضح زوجها والمحافظة على أركان بيتها، فهل يعقل ذلك؟!

ويكرس القانون كذلك للشعور بدونية المرأة وبكونها مواطن درجة ثانية إذ يسمح القانون للزوج بعفو عن عقوبة الزوجة التي إذا تمت إدانتها بجريمة الزنا، فتحقق للزوج التحكم في مصير زوجته أولا بتقرير الحق له وحده بتقديم الشكوى ضد زوجته بارتكابها لفعل الزنا – هذا إذ لم يقتلها أو يضربها حتى الموت أولا – وثانيا بالحق له وحده بالعفو عن الزوجة إذ قبل معاشرتها على الوضع الذي كانا عليه قبل ارتكاب الجريمة، أما إذا قلبنا الآية وكانت الأوضاع منعكسة وضبط الزوج بارتكاب فعل مخل فلا يكون للزوجة أيا من هذه الحقوق لا تقديم الشكوى ولا العفو عن العقوبة في تمييز واضح لا لبس فيه بين الجنسين وكأنهما لا يتمتعان أمام القانون بنفس المركز القانوني الواحد.

تكرس مثل هذه المواد وغيرها ثقافة التمييز بين الرجل والمرأة، والشعور الشائع في المجتمع ضد المرأة بالدنو وأنهن ناقصات في الحقوق التي من المفترض أن يتمتعنن بها، على الرغم من التطور المجتمعي الذي نشهده، وتغيير المكانة الفعلية للمرأة، فيجب أن نعكس هذه الصورة أيضا في القوانين التي تتعامل في موضوعات بمثل هذه الحساسية كقضايا العنف وقضايا الأسرة والميراث وغيرها، كما يجب على الدولة السعي نحو تطبيق التزاماتها الدولية فيما نصت عليه اتفاقية مناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة، والعديد من الاتفاقيات الأخرى أيضا، والذي سينعكس بالضرورة على استقرار المجتمع المصري، وتقليل نسب انتشار جرائم العنف والقتل، وكذلك تعزيز السلام الاجتماعي وعوامل أخرى تساعد على نهضة هذه الدولة وتمتعها بالعدل والرخاء الذين لن يتحققا إلا باتحاد نصفيها – المرأة والرجل – والمساواة بين كفتيهما.

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة