الستر للرجالة.. كيف يتعامل المجتمع مع المتحرشين؟

 

في عام 2019 تم الكشف عن شهادات تحرش ضد لاعب المنتخب المصري لكرة القدم “عمرو وردة”، كانت الصدمة في البداية بسبب توقيت ظهور هذه الشهادات وربطها بالأداء السيئ للمنتخب المصري، حيث نال اللاعب هجمة شرسة في البداية من المتابعين والمتابعات حتى ظهرت الأصوات المعتادة للمطالبة بالستر والتوقف عن مشاركة هذه الشهادات، رافعين شعار “رصيد الستر خلص”، وجاءت أغلب التعليقات تشكك في كلام الضحية، وتفترض أنها على علاقة سابقة باللاعب وتحاول تدمير مستقبله، ثم بدأ التشكيك في صحة الشهادات  نفسها والهجوم على الضحايا بحجة مظهرهن أو طبيعة حياتهن.

هذا الهجوم المضاد لم يتوقف حتى بعد خروج عمرو وردة نفسه في مقطع مصور يعتذر عما صدر منه، وهو ما يؤكد قيامه بما شهدت به الضحية، وظلت هذه المجموعات تتغنى بالستر وعلى رأسهم كابتن المنتخب محمد صلاح حين صرح مطالبًا بفرصة جديدة للاعب متجاهلا بأن ما جاء في هذه الشهادات هي جرائم يعاقب عليها القانون المصري، التحرش والابتزاز الجنسي.

ملخص رحلتنا من “حرام هتضيعي مستقبله” إلى “استروا عليه كلنا ممكن نكون مكانه”، بعد أن خاضت النساء معاركهن في الشوارع مع المجتمع صاحب الدفاع الأشهر “حرام هتضيعي مستقبله” عن كل متحرش قررت الضحية الإبلاغ عنه بعد أن تعدى وانتهك حدودها الشخصية والجسدية، وصولا لمعارك جديدة رقمية تخوضها النساء في كل مرة تقرر إحداهن في الإعلان عما تعرضت له من المتحرش الفلاني، وخاصة إن كان المجرم في القصة هو من المشاهير وله دراويش ومتابعين، ليجد كل منهم نفسه في قصته ويدافع باستماتة ويدين الضحية وكل من دعمها.

تذكرنا عمر وردة حينما شهدنا منذ أيام واقعة تخص لاعب كرة القدم ص.م، حيث استطاعت زوجته نشر سكرينات من صفحته الشخصية على تطبيق “سناب شات” وهو يبتز ويطارد فتيات بإلحاح ويعرض عليهن عروض جنسية، لم ننتظر طويلا حتى ظهرت الأصوات المعتادة مطالبة بالستر والتي تلوم الزوجة على ما فعلته فقط، مرددين “كل واحد فينا ممكن يكون مكانه”، ولا نفهم جميعا لماذا من الممكن أن يرى أي شخص نفسه في مكان شخص آخر متهم بالتحرش والابتزاز والخيانة؟ هل الجرائم أصبحت مجرد ذنوب وجب علينا التستر عليها!

تعاني النساء دائما من التشكيك والاستباحة وحصرها في موضع الاتهام، حتى وإن كانت ضحية بموجب القانون، حتى وإن قتلت كما حدث في قضية نيرة أشرف، حيث عانت الفتاة حتى بعد ذبحها علنا، من توجيه اللوم لها على رفضها للقاتل مرار وتكرارا والتشكيك في حقيقة ما روته النيابة عن أسباب الجريمة، وكذلك بسبب نمط حياتها المختلف عما يريده جموع الشعب المتدين بطبعه، وهو ما يؤكد أن مهما كانت الجريمة ستجد تلك الأصوات طريقها لإلقاء اللوم على النساء.

كل ما يحدث من تبريرات أو تشكيك أو محاولات لمنطقة ما قام به اللاعب الفلاني وتبرئته من واقعة التحرش العلانية، ما هي إلا محاولة للتطبيع مع تلك المشاهد من جديد، حتى يحمي كل متحرش نفسه ويضمن قبول قطاع كبير من الشعب له، والحفاظ على هذه الأصوات التي ستعلو حينما يجد نفسه مكان هذا اللاعب ورصيده من الستر ينتهي أيضا كما يصرح جميعهم.

أما عن النوايا الطيبة والتدين المفرط الذي يظهر بقوة عند الكشف عن متحرش سواء كان مشهورا أو واحد من المواطنين البسطاء، ولا نسمع عنهما وقت انتشار صور تخص سيدة ما أو مقطع مصور لفتاة أخرى، لا تضر أحد ولا تعتدي على أحد ولكنها تمارس حياتها الخاصة بالشكل الذي تحب، فمن الأفضل أن يتوقف هؤلاء عن الكيل بمكيالين، وبدلا من البحث عن الستر للمجرمين، خوفا من أن تدور الدائرة، لا تتحرش حتى لا تصبح مكانه.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة