فريق العمل
عقد أهالي مدينة رأس الحكمة التابعة إداريًا إلى محافظة مطروح، شمالي غرب القاهرة، اجتماعًا طارئًا، الجمعة؛ لتحديد ما سيتخذونه بشأن قرار الحكومة الاستحواذ على أراضي المدينة، واستثمارها.
شغلت المدينة الرأي العام في مصر وأثارت ردود فعل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية ما انتشر إعلاميًا حول نية الحكومة بيع “رأس الحكمة” إلى مستثمر/ تحالف استثماري إماراتي مقابل 22 مليار دولار؛ لكن القاهرة نفت مسألة البيع عبر مصادر في مقابلات تلفزيونية وصحفية، مع تأكيد نيتها في تنمية المدينة بالشراكة مع كيانات عالمية ذات قدرة تمويلية كبيرة.
اقرأ أيضًا: رأس الحكمة.. لماذا الصفقة فريدة؟
وحسب ما ذكرنا في تقريرنا المنشور على صفحات منصة “فكّر تاني” بعنوان: عن رأس الحكمة كيف نزعت؟، فإن المؤسسة العامة للتخطيط العمراني ممثلة عن الحكومة المصرية، وقّعت في أغسطس 2018، اتفاقيّة مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل)، أُعلن خلالها عن إطلاق مشروع “رأس الحكمة”، امتثالًا للأجندة الحضرية الجديدة وأهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030. وفي العام نفسه، بدأت المرحلة الأولى من خطة الحكومة للاستحواذ على أراضي بطول 2 كيلو متر مربع وعمق 25 كيلومتر، واقعة على الشريط الساحلي للمدينة المطل على البحر المتوسط.
وبحسب مخطط المدينة، من المقرر إنشاء 11 حيًا موزعة بين عدة مناطق سياحية شاطئية وبيئية ريفية، بينما ستتضمن منطقة الرأس مشروعات سياحية فاخرة، مع قطاعات أخرى تضم قرية بدوية وخدمات كالمطاعم والمحال التجارية، بالإضافة إلى إنشاء حوالي 10652 وحدة سكنية، و50 فندقًا سياحيًا ضمن مراحل تطوير المدينة.
أهالي “رأس الحكمة” يرفضون البيع
لكنّ الأهالي الذين اجتمعوا الجمعة 9فبراير الجاري خرجوا بقرار رفض البيع -وفق ما صرحوا به في مقابلاتنا معهم- رافعين شعار: “لا لتهجير أهالي رأس الحكمة”. بعد أن كانت هناك موافقة ضمنية سابقًا على عمليات انتزاع الملكية مقابل تعويضات عادلة؛ لكن دون بيع المدينة لمستثمر خارجي.
يقول ح. ر – من أهالي المدينة – في حديث مع “فكّر تاني”، إن عدد سكان المنطقة من القبائل الأصلية، التي تمثل 21 قبيلة كبيرة، إلى جانب القبائل الصغيرة نسبيا، يزيد عن 25 ألف نسمة؛ بما يمثل 10 آلاف صوت انتخابي. ويضيف: “رضينا في المرحلة الأولى في عام 2018، ونزعت الحكومة ملكيتنا في أول 2 كيلو، لسنا ضد مصالح الدولة ولسنا ضد الاستثمار؛ لكننا نرفض أن يتم تهجيرنا من كامل المدينة، وهذا حقنا كمواطنين”، بينما يتساءل:” لماذا بدأت مرحلة ثانية وأخيرة من التهجير القسري؟”.
رأس الحكمة.. تعويض 150 ألفًا للفدان
ويقول المواطن: “بعد مفاوضات، حصل بعضنا على تعويضات تمثل 150 ألف جنيه للفدان الواحد، دون تعويض عن المنازل، ومن تم تهجيره، نزح إلى منطقة مجاورة على الشاطئ في رأس الحكمة. وللأسف، جاء ممثلو الحكومة مطلع فبراير الجاري، وحادثونا عن نية الدولة في نزع ملكية 2.5 كيلومتر آخرين على الشاطئ، ما يعني أن هناك عائلات ستتعرض للتهجير مرة ثانية بعد أن نزحوا إلى المنطقة المحددة في المرحلة الثانية، عقب التهجير الأول. ورفض ممثلو الحكومة التفاوض معهم بشأن تعويضات جديدة، لأنهم حصلوا على تعويضات سابقة في المرة الاولى”.
اقرأ أيضًا: هل باعت مصر أجمل مدنها الشاطئية للإمارات؟
هذا الحديث يؤكده “ي.ز” -واحد من المُهجرين- والذي يقول إنه وعائلته يتعرضون لتهجير جديد، بعد أن استثمروا التعويضات “الزهيدة” السابقة في شراء أرض وبناء منزل وبدء حياة جديدة مستقرة في هذه المنطقة؛ لكنهم الآن باتوا مطالبين بالنزوح مجددًا عن موطنهم وملكياتهم دون تعويض عنها. متسائلًا: “كيف ننزح دون تعويض؟ إلى أين نذهب وكيف نعيش؟”. ويضيف أن هناك فئة تتحدث عن موافقتها على البيع مقابل التعويضات، لكنهم ليسوا من أهالي رأس الحكمة؛ وإنما من قبائل تعيش خارج المدينة، ويملكون بعض الأراضي.
أهالي “رأس الحكمة” يفوضون 56 محاميًا
تواصلنا مع أحد المحامين في المدينة، حضر الاجتماع ضمن 6 محامين آخرين، فقال إن الأهالي قرروا تحرير توكيلات لعدد من المحامين (56 محامي من الجيزة، و مطروح، والمنصورة، والإسكندرية، والقاهرة)، ليصبحوا ممثلين لدى الدولة والقضاء عن سكان المدينة، في مفاوضاتهم معها لمنع التهجير وانتزاع الملكيات. ويؤكد المحامي أن القبائل جميعها اتفقت على قرار واحد وهو التفاوض لمنع البيع. خاصة وأن هناك بعض الإشارات التي توضح أن الحكومة في نيتها تخصيص 15 ألف فدان فقط، لنقل القبائل إليها، في حين أن باقي المدينة ستكون لـ”الغرباء”؛ لذا فالجميع يرفض الانتقال.
ولا تزال حقيقة بيع المدينة أو منحها كحق انتفاع محدد بعدد من السنوات، لتحالف الإمارات المعلن عن فوزه باستثمارها (دون تحديد هويته)، مبهمة، خاصة وأن الأهالي يؤكدون أن مستثمرين إماراتيين ومصريين شرعوا بالفعل في شراء مساحات واسعة من الأراضي قبيل الإعلان الأخير، وهو ما يتساءل حوله المواطنون، ولسان حالهم يقول: “متى ينتهي عصر انعدام الشفافية و تضّح الحقائق؟”.