“على واشنطن أن تواجه الواقع.. لقد فشلت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ وفي قلب هذا الفشل تكمن الشراكات الإقليمية الرئيسية للولايات المتحدة، وتمثل السعودية وإسرائيل الشريكين الأساسيين لأمريكا في المنطقة”.
هكذا وصف المحلل السياسي جون هوفمان، الوضع في الشرق الأوسط في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي مشيرا إلى أن شريكي الولايات المتحدة الأساسيين في المنطقة – إسرائيل والمملكة العربية السعودية -رغم كونهما تحتفظان باختلافات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، فإن كلاً منهما تعمل باستمرار على تقويض المصالح الأميركية والقيم التي تدعي الولايات المتحدة أنها تدافع عنها، ما يحتم على واشنطن أن تعيد توجيه نهجها بشكل أساسي تجاه كلا البلدين، والانتقال من الدعم غير المشروط إلى العلاقات الثنائية.
إسرائيل شوهت صورة واشنطن
يرى “هوفمان” أن الحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة تلخص العنف الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد القيم الأميركية المعلنة، في حين تعرض أيضاً مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط للخطر، لافتا إلى أن الدمار الذي أحدثته هذه الحرب سوف يستغرق أجيالاً لإصلاحه، وقد شوهت صورة واشنطن العالمية بشكل دائم بسبب دعمها لمثل هذه الأعمال.
يتابع المحلل السياسي أنه في الأيام التي تلت هجمات 7 أكتوبر مباشرة، تعهدت إسرائيل بتدمير حماس، إلا أن الجيش الإسرائيلي نفذ ما يعتبره المنتقدون عقابًا جماعيًا، حيث قتل المدنيين الفلسطينيين بأسلحة أمريكية الصنع، ووفقاً للسلطات الصحية في غزة التي تسيطر عليها حماس، فإن ما يقدر بنحو 70 بالمائة من الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل كانوا من النساء والأطفال، وقد نزح حوالي 1.9 مليون شخص – أكثر من 90% من سكان غزة – بسبب الحرب، ودمر أو تضرر أكثر من 45% من إجمالي المساكن في غزة بحلول منتصف نوفمبر، وفقاً لحسابات الأمم المتحدة استناداً إلى الأرقام التي حصلت عليها منظمة العفو الدولية بناءا على تقارير حكومة غزة التي تسيطر عليها حماس.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تدعي خلاف ذلك ، إلا أنه يبدو أن استراتيجيتها لها تأثير أقل بكثير على حماس وقدراتها. وفي الوقت نفسه، قد تنتهي الحرب إلى زرع بذور المقاومة المسلحة في المستقبل من خلال القتل العشوائي للمدنيين.
السعودية والاستبداد وواشنطن
نالت “الرياض” نصيبًا أيضا من النقد في مقال “هوفمان” إذ قال إن الشريك الرئيسي الآخر للولايات المتحدة في المنطقة، المملكة العربية السعودية، هي واحدة من أكثر الدول استبدادية في العالم، وترتكب الرياض انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في الداخل وتدعم بنشاط الأنظمة الاستبدادية الأخرى المنخرطة في أنشطة مماثلة في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى الرغم من بذل الرياض وحلفائها جهودًا كبيرة لتقديم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باعتباره مصلحًا يقود المملكة إلى المستقبل، فقد شرع الحاكم الشاب في حملة لتوحيد السلطة والمركزية، ولم تكن سيطرة النظام على الدولة والمجتمع أكبر من أي وقت مضى. وفق هوفمان
ويتابع الكاتب أن المملكة العربية السعودية تعد مصدرًا رئيسيًا للاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وترتبط الرياض بكل منطقة صراع تقريبًا وخط صدع جيوسياسي يمتد في المنطقة.
وقال إن العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تلخص “أسطورة الاستقرار الاستبدادي” – وهي فكرة مفادها أن الحكام المستبدين يحافظون على السلام في المنطقة، ولكن العكس هو الصحيح: فبدلاً من أن تكون هذه الجهات الفاعلة الحل لقضايا المنطقة، فإنها تعمل على خلق وتفاقم المشاكل الأساسية الأعظم في الشرق الأوسط.
تدخل الرياض في حرب اليمن
يقول هوفمان إن أفظع مثال على سلوك الرياض المزعزع للاستقرار هو التدخل العسكري الذي قادته إلى جانب الإمارات العربية المتحدة في اليمن، ومنذ عام 2015، أنتجت هذه الحملة العسكرية أسوأ أزمة إنسانية في العالم وتسببت في مقتل أكثر من 377 ألف شخص، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
وواصل حديثه قائلا إن الحرب في طريق مسدود هش ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم قدرة الرياض على هزيمة الحوثيين، وبعد ما يقرب من تسع سنوات من القتال المدمر، يمكن القول إن الحوثيين أقوى من أي وقت مضى. ورداً على الحرب بين إسرائيل وحماس، تشن الجماعة هجمات منتظمة على السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مما يضيف نقطة اشتعال خطيرة جديدة للصراع المستمر.
الدعم الأمريكي عزز سياسات إسرائيل والسعودية المتهورة
يرى هوفمان أن الدعم الأمريكي الثابت شجع إسرائيل والمملكة العربية السعودية على ملاحقة سياسات متهورة، مع العلم أن الولايات المتحدة سوف تأتي لمساعدتهم ولن تحملهم المسؤولية. ويشير المنطق السليم إلى أنه يتعين على واشنطن أن تغير مسارها بشكل جذري. ولسوء الحظ، يبدو أن هذا ليس ما تفكر فيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
التطبيع
ويتابع الكاتب أن إدارة بايدن ركزت سياساتها الإقليمية حول جهود التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل كامتداد لاتفاقيات “إبراهيم” التي توسطت فيها الولايات المتحدة، والتي شهدت تطبيع إسرائيل رسميًا للعلاقات مع البحرين والإمارات العربية المتحدة في عام 2020 وتم توسيعها لاحقًا لتشمل المغرب والسودان.
وفي مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أوضح ولي العهد السعودي مراراً مطالبه بأن يجب على الولايات المتحدة أن تقدم للمملكة ضمانة أمنية رسمية وتساعد في تطوير البرنامج النووي المدني للرياض.
ويستمكل الكاتب أنه منذ 7 أكتوبر، كرر المسؤولون الإسرائيليون والسعوديون والأمريكيون مرارًا وتكرارًا التزامهم بإبرام هذه الصفقة، وقد تم تجميع التطبيع السعودي الإسرائيلي في ما أشار إليه المعلق الأمريكي توماس إل فريدمان على أنه ” صيغة واحدة ” للحفاظ بطريقة أو بأخرى على حل الدولتين، وتحقيق التوازن ضد إيران، ومواجهة طموحات الصين في الشرق الأوسط.
وادعى بايدن مرارًا وتكرارًا أن حماس شنت هجومها في 7 أكتوبر بهدف عرقلة التطبيع السعودي الإسرائيلي، وقد أكد العديد من مسؤولي الإدارة الأمريكية منذ ذلك الحين على جهودهم المستمرة للتوسط في مثل هذا الاتفاق.
كما أعرب المسؤولون الإسرائيليون عن رغبتهم في العودة إلى مثل هذه الصفقة، حيث ادعى نتنياهو في نوفمبر، أن احتمالات التطبيع “ستكون أكثر نضجاً” بعد الحرب، ومن جانبها انخرطت المملكة العربية السعودية في عملية توازن، باستخدام خطاب ينتقد الحملة الإسرائيلية في غزة، مع التأكيد أيضًا على اهتمام الرياض المستمر بالتطبيع. وسافر مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان مؤخرًا إلى المملكة العربية السعودية للقاء محمد بن سلمان ومواصلة الدفع من أجل هذه الصفقة.
ما يجب على واشنطن أن تفعله
يرى الكاتب أنه ينبغي على واشنطن أن تغتنم هذه اللحظة لإجراء تغيير جذري في نهجها تجاه شراكاتها في الشرق الأوسط. ومن خلال الانتقال من الدعم الانعكاسي إلى العلاقات المستقلة، تستطيع الولايات المتحدة أن تنهي تواطؤها في سياسات شركائها بينما تعيد توجيه سياستها في الشرق الأوسط بشكل أساسي.
وسيكون الضغط من أجل التغيير معركة شاقة، لكن الحاجة إلى التغيير لم تكن أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. فبعد عقود من بسط القوة في المنطقة دون استراتيجية متماسكة، أنفقت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات لكنها فشلت في تحقيق الاستقرار الإقليمي أو تعزيز المصالح الأمريكية. وهذه المصالح في المنطقة محدودة ، والنهوض بها لا يتطلب دعماً سياسياً أو عسكرياً غير مشروط لأي طرف.
واعتبر أن تفاني واشنطن الذي لا يتزعزع في نهجها الحالي تجاه المنطقة قد أنتج حلقة مفرغة، فمن خلال إلزام نفسها بجذور عدم الاستقرار الإقليمي، تجد الولايات المتحدة نفسها مرارا وتكرارا مضطرة إلى مواجهة التحديات التي هي إلى حد كبير نتاج وجودها وسياساتها في الشرق الأوسط.
واختتم حديثه بأنه حان الوقت لتغيير المسار في الشرق الأوسط. إن الفشل في القيام بذلك يخاطر بإضفاء الطابع الرسمي على التزام واشنطن بدائرة عدم الاستقرار التي ستستمر في التأثير على المنطقة – وتقويض مصالح الولايات المتحدة – لأجيال.
