انتشر في السنوات الأخيرة أصوات علت ونادت بالحد من مظاهر ما أفسده نزول المرأة إلى العمل لمقومات الأسرة المصرية الراسخة والرصينة! بل وامتدت هذه الأصوات إلى أكثر من ذلك بأن نادت بحل المجلس القومي للمرأة ومراجعة قانوني الأسرة والأحوال الشخصية مرة أخرى، لا لتطويره بل لجعله أكثر رجعية وتخلفا.
تقول الإحصاءات الرسمية التي أشرفت عليها الدولة أن هناك 18% من مجموع الأسر المصرية كافة تعيلها امرأة، والإعالة عزيزي القارئ تعني أن هذه المرأة عليها أن تعمل على الأقل 8 ساعات يوميا لتوفير المأكل والملبس والسكن ودفع الفواتير والمرافق حتى تستطيع هذه الأسر أن تعيش حياة عادية، لا أقول حياة كريمة، أو حياة مرفهة، بل أقول حياة عادية تحمل الحد الأدنى من متطلبات عيش الإنسان.
اقرأ أيضًا:نحو انتحار مناخي
12 مليون امرأة تعيل أسرتها مهما كان عدد أفراد هذه الأسرة، وهي نسب متفاوتة بالطبع، منها 26% تحت خط الفقر، وهي نسبة كبيرة تسعى الدولة إلى خفضها لتصل إلى 9% بحلول عام 2030، ووفقا لدراسة أعدها أحد المراكز المتخصصة، فإن 16.5% من تلك الملايين هم من المتزوجات اللائي يعيلن أزواجهن وأبنائهن، بل وأن هناك مجموعة منهن تعيل أيضًا أبا مريضا أو أما مقعدة.
في النموذج الغربي، لا تمثل المسائل المادية للأسرة مشكلة مثلما تتمثل في مجتمعنا، لأنه بالأساس لا يوجد فرق بين الطرفين. فإذا اختار أحدهما رعاية شئون الأسرة والمنزل واختار الآخر العمل من أجل تأمين مصروفات هذه الأسرة فلا تثريب على الطرفين لأنه لا يوجد فرق، ويتحمل كلا منهما مسؤولياته دون أى خجل أو معايرة من الآخر وهم شركاء في كل شىء، ولا أقول هنا – وهذا مهم – أن النموذج الغربي يمثل جنات النعيم، أو أنه هو النموذج الأمثل، إطلاقا، هناك مشكلات جمة تحوم حوله وإحصاءات العنف ضد المرأة داخل الأسرة كبيرة لا نستطيع إنكارها، وكذلك مشكلة تدني الأجور والتمييز فيها بين الرجل والمرأة والتى لا تزال الحركات المدنية هناك تحارب من أجل الإنصاف فيها، ولكن ما مثلته الثقافة المصرية التى ترسخت فى وجدان كل امرأة ورجل بأن "الست مكانها بيتها" أو أن "الرجل لا يعيبه غير جيبه" جعلت العلاقة بينهما مادية بحتة وكأننا في سوق للعبيد!
لهذا تتمسك المرأة بحقها فى العمل، من أجل بناء نفسها أولا، ومساعدة الأسرة التي تتحمل مسؤوليتها ثانيا وثالثا ورابعا، وأنا أقترح على الدولة خفض نسبة ضرائب الدخل على المرأة المعيلة في تمييز إيجابي نحوها حتى تستطيع مجابهة الأزمات الاقتصادية الحالية، كما أتوجه إلى المجتمع المدني بضرورة اقتراح آليات وسياسات جديدة نابعة من الثقافة المصرية والعربية الذين كانت للمرأة في حضارتهما شأن كبيرا وعظيما يوما ما.