نحو انتحار مناخي

لندن.. أواخر القرن التاسع عشر، لطالما هويت فكرة برودة طقس هذه المدينة، وضبابيته، في تلك الحقبة كانت المدينة “العظيمة والقذرة” وشوارعها المتسخة متخمة بالضباب الذي ينسل إليك من كل مكان.. “ضبابٌ فوق النهر، وضباب ينساب بين الجزر الصغيرة والمروج الخضراء… ضبابٌ في أعين متقاعدي غرينتش القدامى وحناجرهم”

لكن الضباب الذي كان يحيط لندن وعرفت المدينة باسمه بعد ذلك، لم يكن ضبابًا ناتجًا عن تكاثف بخار الماء والطقس قارس البرودة، هذه صورة مشبعة بالرومانسية، بل كان ذلك الضباب ناتجًا عن احتراق وقود التدفئة والملوثات الصناعية في مدينة كانت بؤرة التطور الصناعي آنذاك.
أدت زيـادة احتـراق معـدلات الفحـم المسـتخدم فـي توليـد الطاقـة والتدفئـة، نتيجـة موجـة الطقـس السـيئ التـي أحاطـت بالعاصمـة والمـدن المجـاورة، إلـى التسـبب فـي نشـأة إعصـار مضـاد فـي طبقـات الغـلاف الجـوي، مـا أدى إلـى ركـود الهـواء البـارد فـوق لنـدن، وتصاعـد ثانـي أكسـيد الكبريـت وثانـي أكسـيد الكربـون وجزيئـات الدخـان وانتهـى الأمر باختنـاق مـا يصـل إلـى 12000 شـخص حتـى المـوت.
للتطور الصناعي ضريبته!

اقرأ أيضًا:هل نحن بصدد حراك عالمي جديد؟

لكن زيادة الانبعاثات والمخلفات الصناعية، أدت في النهاية إلى تلوث الهواء، والماء، والتربة، ما أدى بدوره إلى زيادة حرارة كوكب الأرض فيما يعرف باسم الاحتباس الحراري. حاول زعماء العالم المتقدم، الدول الصناعية الكبرى التي أهالت على بقية دول العالم بهذا الكم الهائل من التلوث، الوصول إلى حل عبر اتفاقية باريس في القمة التي عقدت عام 2015، اتفاق يتضمن التزامات من جميع الدول لخفض انبعاثاتها والعمل معًا للتكيف مع آثار تغير المناخ.

كان الهدف الرئيسي لذلك الاتفاق الحد من احترار الأرض بما لا يزيد عن 2 درجة مئوية، والسعي للوصول إلى 1.5 درجة، مقارنة بتلك المسجلة في عصر ما قبل الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. تمثل الصين والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والهند واليابان الدول الأكثر تهديدًا لمستقبل البشرية جمعاء بسبب نصيبها من كم انبعاثات الغازات الدفيئة والكربون في الكوكب، ومنذ 2015 لم تتخذ دولة واحدة فيهم أي خطوة حقيقية تجاه التزاماتها نحوه اتفاق باريس للمناخ.

يقر تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2020 – أي بعد خمس سنوات على اتفاق باريس – أنه لا يزال العالم متجهًا نحو زيادة في درجات الحرارة تصل إلى 3 درجات مئوية خلال هذا القرن في تجاوز كبير لأهداف اتفاق باريس، والآن في دبي بعد 3 سنوات مضت على هذا التقرير يحاول قادة العالم الوصول إلى اتفاق يضمن على الأقل المحافظة على هدف حصر الاحترار عند درجتين مئويتين فقط لأن أمد الانخفاض به إلى درجة ونصف أصبح من صنع الخيال.

في المناخ مثل السياسة لا تمتلك الاتفاقيات التي تبرمها الأمم المتحدة أي نتيجة واقعية تذكر، فالدول أصحاب الامتيازات هي التي تتحكم وفقًا لمصالحها السياسية والاقتصادية في المقام الأول دون أي اعتبار لمصير الأرض المشتركة التي تجمعنا جميعًا، حيث ترفض دولا مثل الكويت والسعودية والعراق أي اتفاق للحد التدريجي من استخدام البترول كوقود أحفوري إذ تمثل مبيعات البترول لدى هذه الدول الثروة القومية الأساسية لدولهم، وتدر عائدًا ماليًا ضخمًا على أسرهم الحاكمة… فلماذا الاهتمام ببقية الشعوب؟!

يمثل الاحتباس الحراري مشكلة ضخمة تهدد حياة البشرية التي لم يمض على وجودها على هذا الكوكب سوى مئتي ألف عام من أصل 4 ونصف مليار عام هي عمر هذا الكوكب، نجح الإنسان في هذه الحقبة القصيرة للغاية في إخلال توازن هذا الكوكب وتهديد حياة بقية كائناته التي كانت تعيش في سلام قبل وجوده.. نحن الموصوفين بالعقل والحكمة!

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة