تواجه الموارد الدولارية لمصر تهديدًا جديدًا مع تزايد هجمات الحوثيين للسفن التجارية المارة من باب المندب، الأمر الذي دفع معه خمسة من أكبر شركات شحن على مستوى العالم إلى تعليق خدماتها أو إيقافها بالبحر الأحمر والتوجه لطريق رأس الرجاء الصالح.
بدأت حركة المرور بالقناة التأثر بأنشطة الحوثين في البحر الأحمر خلال نوفمبر الماضي، بعدما عبرت 2264 سفينة القناة مقارنة بـ 2345 سفينة في أكتوبر السابق. كان ذلك الانخفاض نسبته 3.5%، ومعه تراجعت الإيرادات من 880.1 مليون دولار إلى 854.7 مليون دولار، بانخفاض قدره 3% خلال الفترة ذاتها.
تشير التوقعات إلى أن الاضرار ستكون أعلى في ديسمبر الحالي، نظرًا لأن هجمات الحوثيين المركزة لم تبدأ إلا في النصف الثاني من شهر نوفمبر، وتزايدت بشكل ملحوظ منذ بداية الشهر الجاري. في الوقت الذي أعلن عدد من شركات الشحن الكبرى تغيير دفتها بعيدًا.
وأعلنت شركات: OOCL، ومقرها هونج كونج، و CMA CGM الفرنسية، وMaersk الدنماركية، وHapag-Lloyd الألمانية، وMediterranean Shipping Co الإيطالية السويسرية بوقف خدماتها في باب المندب خلال النصف الأول من الشهر الحالي، وMaersk وحدها تسيطر على 14.8% من سوق حاويات الشحن العالمية.
باب المندب هو مضيق رابط بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، يتدفق من خلاله عادة ما يقدر بنحو 12% من التجارة العالمية من حيث الحجم، هدد الحوثيون منذ منتصف ديسمبر، بمهاجمة إحدى السفن، وضرب أخرى بطائرة مسيرة، فضلًا عن إطلاق صاروخين باليستيين على السفينة Palatium III، أصاب أحدهما السفينة.
كان الهجوم على Palatium III هو أول استخدام على الإطلاق لصاروخ باليستي مضاد للسفن، وبعده بساعات أسقطت سفينة تابعة للبحرية الأمريكية "يو إس إس كارني"، 14 طائرة من دون طيار فوق البحر الأحمر، بينما دمرت سفينة "إتش إم إس دايموند" البريطانية طائرة أخرى.

الحوثيون يصعدون في باب المندب
وحذرت شركة "RANE" لتحليل المخاطر من أن "الهجوم الصاروخي الأخير يؤكد التزام الحوثيين بتوسيع نطاق الاستهداف، ومن شبه المؤكد أنهم سيواصلون هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر خلال الأيام والأسابيع المقبلة".
وقالت الشركة، في تحليل أخير لها، إنه من المرجح أن تؤدي تلك الهجمات إلى أن تعيد شركات الشحن توجيه حركة المرور، ما سيزيد من تكاليف الوقود ويؤدي إلى تأخير في سلسلة التوريد.
تأثيرات عنيفة بسبب باب المندب
جون ستاوبرت، كبير مديري البيئة والتجارة في الغرفة الدولية للشحن، التي تمثل 80% من الأسطول التجاري العالمي، قال إن كمية هائلة من إمدادات الطاقة بأوروبا، مثل النفط ووقود الديزل، تمر عبر البحر الأحمر، وكذلك المنتجات الغذائية مثل زيت النخيل والحبوب وأي شيء آخر يتم جلبه على متن سفن الحاويات، وهي معظم المنتجات المصنعة في العالم.
يعيد بيتر ساند، كبير المحللين في شركة الشحن "زينيتا"، التأكيد على النقطة ذاتها، مشددًا على أن مشغلي ومالكي خطوط الشحن البحري يختارون إعادة توجيه السفن بعيدًا عن منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، لكنه يقول إنه نظرًا لأهمية قناة السويس لسلاسل التوريد العالمية.
ويشير ساند إلى الفوضى التي أعقبت إغلاق قناة السويس بعد توقف سفينة إيفر جيفن في عام 2021. وأدت عواقب إغلاق القناة إلى إغراق سلاسل التوريد في حالة من الفوضى التي استغرقت أشهرًا لتسويتها. والآن أصبح الوضع أسوأ، فقد أصبحت سلاسل التوريد العالمية متوترة بالفعل، مع تأخيرات غير مسبوقة في قناة بنما، نتيجة الجفاف وانخفاض مستويات المياه.
هينينج جلويستاين، الخبير بمجموعة أوراسيا الاستشارية، يقول إن طريق البحر الأحمر مهم في العموم وشديد الأهمية للأوروبيين الذين يحصلون على كل ما يحتاجونه من نفط الشرق الأوسط والغاز الطبيعي المسال عبر البحر الأحمر".
اقرأ أيضًا: العرب وفلسطين.. كيف يخرج الجميع منتصرًا من حرب غزة؟
المسار البديل يتضمن التفافًا حول رأس الرجاء الصالح، بالقرب من كيب تاون، والإبحار على طول غرب إفريقيا، وهو طريق أطول بكثير وأكثر تكلفة، ويفرض على مالكي السفن بالفعل دفع المزيد مقابل التأمين، فضلًا عن تحويل السفن والاستثمار في تدابير أمنية إضافية.

ويقول ماركوس بيكر، رئيس الشؤون البحرية في شركة مارش للتأمين، إن بعض شركات التأمين رفعت أسعارها بالفعل خلال الأسبوع الذي سبق هجمات البحر الأحمر المكثفة بنسبة تصل إلى 300% في إحدى الحالات.
مسار خليجي بديل يستغل أزمة باب المندب
مع تصاعد تهديد الحوثيين، استغلت الإمارات وإسرائيل الفرصة ودشنتا طريقًا بديلًا يبدأ من دبي ليمر عبر السعودية والأردن وصولًا إلى ميناء حيفا. وبدأ بالفعل المراحل التجريبية له مع وصول عشر شاحنات من موانئ الخليج العربي إلى إسرائيل.
تتم عمليات تسيير الشاحنات من ميناء دبي إلى ميناء تل أبيب في حيفا في إسرائيل عن طريق شركتي شحن هما "بيورترانز" الإماراتية و"تراكنت" الإسرائيلية، بينما يزعم المدير التنفيذي للأخيرة أن إنشاء هذا الطريق الجديد سيسهم في توفير أكثر من 80% من تكلفة نقل البضائع عبر البحر.
المصادر الإسرائيلية هي التي أعلنت عن تشغيل الخط الجديد، فيما اكتنف الصمت باقي المشاركين فيه، ونفت الأردن فكرة أن يكون جسرًا بريًا، وتحدثت عن أن الرحلة البرية من دبي إلى حيفا تستغرق مدة أربعة أيام، وتمتد على مسافة تبلغ 2550 كيلومترًا. أما الرحلة من البحرين فتستغرق يومين وسبع ساعات لقطع مسافة تبلغ 1700 كيلومتر.
وتتراوح تكلفة الشحن البحري حوالي 1.2 دولار لكل كيلومتر. وهذا المبلغ يعتبر أعلى قليلًا من الأسعار التي يتم دفعها في الأيام العادية. ومع ذلك، فإنه أرخص الآن بسبب زيادة تكاليف التأمين على السفن في البحر الأحمر بعد الهجمات التي نفذتها جماعة "أنصار الله" الموالية لإيران، على حد قول المصادر الإسرائيلية.
قناة السويس تقلل من تأثير هجمات الحوثيين
رئيس هيئة قناة السويس، أسامة ربيع، قال في بيان صحفي الأحد، إن حركة الملاحة بالقناة المصرية منتظمة، وأن هيئة القناة تتابع عن كثب التوترات الجارية في البحر الأحمر وتدرس مدى تأثيرها على حركة الملاحة بالقناة في ظل إعلان بعض الخطوط الملاحية عن تحويل رحلاتها بشكل مؤقت إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
لكن طارق حلمي، الخبير الاقتصادي والعضو المنتدب لبنك المصرف المتحد سابقًا، يكتفي بالتأكيد على أن التهديد محدود، قائلًا: "إيرادات القناة متوقع ان تصل لـ 10 مليارات و300 مليون، بزيادة حوالي 900 مليون عن العام الماضي".
وأضاف حلمي: "عدد السفن للشركات التي أعلنت توقفها عن العبور لا يتعدى 55 سفينة من أصل 2128 سفينة.. التهويل الغربي من أنشطة الحوثيين طبيعي في ظل موقف مصر من موضوع تهجير الفلسطينيين".
ويرى الربان منتصر السكري، رئيس المركز العربي للتحكيم البحري، أن قناة السويس لن تتأثر بأنشطة الحوثيين، إلا من ناحية تأخير تحصيل الإيرادات بعد حل مشكلة البحر الأحمر، بجانب تكلفة شركات التأمين على السفن، والتأثير سيكون لحظيًا، ثم تعود الأمور لطبيعتها.
بينما يخالفهم الرأي الفريق مهاب مميش مستشار رئيس الجمهورية للموانيء ورئيس هيئة قناة السويس السابق، الذي أكد -في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب برنامجه الحكاية- أن أي متغير يحدث في باب المندب يأثر سلبًا على الممر الملاحي المصري.
وقال مميش إن قناة السويس هي المصدر الرئيسي للعملة الصعبة للاقتصاد المصري ولابد من المحافظة عليها. بينما طالب بضرورة توفير قوة تأمين مصرية علي أن تتمركز بمحاذاة أحدي الدول الصديقة بهدف مصاحبة قوافل السفن المتجهة إلى قناة السويس والمارة بمضيق باب المندب.
كما أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، في وقت مبكر اليوم الثلاثاء، عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر في أعقاب هجمات شنها الحوثيون على سفن متجهة إلى إسرائيل.
وقال أوستن -في بيان خلال زيارته البحرين التي تضم مقر الأسطول السادس الأميركي- إن الدول المشاركة في القوة هي بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، مضيفًا أنها ستنفذ دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن ضمن ما أطق عليها عملية “حارس الازدهار”.
وتابع الوزير الأميركي أن القوة الجديدة تهدف إلى ضمان حرية الملاحة وتعزيز الأمن الإقليمي. واعتبر أوستن أن ما وصفه بتصعيد الحوثيين يهدد التدفق الحر للتجارة وينتهك القانون الدولي.