استيقظ النظام المصري الحالي في 7 أكتوبر الماضي وهو لا يحظى بشعبية ملحوظة متضررًا بانهيار اقتصادي بطيء وقبضة أمنية لا تزال قوية تسعى لتمهيد مسار الانتخابات الرئاسية. ثم حلت الحرب على غزة في الأسابيع التالية محل المخاوف المالية، باعتبارها العنصر الأول في أذهان العديد من المصريين الآن. وقد سلطت هذه الحرب بالنسبة للشركاء الغربيين والداعمين الخليجيين، الضوء أيضًا على دور مصر الحيوي كقناة للمساعدات الإنسانية إلى غزة ووسيط بين إسرائيل وحماس. وهو أمر مهد الطريق أمام الرئيس الحالي لتجاوز انتكاسته الراهنة، وسمحت له بوضع نفسه كبطل للقضية الفلسطينية في الداخل، وزعيم إقليمي لا غنى عنه في الخارج.
هكذا وصفت فيفيان يي مديرة مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" بالقاهرة الوضع في مصر، بتقرير نشرته الصحفية الأمريكية عن الحرب التي دعمت موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل الانتخابات، التي تتوقع محررة "نيويورك تايمز" أن تؤدي -في ظل منافسة سهلة أمام ثلاث مرشحين غير ذي شعبية- إلى ولاية أخرى للسيسي مدتها ست سنوات.
ومع ذلك، فإنها ترى أن الرئيس الحالي بحاجة للتحرك بـ"حذر"، إذ لا تزال الأزمة الاقتصادية تستنزف الأسر والشركات ومالية البلاد. فبغزة أو من غيرها، من المتوقع أن تخفض مصر قيمة عملتها بعد الانتخابات، ما ينذر بمزيد من الألم لشعبها.
اقرأ أيضًا: استمرار السيسي في مقابل فتح المجال العام.. أسئلة مشروعة
ومع ارتفاع الدعم الشعبي للفلسطينيين، فإن المصريين متيقظون لأي علامة على أن حكومتهم قد تكون متواطئة في المعاناة في غزة، سواء من خلال الموافقة على القيود الإسرائيلية على المساعدات المتدفقة من مصر إلى القطاع أو مقترحات نقل سكان غزة إلى مصر مقابل المساعدات - وهي فكرة تلقى معارضة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم العربي.
علاقة النظام بإسرائيل واختبار غزة
"الحكومة بالتأكيد لا تريد اختبار صبر الشعب المصري. ليس عندما يتعلق الأمر بفلسطين"؛ يقول هشام سلام، باحث في السياسة العربية في مركز ستانفورد للديمقراطية والتنمية وسيادة القانون.
مثل الكثيرين في القاهرة هذه الأيام، قالت آية خليل (34 عامًا)، وهي معلمة فنون خاصة، إنها لم تعد تشتري أي شيء قبل التحقق من مصدره مقابل قوائم على الإنترنت للعلامات التجارية الغربية المدرجة في القائمة السوداء لدعمها لإسرائيل.
وتضيف: "إن مقاطعتي لهذه العلامات التجارية هي مجرد قطرة في محيط، لكنني أفعل الشيء الوحيد الذي يمكنني القيام به".
"آية" مثل العديد من المصريين الآخرين، تساءلت عما إذا كانت الحكومة تفعل ما يكفي لضخ المساعدات إلى غزة.
وبينما تلقي مصر باللوم على إسرائيل في الحد من المساعدات. فإن الدعوات لإنهاء الحصار الإسرائيلي المصري المشترك المفروض منذ 16 عامًا على غزة، ومطالبة مصر بالتوقف عن إعطاء إسرائيل أي رأي بشأن المعبر الحدودي المصري مع غزة تتزايد في الأسابيع الأخيرة، كما تقول محررة "نيويورك تايمز"، وإن كانت مصر لا تستطيع أن تتحمل تبعات تنفير إسرائيل، التي طورت معها شراكة أمنية قوية، وإن كانت صامتة، في شبه جزيرة سيناء، أو إثارة غضب الداعمين الغربيين، وخاصة عندما تحتاج إلى كل الدعم المالي الذي يمكنها الحصول عليه.
النظام واختبار الوضع الاقتصادي
يشعر الكثير من المصريين باليأس من الصورة الاقتصادية المتردية ويقترضون شهرًا بعد شهر فقط لدفع ثمن الأساسيات. وقد تضاعف سعر السكر مؤخرًا في بعض الأماكن. ومن المتوقع أن يزداد التضخم، الذي يتجاوز بالفعل 35 في المائة سنويًا.
"بفعل هذا الوضع قبل هجوم حماس على إسرائيل، كانت الفرصة سانحة أمام السياسي أحمد الطنطاوي، لجذب الدعم في جميع أنحاء مصر بانتقادات للرئيس، لم يجرؤ سوى عدد قليل من المصريين على التعبير عنها منذ أن بدأ التضييق على المعارضة في السنوات الأخيرة"؛ كما تقول محررة "نيويورك تايمز".
وفي الخارج أيضًا، نفد صبر صندوق النقد الدولي والمتبرعين الخليجيين الأسخياء في انتظار أن تفي مصر بوعودها بالإصلاح الاقتصادي، ولم تستطع أي آلة حاسبة أن تحدد كيف ستتجنب البلاد التخلف عن سداد ديونها الخارجية البالغة 165 مليار دولار.
كما كانت واشنطن في حالة غضب بسبب اتهامات بأن مصر قدمت رشوة لأحد كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي مقابل خدمات رسمية ومعلومات حساسة، ما تسبب في منع الكونجرس من تقديم 235 مليون دولار إضافية من المساعدات العسكرية لحكومة مصر.
ومع ذلك، وفي غضون أيام من الهجوم الإسرائيلي على غزة، بدا أن تذبذب النظام المصري قد استقر.
الحرب فرصة والانتخابات محسومة
"كل حرب تأتي هي فرصة جيدة لهذا النظام. يتذرع بها ويربطها بالأزمة الاقتصادية"؛ تنقل محررة "نيويورك تايمز" عن صلاح علي، وهو مهندس من مدينة أسوان الجنوبية، والذي يضيف أن نتيجة الانتخابات الحالية محددة مسبقًا، على الرغم من تأكيدات رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، بأن التصويت يظهر أن مصر تسير على "طريق جاد نحو التعددية السياسية الحقيقية".
يقول محللون إن مصر تتلكأ في الوفاء بشروط خطة الإنقاذ التي تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار، وتم الاتفاق عليها العام الماضي. لكن مديرة الصندوق، كريستالينا جورجيفا، قالت إن صندوق النقد الدولي "من المرجح جدًا" أن يعزز مبلغ القرض على أي حال في ضوء الحرب.
وبالمثل، فإن الاتحاد الأوروبي، خوفًا من أزمة هجرة أخرى، يسرع نحو 10 مليارات دولار من التمويل لمصر.
ووجد النشطاء المعارضون وأنصار السيسي أنفسهم في لحظة نادرة من الوحدة، حيث أدانوا الحصار الإسرائيلي وقصف غزة ورفضوا فكرة إجبار سكان غزة على دخول شبه جزيرة سيناء المصرية، المتاخمة للقطاع.
وهو ما فهمه النظام المصري سريعًا، كما تقول محررة "نيويورك تايمز"، التي تنقل عن الرئيس المصري تصريحه في 18 أكتوبر الماضي، حين قال: "الهدف من الحصار الخانق على القطاع، من قطع المياه والكهرباء ومنع دخول المساعدات، دفع الفلسطينيين نحو مصر" الأمر الذي رفضته القاهرة رسميًا وفي عدة مناسبات.
ربط القضية الفلسطينية بالنظام
لكن السيسي كان يستغل بشكل استراتيجي غضب المصريين وحزنهم على الحرب، كما تنقل محررة "نيويورك تايمز" عن المحللين والدبلوماسيين.
ففي 20 أكتوبر، نظمت جماعات مقربة من الحكومة يومًا من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في أنحاء البلاد، قالت الحكومة إنها اجتذبت مئات الآلاف من الأشخاص، حيث تمت تغطية المسيرات على نطاق واسع في وسائل الإعلام الحكومية، وتم تزيينها بلافتات تضمنت صورة السيسي إلى جانب صور المسجد الأقصى في القدس، في محاولة لربط القضية بشخصه.
"بدون السيسي، سيكون محكومًا علينا بالفشل"، هكذا تؤمن رضا سعد، 42 عامًا، وهي موظفة في شركة الغاز المملوكة للدولة في مصر، والتي أحضرت أطفالها الأربعة إلى أحد التجمعات، عندما سُئلت عن كيفية تقييمها لتعامله مع الأزمة.
وقالت إنها "لا تزال غاضبة" من الانهيار الاقتصادي في مصر لكنها وضعت ذلك جانبًا في مواجهة معاناة غزة".
ومع ذلك، تلفت محررة "نيويورك تايمز" إلى عشرات الأشخاص الذين اعتقلوا في مسيرات منفصلة في نفس اليوم الذي ردد فيه المتظاهرون شعارات مناهضة للنظام، ما يوضح أن محاولات الحكومة لتوجيه المشاعر المؤيدة للفلسطينيين تخاطر بإثارة السخط الداخلي.

فيفيان يي هي مديرة مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" بالقاهرة، وتغطي السياسة والمجتمع والثقافة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كانت تقيم سابقًا في بيروت بلبنان. وفي السابق، كتبت عن الهجرة في الولايات المتحدة خلال إدارة ترامب. وقبل ذلك، قدمت تقارير عن سياسة نيويورك ومدينة نيويورك لمدة خمس سنوات.