متى تنتهي أزمة "ما فيش دولار"؟

تصاعد الحديث مجددًا عن سعر الدولار أمام الجنيه المصري، مع تراجعه في السوق السوداء، بنسبة 12%، خلال ثلاثة أيام فقط. الأمر الذي أرجعه البعض إلى حصار البنك المركزي للسوق بقرارات غير مسبوقة، وسلسة تصريحات حكومية تُطمئن المتعاملين وتعد بانتهاء وشيك لأزمة العملة الصعبة. في وقت لا يزال يشكك البعض الآخر في حل نهائي للأزمة، وإن اعترفوا بالتراجع النسبي.

"ش. م" تاجر الذهب، أحد هؤلاء الذين لمسوا تراجع الدولار من مستوى 52 جنيهًا وسط الأسبوع إلى 46 جنيهًا، أمس الأحد، وهو يتحدث عن السوق السوداء، ويقول في حديثه لـ"فكر تاني": "فيه حالة ترقب في السوق.. فيه قطاع من المضاربين الصغار بدأوا التخلص من الدولار وتوجهوا للذهب".

معروف أن تجار الذهب هم أحد أركان السوق السوداء بمصر ومن القوى المحركة للتداول بها، والكثير منهم يقوم بتغيير الذهب لذوي المصريين بالخارج بسعر الدولار بالسوق السوداء خاصة في المحافظات الريفية. لكن "ش. م" يرى أن حديث الحكومة عن حل أزمة الدولار خفض الطلب على الذهب. يضيف: "الناس لأول مرة بتفاصل في السعر.. وفيه شركات خايفة من إجراءات البنك المركزي ومنعها من النشاط.. احنا حاسين في الفترة الأخيرة بتغير في توفير الدولار للمستوردين رسمًيا".

هناك ارتباط وثيق بين سوق الذهب في مصر والسوق السوداء للدولار
هناك ارتباط وثيق بين سوق الذهب في مصر والسوق السوداء للدولار

خلال جولته التفقدية بمصانع مدينة العاشر من رمضان قبل أسبوعين، أكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أن "أزمة الدولار عابرة وستنتهي في فترة بسيطة جدًا.. الأهم الدرس الذي تعلمناه.. لابد كدولة نملك مقدرات إنتاجنا ومنتجاتنا بأكبر قدر ممكن".

وأعاد مدبولي مجددًا التطرق للفكرة ذاتها، في بيان صحفي منتصف الأسبوع، قال فيه: "الشغل الشاغل للحكومة في الملف الاقتصادي هو الوصول لسعر موحد للدولار على المدى القصير، ويتم العمل على ذلك بقوة"، دون أن يحدد ذلك بمزيد من التفاصيل.

وأكد المستشار سامح الخشن، المتحدث باسم مجلس الوزراء، على ذلك أيضًا. قال: "أزمة الدولار إلى زوال وستنتهي قريبًا. خطة الحل التي تسعى لها الحكومة ستقضي على الأزمة من جذورها ومن خلال العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع المكون المحلي، والاستمرار ببرنامج الطروحات".

اقرأ أيضًا: "هات شاي وخد أي حاجة تانية".. الدولار يدفع مصر إلى عصر المقايضة

بريكس والتبادل والدولار

لا يرى الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، التصريحات الرسمية عن حل وشيك لأزمة الدولار بمعزل عن انضمام مصر لتحالف البريكس في يناير المقبل. يقول: "الانضمام سيسمح لمصر بالتعامل مع دول التحالف بالعملات المحلية في حدود حجم التبادل التجاري معها، ما يقلل ضغط الطلب علي الدولار".

عبد المنعم السيد
عبد المنعم السيد

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين 18 مليار دولار خلال عام 2022، فيما قفز حجم الاستثمارات الصينية بمصر إلى 8 مليارات دولار من خلال 2066 شركة ذات مساهمة صينية.

كما ارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر والهند إلى 6 مليارات دولار خلال 2022 مقابل 5.3 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 13.7%.

وصعد حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا إلى 4.7 مليار دولار خلال 2022 مقابل 4.1 مليار دولار خلال 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 16.2%، وكذلك حجم التبادل التجاري بين مصر والبرازيل ليسجل 3.4 مليار دولار مقابل 2.5 مليار دولار خلال الفترة المقارنة ذاتها بحسب "التعبئة والإحصاء".

يضيف السيد: "سعر الدولار سيتراجع نسبيًا في يناير المقبل مع دخول مصر رسميًا مجموعة البريكس وزيادة حجم الصادرات.. خاصة مع تحقيق المستهدف بتصدير منتجات بقيمة 100 مليار دولار سنويًا".

وأبرمت مصر والإمارات اتفاقية لتبادل السلع والبضائع بالعملة المحلية لكل منها بنحو خمسة مليارات درهم إماراتي و42 مليار جنيه مصري وفقًا لسعر الصرف السائد في وقت محدد.

ويعني التبادل بين مصر والإمارات أنها ضمنت بموجب الاتفاقية الأخيرة، الحصول على خمسة مليارات درهم إماراتي، حتى لو انخفضت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار مرة أخرى.

البنك المركزي يضغط على "السوداء"

يرجع متعاملون في السوق الهبوط الأخير إلى قرارات البنك المركزي للضغط بها على السوق السوداء بقوة. كان من أهم هذه القرارات -وفق وجهة نظرهم- تهديد الشركات التي تتعامل مع السوق السوداء بتجميد جميع حساباتها البنكية.

هنا، يوضح مسؤول مصرفي، تحدث لـ"فكر تاني" شارطًا عدم ذكر اسمه، أن البنك المركزي رصد قيام بعض الشركات بالتلاعب عبر بيع منتجها في السوق المحلية بالعملة الصعبة.

يقول: "فيه شركات تبيع للمواطن المصري بالدولار وتغيره في السوق السوداء وتطلب تاني دولار من البنوك عشان مستلزمات الإنتاج.. الشركات دي بتساعد السوق السوداء وتضغط على سعر الصرف وده سبب صدور قرارات بتأخير تحويلات حساباتها للخارج بالدولار كخطوة أولى، وفرض غرامات مالية عليها للتعامل بالسوق المحلي بالدولار، وأخيرًا تعطيل بعض حسابات الشركات التي تتعامل بالدولار في السوق المحلي".

يضيف المسؤول المصرفي أيضًا أن البنك المركزي لديه حاليًا أريحية بعد تجديد الودائع الخليجية، مشيرًا إلى أن الدولار سيصل لسعره العادل قريبًا، خاصة مع ربط الجنيه بسلة من العملات مثل الدولار واليورو والين الياباني إلى جانب الذهب، وهو يستغرب ربط الجنيه بالدولار مع حقيقة أن مصر ليست دولة مصدرة للبترول ليبرر هذا الربط.

وجددت دولة الإمارات وديعة بقيمة مليار دولار لدى البنك المركزي المصري، لمدة 3 سنوات قادمة (حتى يوليو 2026). كما تم تجديد أجل وديعة كويتية بقيمة 2 مليار دولار لمدة عام تنتهي في أبريل 2024.

اقرأ أيضاً: ما الذي يقلق المصريين من ماكينات صرف سبائك الذهب؟

متى تنتهي أزمة الدولار نهائيًا؟

تقول سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقًا والعضو المنتدب لصناديق ائتمان الاستثمار في شركة يونيون كابيتال إن "السوق السوداء هتنتهي نهائيًا لما يتم زيادة تدفقات النقد الأجنبي وترجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج لمستوياتها الطبيعية وإلى البنوك والقنوات الشرعية في البنوك والصرافات".

سهر الدماطي
سهر الدماطي

وبحسب بيانات البنك المركزي، تراجعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال العام المالي 2022-2023 المنتهي في يونيو الماضي بنسبة 30.8% لتبلغ 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في العام المالي السابق.

تضيف الدماطي: "السوق السوداء هتنتهي لما يتم القضاء على قوايم انتظار طلبات التمويل في البنوك اللي مقدمها المستوردين والشركات.. لكن تراجع الدولار بالسوق السوداء دلوقتي أمر إيجابي وسببه تصريحات الحكومية عن قرب انتهاء الأزمة ووجود تدفقات نقد أجنبي".

تعديلات تشريعية جديدة تستهدف الدولرة

ودخلت وزارة المالية على الخط بإضافة مادة جديدة إلى اللائحة التنفيذية لقانون الإجراءات الضريبية الموحد تقضي بأنه حال سداد قيمة أي سلعة أو خدمة بالعملة الأجنبية يتم أيضًا سداد ضريبة القيمة المضافة بالعملة الأجنبية بمصر.

وقال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، إن قرار تحصيل ضريبة القيمة المضافة يسري على السلع والخدمات التي يُدفع ثمنها أو مقابلها بالعملة الأجنبية للجهات المرخص لها بالتعامل بهذه مثل الخدمات السياحية للأجانب ويتم خصم قيمة الضريبة المسددة على المشتريات من قيمة الضريبة المحصلة بالعملة الأجنبية.

وأضاف الوزير أنه يجوز أداء الضريبة بالجنيه المصري متى قدم المكلف بتحصيل الضريبة ما يفيد أنه قام بالتنازل عن مبلغ بالعملة الأجنبية يساوي أو يزيد على مبلغ الضريبة خلال الشهر التالي لتحقق الإيراد لأحد البنوك المسجلة لدى البنك المركزي.

حنان رمسيس
حنان رمسيس

بينما تشير حنان رمسيس، رئيس قسم التحليل المالي بشركة الحرية لتداول الأوراق المالية، إلى بقاء السوق السوداء على نشاطها طالما بقيت المفاوضات بين مصر وصندوق النقد، خاصة وأن الصندوق طلب تحريك الدولار أكتر من مرة، وسيطلب المزيد.

ومع ذلك، فإن "رمسيس" تلفت إلى الإجراءات التي اتبعتها وزارة المالية فيما يتعلق بالضريبة وضخ البنك المركزي 2 مليار دولار بالسوق باعتبارها "كلمة السر" في انخفاض الدولار بالسوق السوداء حاليًا، فضلًا عن الضبطيات الضخمة لتجار في العملة أخيرًا.

وشنت الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة ضبطبات كبيرة أخيرًا، منها القبض على مديري شركة توريدات، يتاجران بالنقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفي بأرباح من فارق السعر وصلت 12 مليون جنيه.

وهو ما تعلق عليه "رمسيس"، فتقول: "المفروض يكون فيه مراقبة للسوق للسوداء وتجفيف منابعها.. يجب رفع العقوبة إلى جريمة الإرهاب.. فالتجار بيتاجروا  في كل شيء وأصبح مبدأهم حاليا في كل السلع ومنها الدولار تعطيش السوق واقتناص الفرص على حساب الشعب".

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة