‏ما الذي يمنع مصر من دور أكبر في غزة؟‏

في وقت سابق من هذا الشهر، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رفض اقتراحًا، ناقشه مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز، بأن تشرف مصر على الأمن في قطاع غزة بعد هزيمة حماس، حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تولي السلطة. وهو الرفض الذي لا يُعتبر مفاجئًا، كما يقول ، الناشط المصري والباحث في مركز آش للحكم الديمقراطي والابتكار في كلية جون كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد.

يقول "الغزالي"، في تحليله المنشور بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إنه على الرغم من أن مصر لديها رهانات كبيرة في تأمين حدودها مع غزة ومنع أي تسلل من قبل عناصر حركة "حماس"، إلا أن الديناميات الداخلية المصرية تحد من خياراتها، وتحد من مشاركتها في أي ترتيب مستقبلي.

كيف ترى واشنطن الوضع بعد الحرب؟

في مقال افتتاحي نُشر منتصف نوفمبر، أوضح الرئيس الأمريكي جو بايدن أن السياسة الأمريكية الحالية تهدف إلى إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في نهاية المطاف في ظل نسخة معدلة من السلطة الفلسطينية. وإلى أن يحدث ذلك، من المرجح أن تكون هناك حاجة إلى هيئة إدارية مؤقتة لتولي زمام الأمور في غزة، كما يقول "الغزالي"، الذي يشير إلى رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أن تحتفظ إسرائيل بالمسؤولية عن أمن غزة، على الرغم من الرفض الأمريكي، لتخاطر بجر المنطقة إلى حرب طويلة الأمد.

اقرأ أيضًا: عالقون في غزة.. آلاف المصريين يستغيثون: أعيدونا من الجحيم

معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة
معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة

في الوقت نفسه، تتوقف جدوى تولي تحالف عربي السيطرة المؤقتة على غزة على الاستقرار الداخلي في مصر.

أولئك الذين يحاولون إقناع القاهرة بالمشاركة في مثل هذه المهمة الصعبة من خلال تقديم حزم المساعدات أو حتى تخفيف عبء الديون يسيئون فهم العوامل الأساسية التي توجه عملية صنع القرار في مصر، وفق "الغزالي" في تحليله، وذلك لعدة عوامل:

طبيعة الجيش في مصر

يقول شادي الغزالي إن الأولوية القصوى للجيش المصري هي تماسكه المؤسسي. وسوف يضحي بأي شيء وأي شخص للحفاظ على هذه الوحدة، كما فعل عندما سحب دعمه للرئيس السابق حسني مبارك في أعقاب ثورة يناير 2011.

وبالتالي، تعتبر المؤسسة العسكرية تماسكها سمة أساسية لاستقرارها وقوتها، ولن تخاطر بتعريض ذلك للخطر من خلال الشروع في أجندة لا تحظى بشعبية. كان هذا أكثر وضوحًا في قرار الامتناع عن الانخراط في الحروب في اليمن أو ليبيا، حيث كان أقرب حلفاء مصر في المنطقة، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في أمس الحاجة إلى جيشها.

وكما كتب كاتب العمود في مجلة فورين بوليسي ستيفن كوك، فإن الجيش المصري ليس مثل نظيره السوري.

في سوريا، تشكل طائفة واحدة (العلويون) - التي يشكل أعضاؤها جزءًا صغيرًا من السكان - النخبة الحاكمة وتسيطر على جميع المناصب الحساسة في جيش البلاد. وعلى هذا النحو، لم يكن لدى الجيش سوى القليل من الهواجس من حمل السلاح ضد الشعب السوري للدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد.

في المقابل، الجيش المصري غير طائفي ويعكس، إلى حد كبير، نسيجًا مجتمعيًا متنوعًا. وبالتالي، لا يمكن أن يتباعد كثيرًا عن الإجماع العام، أو أن يخاطر بالتصدع.

شعبية القضية في مصر

بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، ارتفعت شعبية القضية الفلسطينية في مصر، إلى جانب العديد من البلدان الأخرى في العالم العربي والإسلامي. ولم يؤد ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين وصور الدمار الناجمة عن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة إلا إلى تأجيج المشاعر الشعبية في هذه البلدان ضد إسرائيل وداعميها، ودعمًا للفلسطينيين وكفاحهم لمقاومة الاحتلال.

مظاهرات داعمة للفلسطينيين في مصر
مظاهرات داعمة للفلسطينيين في مصر

هذا التصور واسع النطاق لن يختفي في أي وقت قريب، كما يتضح من الاحتجاجات التي تجتاح تلك البلدان، بما في ذلك مصر. إن مقتل سائحين إسرائيليين في مصر على يد ضابط شرطة هو علامة أخرى على كيفية اختراق هذا الشعور لطبقات كثيرة من السكان، كما يرى "الغزالي".

ومع وجود الرأي العام المعادي جدًا لإسرائيل، لن يكون لدى الجيش المصري شهية كبيرة للمشاركة في مهمة أمنية في غزة تنطوي على التعاون المباشر مع إسرائيل للقضاء على أي جيوب باقية لمقاومة حماس.

وقد تصاعدت الانتقادات العلنية بالفعل في مواجهة التعاون القائم للجيش المصري في إحكام السيطرة على معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة وعدم كفاية المساعدات الإنسانية لسكان القطاع.

إن إنكار النظام المصري لمثل هذا التعاون -وفق ما يقوله "الغزالي"- لم يلق استحسانًا لدى الجمهور الغاضب. وبما أن القاهرة تفشل حاليًا في إقناع جمهورها بإجراءاتها الأمنية على المعبر، لا يسع المرء إلا أن يتخيل تداعيات أن ينظر إلى ضابط مصري على أنه ضابط شرطة إسرائيلي في غزة.

الوضع الداخلي في مصر

يشرح شادي الغزالي، في تحليله بـ"فورين بوليسي"، كيف كان الاستياء العام في مصر يختمر حتى قبل 7 أكتوبر، وهو يرى أن الصراع في غزة لم يؤد إلا إلى دفع هذا الاستياء إلى أقصى حد. ومن المرجح أن يؤدي الإحباط من مواجهة انتخابات رئاسية غير حقيقية أخرى في ديسمبر إلى مزيد من عدم القدرة على التنبؤ وعدم اليقين في مستقبل مصر القريب. وسوف يخضع الاقتصاد أيضًا لتغييرات: فبعد فترة وجيزة من الانتخابات، سوف يختبر خفض كبير آخر لقيمة العملة، في ظل شروط فرضها صندوق النقد الدولي، مدى التسامح الشعبي مع القيادة السياسية في مصر.

اقرأ أيضًا: الحرب في غزة.. تهديد جديد يواجه الاقتصاد المصري المأزوم

كذلك، فإنه من المرجح ألا تستنتج القاهرة أن تخفيف عبء الديون هو وسيلة لاسترضاء المصريين والتأثير على الرأي العام في هذا المنحنى. بالنظر إلى إدراك المصريين لحقيقة أن الوضع الراهن هو نتيجة سياسات النظام والمشروعات العملاقة من دون إنشاء شبكة أمان اجتماعي توفر الحماية الكافية أولا.

وفي حين تقوم القاهرة بتقييم كيفية الاستجابة لاحتياجاتها الأمنية في أعقاب أزمة غزة، فإنها تضع نصب عينيها أيضًا جماعة الإخوان المسلمين، الخصم اللدود للنظام المصري، التي تنتظر في ترقب استعادة مكانتها على الساحة السياسية.

وعلى الرغم من أن الدعم الشعبي المصري لـ"حماس" لا يقتصر على الحشود ذات الميول الإسلامية، إلا أن وجود جماعة "الإخوان" وأهميتها قد برزت بسبب التطورات الأخيرة. إذ تحافظ الجماعة على حضور إعلامي قوي من خلال قنواتها التلفزيونية المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي عززتها حقيقة أن الدولة تسيطر على جميع وسائل الإعلام الأخرى في الداخل.

إذا وجه النظام الحالي الجيش للمشاركة في ترتيب أمني يؤدي إلى صدام مع حماس، فلن يضيع الإخوان الفرصة لزعزعة استقرار نظام هش بالفعل.

دور مصر في الوساطات

يقول شادي الغزالي إن دور مصر المتضائل في التوسط في الصفقات يشغله دور قطري متوسع، كما يتضح من الهدنة الأخيرة وصفقة تبادل الرهائن، على عكس الدور الكبير الذي لعبته مصر في صفقة تبادل الأسرى التي ضمنت إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2011.

وفي الوقت نفسه، وبسبب الضربات المتكررة للحكومة المصرية الحالية، أصبحت جماعة الإخوان المشوشة والمنعزلة أقل نفوذًا على الجناح السياسي لحركة حماس، ما خلق فراغًا تدخلت إيران بسعادة لملئه. وسيثبت هذا النفوذ الإيراني المتزايد على "حماس" أنه عقبة كبيرة أخرى أمام استقرار أي ترتيب مؤقت في غزة، وهي عقبة لن يكون لدى مصر قدرة تذكر على مواجهتها.

كل هذه العوامل السياسية والاقتصادية والإقليمية قللت إلى حد كبير من قدرة مصر على أن تكون مركزًا فعالًا للقوة للتأثير على الجهات الفاعلة في هذا الصراع. وبدلًا من ذلك، سيعطي الأولوية للسلامة الإقليمية ومنع الانتهاكات الأمنية.

كيف تستعيد مصر دورها؟

وهنا ومع هذه المعطيات، إذا لم يأخذ صانعو السياسات الدوليون هذه العوامل في الاعتبار، فلن تكون مصر شريكًا دائمًا في ترتيبات حفظ السلام بعد الحرب.

ولحل هذه الأزمة يجب تخفيف الوضع الاقتصادي في مصر مؤقتًا من خلال حزم المساعدات أو تخفيف عبء الديون.

إن عدم الاستقرار السياسي المتأصل في البلاد، والذي يتفاقم بسبب الافتقار إلى الحكم السليم والأمل في التغيير في المستقبل المنظور، سوف يلغي الفوائد المتوقعة من المساعدة الاقتصادية. ولن يضمن الاستقرار الداخلي أو قدرة الجيش على بسط ولايته خارج حدوده.

ستكون المخاطر كبيرة جدًا بالنسبة للجيش، وبالتالي بالنسبة لجميع اللاعبين الآخرين في المنطقة. إن مصر الهشة لن تكون قادرة على لعب دورها كقوة استقرار رئيسية في الشرق الأوسط. ولن يترك سوى فراغ ستحاول القوى الإقليمية الأقوى ملؤه.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة