هل تمثل الصهيونية امتدادًا للنازية؟

كثيرا ما يصف المدافعون عن القضية الفلسطينية "الصهيونية" بأنها "نازية" على سبيل التحقير أو التهكم، ولكن الحقيقة أن الأمر يتجاوز بكثير السباب أو المبالغة السياسية. فالصهيونية ليست مجرد عقيدة عنصرية تدعي تفوق الشعب اليهودي الإسرائيلي على غيره مثلما كانت عقيدة النازي تدعي تفوق الشعب الألماني الآري على غيره، ولكن الأمر أكثر تعقيدًا، وبساطة في نفس الوقت، من ذلك. ودعني أشرح لك.

نشأت النازية على أنقاض ألمانيا المهزومة المنكسرة المنهارة اقتصاديًا في الحرب العالمية الأولى، فلولا الهزيمة المؤلمة التي تجرعها الشعب الألماني، رغم اعتقاد الألمان الراسخ أنهم لم ينهزموا عسكريًا، والتي تسببت في رجوع الآلاف من الشباب الألماني من جبهات القتال مصابين ومرضى وفاقدي القدرة على العمل، ولولا انتشار الفقر واليأس والفوضى في شوارع ألمانيا، لولا كل ذلك لما كان من الممكن أن يصاب الشعب الألماني بمرض النازية.

فالنازية التي بدأت كأيديولوجية قومية اشتراكية عابرة للطبقات سرعان ما تحولت للوثة عقلية أصابت بعض من النخبة الألمانية في البداية ثم انتشرت بين الشعب انتشار النار في الهشيم. وكان انتشارها سعيا لتعويض الهزيمة وتحويل الأمة التي كانت على وشك الانقسام والتفكك إلى أمة رهيبة لا يضاهي جيشها جيش آخر ولا يماثل انضباطها وإخلاص جنودها لقائدهم انضباط وإخلاص أي جيش آخر.

بنيت النازية على الإخلاص والانقياد التام للمرشد الأعلى للدولة الألمانية "ادولف هتلر" ظنا من الألمان أن سبب هزيمتهم هو الخيانة والخديعة. وبنى ذلك الإخلاص على الرغبة المستعرة في التعويض النفسي عن الاذلال الذي واجهه الشعب الألماني، والذي كان ينظر لنفسه على أنه أقوى وأرقى شعوب العالم، واستطاع هتلر وحزبه ببراعة توجيه نار الحقد المقدسة تلك نحو اليهود بوصفهم الخونة والمخادعين الذين تسببوا في هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.

فما الذي بنيت عليه الصهيونية؟ بنيت الصهيونية (وأقصد بذلك كأيديولوجية حاكمة يقاتل ويُقتل الكثيرون من أجلها وليست كفكرة مجردة) على ما انتهت اليه النازية، فقد أقام النازيون في الأراضي التي حكموها الآلاف من معسكرات الاعتقال التي قتل وعذب فيها ملايين من الأبرياء، منهم عدد لا يمكن الاستهانة به أبدا من اليهود، يتراوح ما بين مليون بأقل التقديرات إلى ستة مليون على أعلى التقديرات، وبنيت على ذلك الحجة القائلة بضرورة انشاء دولة يهودية لمنع تكرار تلك الجريمة.

وهنا الأمر يتجاوز التشابه بين الأيديولوجيتين، فصحيح أنهما يتشابهان في منبع شرعية كل منهما حيث تبدأ السردية في كليهما من الهزيمة والعار والذل الذي كاد أن يتحول لدمار كامل لشعب متفوق، ثم يقوم ذلك الشعب بلم شتات نفسه ومواجهة العالم بمنتهى القوة والشراسة اللاإنسانية لاستعادة حقوقه المفقودة. لكن أيضا لم يكن للصهيونية أن تنجح في إنشاء كيانها على أرض الواقع لولا، مثلًا، مجموعة اللواء اليهودي التي تشكلت من يهود فلسطين وتدربت في مصر وشاركت في القتال في الجيش الإنجليزي ضد ألمانيا النازية في أواخر الحرب العالمية الثانية لتصبح بعد ذلك نواة للجيش الصهيوني الذي هزم الجيوش العربية في 1948. وهنا قد يرد أحد القراء بأن نشأة الصهيونية على أنقاض النازية لا يعني بالضرورة أنها امتداد لها، بل يمكن القول ان نجاح الصهيونية جاء كنتيجة عكسية للنازية.

ولكن هذا التفسير يغفل أن الحركة الصهيونية والحكومة النازية قد وقعتا اتفاقية الهعفراه في عام 1933 والتي لم يعلن عنها حتى عام 1960 والتي تسمح بموجبها السلطات الألمانية لليهود الألمان بالهجرة الى فلسطين بسلام مقابل ترك ممتلكاتهم للألمان. وهي الاتفاقية التي انتقدها الكثير من الحركات اليهودية حول العالم بسبب أنها جاءت كخيانة للموقف العالمي المضاد للفاشية والذي قرر في ذلك الوقت مقاطعة ألمانيا النازية بسبب معاداتها للسامية. وهذه الاتفاقية تشي، كما يقول الصحفي الصهيوني اليعازر ليفنه بأن انقاذ اليهود لم يكن هو الهدف من إقامة الدولة اليهودية بل كان الوسيلة لذلك.

بالتالي يمكن القول بأنه كان من أهداف الدولة النازية التخلص من اليهود بطردهم من أوروبا أو عزلهم بوضعهم في جيتوهات أو في معسكرات الاعتقال وقتلهم لاحقا وكان الهدف الأساسي للدولة الصهيونية هو جمع أولئك المطرودين والمعذبين في جيتو واحد كبير يدعى إسرائيل ليمارسوا الاضطهاد بأبشع صوره ضد ضحاياهم، ولم تختلف لا إنسانية النازية عن لا إنسانية الصهيونية، إلا في نقطتين، الأولى هي ضحايا الاضطهاد، اليهود في الحالة الأولى والعرب والفلسطينيين في الحالة الثانية، والثانية هي الادعاء المبالغ فيه للدولة الصهيونية بأنها دولة ديمقراطية، وهو ما ناقشناه في مقال سابق.

الخلاصة: لا يمكن إنكار التشابه بين الصورتين، الصورة الأولى لجندي إسرائيلي معاصر يمارس مهامه في الإبادة الجماعية للفلسطينيين والصورة الثانية، الأقدم، ليهودي عُين مسئولًا في أحد معسكرات الاعتقال النازية ليشارك بالتواطؤ في الإبادة الجماعية لليهود. فكليهما يرتدي النجمة السداسية كتمييز، فإذا بها وصمة عار تلاحقه للأبد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة