يستغرق الكتكوت الأبيض 45 يومًا حتى يصبح دجاجة يمكن بيعها، في رحلة قصيرة زمنيًا لكنها مليئة بالأعباء والتكاليف والقلق على المُربين وأصحاب المزارع، تحدد نهايتها السعر الذي سيصل به “اللحم الأبيض” إلى “حَلَة” المواطن.
يستعد أصحاب المزارع حاليًا للدورات الإنتاجية الشتوية التي تمثل عبئا ثقيلًا عليهم، فهي فترات تزيد فيها نسبة النفوق من أسراب الدجاج، وكذلك الأمراض المتوطنة كأنفلونزا الطيور، علاوة على ارتفاع أعباء التربية في ظل استخدام أنابيب البوتاجاز في العنابر من أجل التدفئة.
محمد موسى، عامل في مزرعة بالغربية يقول لـ”فكر تاني”: “دورات الشتا دايمًا فيها مشكلات عشان كده الأسعار بتزيد فيها، الكتكوت النهاردة عامل ما بين 30 و32 جنيه صحيح هو سعره نزل من أسبوع من 38 جنيه.. بس كان من سنتين اتنين بس بـ 10 جنيه للأنواع الكويسة واللي مش كويسة كانت بسعر 7 جنيه”.
توجد العديد من أنواع الطيور التي يمكن تربيتها بمصر، لكن أصحاب المزارع يفضلون الدجاج الأبيض لأنه الأسرع في النمو، وبالتالي الأسرع في البيع على عكس الأنواع البلدية التي تحتاج لوقت أطول.
يضيف محسن: “التكاليف زادت في معامل التفريخ والشركات.. البيضة بقت بـ 5 جنيه ونصف.. شوف بتحتاج كهرباء وحضانات وعمالة عشان تتحول لكتكوت.. دي كلها تكلفة عليهم”.
تفريخ الكتكوت.. صناعة معقدة
تختلف أسعار الكتاكيت، حاليًا، حسب النوع والشركة، فيبلغ سعر “الإربو” 28 جنيهًا في القاهرة للدواجن، بينما يبلغ سعر “كب” في الوطنية 28 جنيها و”الروص” في شركة الوادي 30 جنيهًا، و”آي ار”في شركة رواد النيل 32 جنيهًا.
يقول وائل محمد، صاحب معمل تفريخ، لـ”فكر تاني”: “بنعاني من نقص في مستلزمات الإنتاج اللي جاية من الخارج بسبب أزمة الدولار خصوصًا الأمصال والتحصينات.. والحاجات دي أساسية للتفريخ والكتاكيت من عمر يوم وحتى التوريد للمزرعة”.
اقرأ أيضًا: “العلف” وخروج المزارع “مضطرًا” من دورة الإنتاج.. عن أزمة توفير كوب اللبن
ويضيف “عمار”: “تخيل أن الكتكوت من اليوم الأول بيحتاج رش أى بى برايمر وحقن ترانسميون ونيوكاسل ميت، وبعدها بكام يوم حقن إنفلونزا الطيور وتقطير أفنيولتر، وفيه تحصينات وصل اللتر منها لـ 65 دولارًا”.
وفق “عمار”، “فيه ورش بير السلم استغلت غلاء الأسعار وبتملى وتضرب علب للأمصال المشهورة بحاجات مش أصلية وبتبيعها.. الناس بتشتريها والنتيجة أن فيه نسبة كبيرة من الطيور بتموت وصاحب المزرعة والمربي بيخسر كتير”.
تحتكر شركات الدواجن الكبرى إنتاج النوع الأفضل من الكتاكيت وهو “الكب”، الذي يتميز بتحويل غذائي مرتفع ونمو سريع للحم باستخدام علف أقل مع صلاحيته لفصل الشتاء، سريع في الترييش (ظهور الريش)، ما يعمل على تدفئة الطائر، فضلًا عن زيادة اللحم بمنطقة الصدر ما يجعله صالح لـ”البانيه” الأكثر طلبًا في السوق.
رحلة تحصينات الكتكوت
مع انتقال الكتكوت للمزرعة تبدأ موجة أخرى من التحصينات المستمرة بصورة أسبوعية ومضادات حيوية وتنظيف مستمر وعزل الطيور المصابة، من أجل الحفاظ عليها من التعرض للأمراض.
وفق محمد موسى عامل المزرعة، فإن “فترة الإنتاج في الشتا فيها تعب على العامل.. فيه مزارع بتشترط عليه إنه ما يخرجش طوال الفترة دي عشان ما ينقلش البرد للطيور وحتى الأكل بيجي لحد عنده”.
ويؤكد هذا أحمد الرفاعي، طبيب بيطري، يقول لـ”فكر تاني”: “الكتاكيت ممكن تتعدى من أول يوم في المزرعة لو ما تمش تطهيرها تطهير جيد وتنظيف المناطق المجاورة لها، فالفيروس من دورة الترية السابقة يظل عالقًا في الأرضية وعلى الجدران، ويبدأ الفيروس ينتشر واحدة واحدة في القطيع الجديد.. يبدأ بالأنسجة الليمفاوية فتتورم وفي 14 يوم بس يكون دخل جذور الريش.. ده غير الطفيليات والفطريات وغيرها”.
اختيار النوع المناسب ضرورة
يضيف “الرفاعي”: “أصحاب المزارع الصغيرة والناس اللي لسه بتبدأ النشاط وحتى بعض المزارع القديمة لا تراعي اختيار نوع الكتاكيت المناسب لمكان التربية مفتوح أم مغلق. كمان الوقت من السنة فيه أنواع أفضل في الشتاء مثل الكب لكنه ضعيف جدًا في الصيف، والعكس فيه نوع (إربو) جيد في الصيف وسيء في الشتاء لأن معدل ترييشه بطئ ومناعته أكبر في الصيف لكنها ضعيفة جدًا في الشتاء وهكذا”.
بحسب الخبراء البيطريين، فإن النوع الثالث هو “روص”، وهو مميز في فترات تغيير الفصول لأنه ذو “ترييش” متوسط ولحمه أعلى مع نسبة دهون أقل، بينما نوع “إفيان” مناسب للصيف لكنه ضعيف في ترسيب اللحم بمنطقة الصدر، أما “آي آر” فهو معدل وراثيًا وأحدث سلالات السوق، وعلى عكسه كان “هابرد” أقدم نوع في مصر مناسب للمزارع المفتوحة والصحراوية لكن معدل تحويله الغذائي بطئ.
4 كيلو علف للوصول لدجاجة 2 كيلو
يجمع أصحاب المزارع أن كل جرام من الدواجن البيضاء هي علف وتحصينات، فالكتكوت يأكل 4 كيلو علف لكي يصبح دجاجة تصلح للبيع لمحال جزارة الدواجن التي تبيعها للمواطن.
يقول عبد الفتاح حسن، صاحب مزرعة صغيرة لـ”فكر تاني”: “الكتكوت يباكل في أول 10 أيام حوالي نصف كيلو علف، وبداية من عمر نصف شهر يزيدوا حوالي 100 جرام أما عمر شهر فبياكل حوالي 2.5 كيلو علف، وفي الدورة كلها بياكل حوالي 4 كيلو علف”.
تعتمد المزارع على أكثر من نوع للأعلاف أولها علف بادي وسجل الطن منتصف نوفمبر 22500 جنيه، وعلف نامي 22200 جنيه للطن، وعلف ناهي 22100 جنيه للطن، وعلف بادي نامي 22000 جنيه للطن، وعلف بياض 14 بحوالي 19200 جنيه للطن، ولكل منها نسبة بروتينات ومغذيات تفيد الطيور في مرحلة عمرية بعينها.
تكلفة تغذية الكتكوت حتى البيع
يضيف عبد الفتاح: “كيلو العلف بحوالي 22 جنيه ونصف، يعني الكتكوت ياكل بحوالي 90 جنيه وتمنه 30 يعني بقى 120 جنيه ولسه ما حسبناش المصل والعمال والميه والكهربا وأنابيب البوتاجاز اللي الواحدة بتوصل المزرعة بـ 100 جنيه، يعني الفرخة الـ 2 كيلو بقت تكلفتها 120 جنيه يعني كل كيلو بيكلفنا 60 جنيه”.
اقرأ أيضًا: “بنحوش خضار بدل الفلوس”.. أزمة الأسعار تُغيب “طبق السلطة” عن موائد المصريين
تؤكد التقارير الرسمية أن مشكلة تربية الدواجن بمصر تتلخص في استخدام أصحاب مزارع الدواجن لأعلاف ذات نوعية رديئة غير مكتملة العناصر الغذائية اللازمة للنمو واختيار سلالات غير جيدة، علاوة على عدم الالتزام ببرامج التحصينات، والاعتماد على أنواع علف رخيصة لا تعطي الوزن المطلوب، وتتسبب في ضعف المناعة لدى الأفراخ الصغيرة.
وبحسب وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، تبلغ قيمة استثمارات صناعة الدواجن بمصر حوالي 100 مليار جنيه، وتنتج مصر 1٫4مليار طائر سنويًا و14 مليار بيضة، وتم تحقيق الاكتفاء الذاتي وهناك فائض للتصدير.
الدواجن.. صناعة ضخمة
ويبلغ إجمالي عدد المنشآت الداجنة في مصر حوالي 38 ألف منشأة، تشمل: مزارع – مصانع أعلاف – مجازر – منافذ بيع أدوية بيطرية ولقاحات. وترتكز أعداد المزارع في الدلتا، حيث تستحوذ محافظة الشرقية على العدد الأكبر من مزارع الدواجن بإجمالي 5800 مزرعة، تلتها محافظة القليوبية بإجمالي 2500 مزرعة، ثم البحيرة بـ 2200 مزرعة تليها الغربية بـ 2100 مزرعة.
لكن ذلك الرقم لا يتضمن المزارع العشوائية الصغيرة المنتشرة في المحافظات التي تتضمن متوسط يبلغ 5 آلاف كتكوت، ولا تطبق جميع معايير الأمان الحيوي، وتعتمد على التخلص من النافق لديها بالإلقاء في القنوات المائية أو بين أكوام القمامة القريبة فتنتقل الأمراض لها مجددًا.
وتشير التقديرات إلى أن 25% من حجم الإنتاج الداجني بمصر في الواقع نشاط منزلي، لا تطبق عليه اشتراطات صحية ويعتمد في التربية على بقايا الاستهلاك المنزلي من الطعام الذي يكون فاسدًا في أغلب الأحوال، ما يصيب الطيور بالأمراض.
يقول “عبد الفتاح” لـ”فكر تاني”: “صاحب المزرعة ما بيكسبش من التربية إلا القليل وساعات بتيجي شوطة تفشي مرض، تموت معها عدد كبير من الفراخ. المشكلة في محلات البيع هي اللي بترفع ساعات السعر ويتهموا أصحاب المزارع بأنهم السبب”.
تستحوذ محال البيع المباشر في الأسواق، على 85% من الإنتاج وتتعامل معه بالذبح المباشر أمام الزبون، بينما لا يصل للمجازر التي تطبق الاشتراطات الصحية سوى 15% فقط بسبب طبيعة الاستهلاك في مصر التي لا تقبل على الدواجن المجمدة.
ثقافة الطازج.. عقبة أمام انخفاض السعر
طالبت شعبة الدواجن في الغرفة التجارية بالجيزة، أكثر من مرة بتفعيل قانون 70 لسنة 2009 بحظر ذبح وتداول الدواجن حية، بهدف تقليل حلقات التداول والحلقات الوسيطة التي ترفع السعر على المستهلكين، وتوفير منتج للمستهلك بمواصفات ذات جودة عالية.
لكن ربات المنازل، ومنهن منى محفوظ تقول: “لازم أشوف الفرخة صاحية قدامي قبل ما أشتريها.. بنقيها وأخلي التاجر يدبحها قصادي.. ليه نشتري المجمد ما دام الطازة موجود.. وفرق السعر بينهم مش كبير”.
يضيف تاجر النقل من المزرعة لمحلات بيع الدواجن على سعر الكيلو 4 جنيهات للنقل، ومحل البيع المباشر يضيف من 8 إلى 10 جنيهات للكيلو، أي أن البيع النهائي للمستهلك يزيد على سعر المزرعة بحوالي 14 جنيه للكيلو.
يقول أصحاب المزارع إن وصول الدجاحة بسعر رخيص إلى “حلة المواطن” يتطلب منظومة متكاملة، بداية من زيادة الكميات المزروعة بالذرة الصفراء لتغطية الاحتياج المحلي وصولًا إلى توفير مصانع محلية من اللقاحات التي نستورد 85% منها من الخارج.
ويؤكد عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن، أن “تكلفة إنتاج الدواجن ترتفع في فصل الشتاء بسبب فارق سعر الوقود وهو ما يحتاج إلى الضبط حتى يستمر انخفاض أسعار الدواجن الذي شهدناه في الفترة الأخيرة بحوالي 6 جنيهات للكيلو”.
ويضيف أن المدخلات (العلف والأمصال وأنابيب البوتاجاز) تمثل حوالي 50% من صناعة الدواجن، وتراجع أسعار العلف في الفترة الأخيرة ساهم في انخفاض الأسعار، وبالتالي، فإن المدخلات هي العنصر الرئيسي في تسعير المنتج النهائي.