"أنت متصور لما تتعمد توجه ليا كلام بضمير لا يعكس هويتي الجندرية الحقيقية، وترفض الاعتراف بيا، أنا كدة هتراجع؟؟ إطلاقًا.. أنا بس هتأكد إنك شخص غير محايد ولا تحترم اختيارات الآخرين، وقبل ما أنت اللي ترفضني هكون أنا اللي برفضك، لأن احترام اختياراتي ده واجب عليك مش فضل منك عليا".
كلمات بسيطة تفوه بها أحد العابرين جندريًا في شرح معاناته مع عدم القبول المجتمعي من قبل المحيطين والأصدقاء والأقارب والألم النفسي المصاحب لمشاعر الرفض.
يقول "م. ي": "في البداية، نشأت حبيس جسد أنثى إلا أن كل عائلتي كانت تتعامل معي كذكر، فقد كانوا سعداء بطبيعتي المختلفة، لأنني بذلك سأحمي نفسي جيدًا إلى أن أصل لسن الزواج.. على مدار سنوات الطفولة لم تستهوني يومًا ألعاب الفتيات. لم ألبس ملابسهن ولم أتصرف وأتكلم مثلهن. لم أكن أشعر بفارق أو تمييز أو مشكلة إلى أن جاءت فترة المراهقة بتغيراتها الجسدية والهرمونية، وبدايات الديسفوريا الجندرية، أو ما يعرف بالانزعاج الجنسي".
"الديسفوريا الجندرية" مصطلح متعلق بالصراع بين الجنس البيولوجي الذي يولد عليه الإنسان وبين الجنس الذي يحدده العقل، مثل أن يولد إنسان في جسد ذكر، بينما يكون محتواه أنثى أو العكس.
وقد يظهر في صورة رفض المراهقين لأجسادهم وطبيعة المتغيرات التي تطرأ عليهم، خاصة في هذه المرحلة، أو في صورة رفض للأدوار الاجتماعية المطلوبة منهم، أو جميع ما سبق. وهي حالة تناقض ملحوظ بين جنس العقل والجنس البيولوجي لمدة ستة أشهر على الأقل، تتلخص أعراضها في عدة نقاط:
- رغبة شديدة وإصرار على أن يكون من الجنس الآخر، وتفضيل قوي لارتداء ملابس الجنس الآخر، ومقاومة ارتداء ملابس الجنس التقليدي.
- وجود تفضيل قوي للأدوار المشتركة أو تفضيل قوي لألعاب أو أنشطة نمطية تستخدم أو تمارس من قبل الجنس الآخر.
- وجود تفضيل قوي لرفاق من الجنس الآخر.
- بغض شديد للتشريح الجنسي للفرد أو النظر لأعضائهم الجنسية بتركيز أو الحديث عنها من قبل المحيطين.
يستطرد "م. ي": "لقد مررت بكل هذا في عمر العاشرة تقريبًا، نتيجة ظهور بعض مؤشرات البلوغ، والتي لم أستطع التأقلم معها أو قبولها. لم أكن أقبل نفسي في تلك الهيئة، وكنت أرفض الحديث عن ما أشعر به. أتجنب النظر لنفسي في المرأة، فجسدي يرفضني وأنا أرفضه. ابتعد عن تجمعات الفتيات وأحاديثهن الجانبية. لسنوات كنت غريبًا عن مدرستي وجيراني. زاد خجلي الاجتماعي وعدم ثقتي بنفسي ولكن على الأقل أنا أحظى بالقبول من عائلتي تحت شعار (بنتنا جدعة وشبه الرجالة)".
استمر حال "م. ي" على هذا الوضع حتى جاء السن الطبيعي للزواج، وبأوامر العائلة كان عليه أن يتحول لشكل وملابس النساء، يؤدي الدور المفروض عليه من قبل المجتمع والأسرة؛ شابة مقبلة على الزواج ثم الإنجاب.
يقول: "ها أنا ذا أفقد آخر خيط أمل أتعلق به لقبول عائلتي، فقد أصبح للأسرة رأي آخر وفقًا للمتغيرات الجديدة. ماذا عني؟؟ ومن أنا؟؟ لا يهم. أنا مجرد أداة في أيدي أي سلطة تفوقني قوة لتتحكم في حياتي وفي مصيري وتجبرني على ما تريد وبلا أدنى رحمة.. حالة من الصراع النفسي لسنوات ظللت أعانيها وبرغم التزامي وقتها بتصرفات وملابس وحياة النساء إلا أن الأمر لم يخل بين حين وآخر من تعليقات مثل: هو أنت مسترجلة كده ليه؟ كنت أتعجب لماذا لم أكن أشعر بالإهانة أو الغضب من تلك التعليقات؟".
لم يكن "م. ي" في حياته عنصريًا تجاه النساء. على العكس، يصنف نفسه كشخص مدافع عن حقوقهن. ولكن إذا تطرق حديثه مع أحدهم عن تصنيفه هو نفسه كامرأة أو الحديث عن التقلبات الهرمونية مثلًا، كان يثور رافضًا: "متصنفنيش لو سمحت".
"على هذا الحال بقيت أعاني حتى قرأت يومًا وبالصدفة البحتة عن معنى الجندر ديسفوريا.. أدركت حينها أني لست مريضًا نفسيًا أو عقليًا وأن ما أشعر وأفكر به له تفسيرات علمية وأسباب، لذا اتجهت للدراسة بشكل أعمق.. ولاحظت تغييرات بدأ تطرأ عليٓ شكليًا وسلوكيًا. فقد قررت ألا أمثل دور ليس لي لأني أخاف المجتمع أو أحاول التأقلم معه وإرضاءه".
تجاهل "م. ي" تعليقات المحيطين على تغير شكله وهيئته وميله أكثر لاستخدام ضمير المذكر أو الملابس والعطور والأحذية الرجالية. قررت أن يكون ببساطة هو كما هو، يفعل ما يناسبه فقط، ليجد السلام أخيرًا.. "لا أنكر أن الجندر ديسفوريا لا تزال موجودة ولكنها أقل بكثير الآن".
ورد في إحدى الدراسات التي نشرتها جريدة "نيو انجلاند" الطبية الأمريكية أن الرعاية الصحية التي صممت لدعم ومساعدة الأفراد الذين يختبرون الانزعاج الجندري تساعد على تحسين الصحة النفسية للمراهقين العابرين جندريًا.
قيم البحث المنشور 315 شابًا من العابرين جندريًا، تتراوح أعمارهم بين 12 و20 عامًا، وكان متوسط عمر المشاركين 16 عامًا.
وتابعت الدراسة الأشخاص العابرين على مدار عامين وهم يتلقون العلاج الهرموني (وهو عملية إعطاء من يختبرون الانزعاج الجندري هرمونات مثل هرمون الأستروجين وهو هرمون الأنوثة والتستوستيرون وهو هرمون الذكورة).
وأوضحت النتائج أن ذلك الإجراء قد أثر عليهم إيجابيًا وقلل من حالات الجندر ديسفوريا لديهم وأيضًا قلل من الرغبة في الانتحار التي قد تنتج عنها، ما يلقي بظلاله على أهمية تقديم الرعاية الصحية المناسبة للعابرين لكي يستطيعون التعايش بشكل طبيعي وأمن.
#أسبوع التوعية بالعبور الجندري