رسائل خفية ضد النساء

 

( يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات )، لم تنس شيماء أبدًا هذا المثل الذي كانت تردده دائمًا عمتها أمامها وشقيقتها، حتى أنها كانت تشعر بأنها عبء على محيطها كله، حتي أن العمة تحاول دائمًا إيجاد المواقف التي تذكر فيها هذا المثل إشفاقًا منها علي والدي شيماء لأنها وأختها "ستات" ولأن الأسرة ليس لديها رجل يحمل اسم العائلة، ويرعى شقيقتيه، حتي في لحظات الفرح عندما كانت شيماء تحضر لزفافها وتستعد له وما يتطلبه ذلك من شراء الاحتياجات والانشغال الدائم للأسرة في توفير هذه المستلزمات لا تنسى العمة أن تُذكِر شيماء وعائلتها بأنها هم وعبء، فقط بذكر المثل.

هي لا تفعل شيء سوي النظر وذكر المثل، وعند ذكره يحدث ما يحدث من أذى نفسي لشيماء وأسرتها، وكأنها تقول لأسرة شيماء أنها أسرة تعيسة وستظل تحمل هم بناتها حتي الموت لأنهم مصدر إزعاج ومشاكل للأسرة ويحتاجن دائمًا إلى من يساعدهن ويتولى أمرهن.

الأمثال الشعبية.. تكشف الفكر السائد في المجتمع، وتساهم في تشكيل قناعاتنا وأحكامنا تجاه موقف معين أو شخص ما، فهي تعبر عن تجارب السابقين، وتلخص لتجربة ما مر بها الإنسان عبر حياته، ثم تداولها الناس وعبروا بها عن مواقف مشابهة، فسارت بينهم على أنها بمثابة صورة يمكن تكرار حدوثها عبر الأجيال، فالأمثال الشعبية شكل من أشكال الثقافة الشعبية التي تسهم في ترسيخ معتقدات وقيم، وهي للأسف ليست دائمًا إيجابية فمنها السلبي الذي يكرس ويؤكد على أفكار تضر بأفراد المجتمع وتحرض فئة على أخرى.

اقرأ أيضًا:حكايات حقوقية في مجتمع لا يزال يسأل “يعني ايه مرأة؟!”

وللنساء نصيب كبير من الأمثال الشعبية، الكثير منها سلبي، مما يجعلها تمثل جزءً هامًا من العنف المجتمعي الممارس ضدهن، وتعكس ثقافة اجتماعية تعلي من قيمة الرجل في مقابل المرأة، وتصورها علي أنها شخص ضعيف غير قادر علي اتخاذ القرار الصائب، وأنها تحتاج دائمًا إلي من يدافع عنها، فهي بنية ثقافية تعكس المعتقدات والأدوار بين الرجال والنساء في المجتمع، فنجدها ترسخ لثقافة التمييز بين الجنسين، وتبرر العنف الممارس ضد النساء، وتساهم في تطبيعه بين أفرد المجتمع لأن الأمثال الشعبية تُستخدم بين جميع فئات المجتمع، وجميع مؤسساته بما في ذلك الأسرة والمدرسة والنادي وأماكن العمل، ما يجعل أثرها علي ثقافة المجتمع ومعتقداته كبير، ويجعل ما يمارس ضد النساء أمرًا طبيعيًا ومألوفًا، يصعب على النساء إدراكه على أنه مشكلة، أو حتى طلب المساعدة بشأنه.

الموروثات الثقافية المتمثلة في الأمثال الشعبية قادرة علي أن ترسخ كل هذا العنف والتهميش علي النساء بالرغم من أن أكثر من 35% من الأسر المصرية تعيلها نساء، وأن الغالبية العظمى من الأسر تعتمد اعتمادًا أساسي علي عمل النساء فيها وعلي مشاركتهن في القرارات الهامة في الأسرة، وأن النساء استطاعت إثبات جدارتها في العديد من المناصب القيادية وغير القيادية التي حصلت عليها بمجهودها وتميزها، واستطاعت أن تقتحم مهن جديدة يراها المجتمع غير لائقة للنساء أو أن النساء غير قادرات عليها ولكنها فعلتها ونجحت فيها.

والأمثلة كثيرة علي الأمثال الشعبية التي ترسخ وتكرس العنف والتمييز ضد النساء......

(إكسر للبنت ضلع يطلع لها 24)، يؤكد هذا المثل علي ضرورة الشدة في تربية الفتيات.

(يا وحشة كوني نخشة)، أي إذا لم تكن الفتاة جميلة فعليها أن تمارس بعض أنواع الدلع لتكسب قلوب الرجال وتتزوج.

(الست اللي ما بتخلفش زي الضيف)، وهذا المثل يؤكد أن أهمية النساء كونهن أمهات فقط وأن من لا تنجب سيكون مصيرها الطلاق.  

(عمر المرة ما تربي عجل وينفع)، والقصد من هذا المثل أن النساء مهما بذلوا من مجهود في تربية الأبناء فهي في مرتبة أقل مقارنة بتربية الرجال.

(لما قالولي ده ولد... اتشد ضهري واتسند، ولما قالولي ديه بنية... اتهدت الحيطة عليه)،

المثل يؤكد علي فكرة أن الولاد هم السند، وأن خلفة البنت لا يأتي من ورائها سوى المشاكل.

 

(عقربتين على الحيط ولا بنتين في البيت)، بمعني أن وجود العقارب السامة في البيت أهون كثيرًا من وجود بنتين به.

(إكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها)، عادة يقال هذا المثل للتدليل علي أن المرأة السيئة السمعة أو المرأة السلبية تنجب إناثاً مثلها، وبالتالي تصبح الأم مصدراً للمعايرة والعار.

(اللي جوزها يقولها يا عورة يلعبوا بيها الكورة، واللي جوزها يقولها يا هانم يقابلوها على السلالم)، ويعكس المثل أن المرأة تستمد قيمتها من زوجها ومن معاملته لها، وبناء عليه يحترم المجتمع تلك القيمة التي يمنحها الرجل لامرأته.

(البنت للعفن والولد للكفن)، أي أن البنت تخدم والديها في مرضهما، لكن الولد هو من يقيم الجنازة ويتقبل العزاء من الأهل والغرباء.

(شورة المرة لو صحت خربت البيت سنة)، يرسخ المثل أن النساء إذا أعطت رأيها في أمر ما، فإن ذلك قد يؤدي إلى تدمير البيت لمدة عام كامل، أي أن النساء غير كفء لاتخاذ القرارات أو المشاركة في قرارات الأسرة أو في الحياة عامة.

(الرجالة غابت‏،‏ والستات سابت)، ويؤكد المثل هنا علي أن المرأة إذا غاب الرجل عنها، فإنها تفقد السيطرة على نفسها وتتصرف على هواها، ويمكن تفسير المثل أيضًا على أنه يشير إلى أن المرأة تحتاج إلى الرجل لتوجيهها ورعايتها، وأنها لا تستطيع الاعتماد على نفسها.

في عام 2016، أجرى المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية دراسة بعنوان "الأمثال الشعبية وأثرها على العنف ضد المرأة في مصر" وقد توصلت الدراسة إلى أن الأمثال الشعبية تساهم في تكريس العنف ضد النساء من خلال:

الترويج لفكرة أن المرأة هي ملك للرجل، وأنها يجب أن تخضع لسلطة الرجل.

التأكيد على دور المرأة في المنزل، وأنها يجب أن تركز على رعاية الأسرة.

تصوير المرأة على أنها ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ القرارات أو الدفاع عن نفسها.

وفي عام 2022، أجرى المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية استطلاع رأي حول وعي المجتمع المصري بالأمثال الشعبية وأثرها على العنف ضد المرأة وقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن:

67%  من المستطلعين يعتقدون أن الأمثال الشعبية تساهم في تكريس العنف ضد النساء.

72%  من المستطلعين يعتقدون أن الأمثال الشعبية تروج لأفكار تمييزية ضد النساء.

80%  من المستطلعين يعتقدون أن الأمثال الشعبية تساهم في ترسيخ العنف الأسري ضد النساء.

الأمثال الشعبية تلعب دورًا هاماً في تشكيل الوعي المجتمعي، ولها تأثير كبير على تكريس العنف ضد النساء في المجتمع.

فعلى الرغم من أنها تعكس قيم وتقاليد المجتمع، إلا أنه من الهام أن ندرك أن هذه القيم والتقاليد الكثير منها يتضمن صورًا تمييزية ضد النساء في المجتمع، وتساهم في تبرير العنف ضدها، بل وتجعله أمرا مستساغًا ومقبول مجتمعيًا.

 

 

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة