حكايات حقوقية في مجتمع لا يزال يسأل "يعني ايه مرأة؟!"

"الحكاية من بدايتها وفي كل تفاصيلها بتقول إننا لسه قدامنا كتير. احنا مشكلتنا في القطاعين؛ المجتمعي بالمنع والنظرة الدونية لدورنا ووجودنا، والحكومي بالتضييق والبيروقراطية لو حاولنا نؤسس لكيان يعبر عن المرأة ومشاكلها وبين الاتنين بتتغلغل الأفكار المتأخرة اللي بتتعامل مع حقوقنا باستخفاف وتجاهل".

من رحم ثورة 25 يناير واستغلالًا لحالة الحراك على مستوى الحريات التي وفرتها، أسست سهام عثمان بمشاركة مجموعة من شابات قرى محافظة أسوان مؤسسة "جنوبية حرة"، بهدف خلق مساحة آمنة للفتيات في المنازل والشوارع وفي العمل.

سهام عثمان مؤسسة "جنوبية حرة"

تقول "سهام": "إذا كانت المرأة لسه بتواجه مشاكل حقوقية في الأحياء الشعبية بالقاهرة والجيزة، فما بالك بالحال النساء في القرى والمحافظات خاصة في الصعيد وفي الجنوب والمحافظات الحدودية.. مشكلة المنع من السفر للتعليم أو الشغل المشكلة الأكبر اللي بتواجهها البنات عندنا في جنوب مصر بشكل عام.. الناس بتعيب فكرة إن البنت تسافر وتعيش لوحدها بعيد عن عيلتها عشان تتعلم أو تشتغل ومن هنا كانت بداية شغلنا كمؤسسة غرضها التوعية بقضايا وحقوق المرأة.. بس عشان نعمل ده ونقدر نصرف عليه كنا محتاجين نقنن وضعنا.. وقتها بقى بدأت معاناتنا".

اهتمام بالمرأة وبيروقراطية في حقوقها

رغم ما أولته سياسات الدولة خلال السنوات الأخيرة من اهتمام بمعالجة قضايا المرأة وتمثيلها في المجتمع المصري، وهو اهتمام جاء بتوجيه رأسي من رئيس الجمهورية وليس بوعي أفقي داخل مؤسسات الدولة المختلفة، خاصة فيما يتعلق بمواجهة أزمات حقيقية مثل "التحرش" و"الختان" والاهتمام بصحة المرأة، إلا أن الأمر ليس كذلك إذا ما كان الوضع يتعلق بالحقوق والحريات، التي رغم الانفراجة في ملفها الفترة الأخيرة، لا تزال تعاني أزمة بيروقراطية وثقافية إذا ما كان الحديث عن مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.

تنص المادة 75 من الدستور المصري على أن "للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطي، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار، وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل في شؤونها أو حلها أو حل مجالس إدارتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائي".

وينص قانون تأسيس الجمعيات الحالي على الإخطار فقط ببدء نشاط المؤسسة، إلا أن بدء النشاط الفعلي يقتضي تلقي خطاب من وزارة التضامن بالقبول والموافقة على النشاط، وهو ما يتعارض مع ميزة الإخطار وينسف روح القانون حتى وإن كان يشترط وصول خطاب الموافقة خلال 60 يومًا.

تقول "سهام" في حديثها لمنصة "فكر تاني": "حتى هذه المماطلة تجاوزتها واعتمدت سياسة النفس الطويل معاها بس الكوميدي والمثير للاستغراب هو أسئلة الموظفين أثناء الإجراءات: يعني ايه جمعية نسوية ومنظمة بتشتغل علي حقوق المرأة وقضايا النوع الاجتماعي؟ يعني ايه "جندر"؟ يعني أنتي عايزة الناس تسيب بناتها تسافر تعيش في مصر لوحدها؟".

"هاتي راجل نكلمه"

تضيف "سهام": "أكثر الأسئلة كوميدية سودا بتعبر عن الواقع اللي بتعيشه المرأة في مجتمعنا كان في سؤال من واحد من الموظفين، قال لي: إزاي بنات وهتنظموا نفسكم ازاي طب فين الدور الإشرافي للرجالة؟ وازاي هنشتغلوا لوحدكم وأنتوا بنات من غير راجل معاكم؟ ومين اللي هيملك اتخاذ القرار؟".

بعد رحلة معاناة دامت شهور طويلة ما بين ضياع المستندات وإعادة استخراجها وتحمل الأسئلة المفخخة، تقول "سهام": "كنت مستنية القرار بالتأسيس لجنوبية حرة، ولكن الموظف قرر رفض التأسيس بحجة العُرف وإننا بنات من غير راجل".

عام ونصف العام كاملة قضتها "سهام" ورفيقاتها بين المكاتب حتى تمكن فقط من تقنين وضع مؤسستهم لتبدأ رحلة جديدة لهن في أقصى جنوب مجتمع لا يزال يسأل "يعني ايه مرأة".

وهو أمر يعلق عليه وليد سعد، من جمعية المرأة والمجتمع، فيقول: "محتاجين نأهل موظفين التضامن الاجتماعي ونتحايل على مصطلح تدريب ونستبدله بتأهيل عشان منواجهش رفض وتعالي، وممكن كمان أن الوزارة تختار المدربين واحنا ما نشاركش في التدريب بس نكون موجودين ونساهم في وضع المحاور والموضوعات".

يعني ايه مرأة؟

"أمامنا إشكالية كبيرة متعلقة بتأسيس أي كيان مهتم بقضايا النساء، لأن ثقافة المُنفذ للقانون والموظفين غير صديقة لحقوق المرأة واستقلالها وتمكينها، وبالتالي المنظومة ذكورية وداعمة للتمييز بين الجنسين، فما بالك حينما يكون المشرع غير مؤمن بهذا القطاع الحقوقي"؛ تقول نيفين عبيد رئيس مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة، بينما تصف القانون في مصر بأنه ذكوري في مواده وطرق تنفيذه.

وتضيف: "عندنا رقابة ذاتية على كل ما هو خاص بحقوق المرأة وتمكينها، مجرد ذكر جملة حقوق المرأة سيقابل بالجملة الساخرة: احنا عايزين نطالب بحقوق الرجالة أنتوا استقويتوا علينا.. احنا محتاجين نواجه الآراء العرفية اللي بتعرقل المسار القانوني وتخليه يتأثر بالانحيازات الشخصية والأفكار الذكورية".

ويرى عصام شيحة، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان: "ما زلنا نعاني من النظرة السلبية للمنظمات الحقوقية من قبل المواطنين، حيث أساء الإعلام لها في العشر سنوات الأخيرة".

البيضة ولا الفرخة

آية منير
آية منير

"في الريف هنا الأزمة في الستات نفسهم.. ما كانوش متقبلين في البداية التوعية الجنسية والإنجابية.. وده طبعًا غير الموظفين اللي اتعاملنا معاهم وما كانوش فاهمين نوعية الخدمات اللي بنقدمها".

في العام 2016 داخل محافظة الشرقية، بدأت آية منير تأسيس "سوبر وومان" كمبادرة نسوية تهدف إلى توفير مساحة آمنة للنساء، لمناقشة مشكلاتهن وتقديم الدعم النفسي والقانوني لها عبر "ورش حكي".

تقول "آية": "كل طريقنا كان أزمات بس لأننا عايزين نعمل حاجة تهتم بالمرأة.. مكنش عندنا موارد مالية، وما نقدرش نستقبل أي فلوس من أي جهة واحنا لسه مش عندنا وضع قانوني لأن ده هيعرضنا للمسائلة.. طيب هنأسس ازاي واحنا أصلا معناش فلوس وهنجيب الفلوس منين قبل ما نأسس.. كنا في متاهة البيضة ولا الفرخة".

وتضيف لـ"فكر تاني": "عقد إيجار المقر لازم يكون بمدة طويلة طب هنجيب منين فلوس.. أعتقد أن التعامل مع الجمعيات والمؤسسات اللي شبهنا بيقابل بيروقراطية مقصودة ومتعمدة نابعة من ثقافة مجتمعية مش مؤمنة باللي بندافع عنه".

بيروقراطية متعمدة

هذه البيروقراطية الموحشة التي أشارت إليها "آية" هي ذاتها التي لاقتها انتصار السعيد رئيس مجلس أمناء "مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون" مع كم من الأوراق والتوقيعات والمشكلات التقنية التي خرجت منها بقناعة أن لا إرادة حقيقية لمنح المرأة حقوقها.

"بعد ما خلصنا كل الإجراءات اكتشفنا إن الورق ما اترفعش لأن المنصة معطلة وأخيرًا قدرنا نحصل على رقم توفيق الأوضاع بعد مشقة 6 أشهر، بخلاف الاشتراطات المادية فبعد ما اشترينا الملف بقيمة 750 جنيه طلبوا نشتري ملف جديد لأن فيه كلمة عليها تعديل بالكوريكتور وبعد ما اشترينا ملف جديد وصلنا الرد ما نشتريش، وطبعا سوء الظن والتشكيك في نوايانا وأهدافنا من جانب الموظفين اللي اتعاملوا معانا بريبة ووجهولنا أسئلة خارج السياق ومنها: هو ينفع المرأة تتمكن؟".

تقول مها عبد الناصر عضوة مجلس النواب: "لا أعتقد أن هناك إرادة سياسية كاملة لتسهيل العمل الأهلي في مصر". وتضيف لـ"فكر تاني": "مع الأسف كل مؤسسة حكومية لديها وجهة نظر تعتقد أنها الأصح ويجب اتباعها ورغم إننا حاولنا استغلال الحوار الوطني إلا أنه نافذة ضيقة للغاية وما زلنا أمام شيطنة العمل الأهلي وتخوين واتهام بالعمالة".

ما نحن بحاجة إليه

عادة مع تأسيس أي مؤسسة تعمل بالمجتمع المدني سواء تنمية أو رعاية أمومة وطفولة يكون ضمن مهامها حقوق المرأة، والغالبية تحرص على التعاون مع مؤسسات كبيرة سواء حكومية محلية مثل المجلس القومي للمرأة أو مبادرات مثل حياة كريمة وكذلك مؤسسات دولية، ما يمنحها قدر من الثقة بين الناس، هذا بحسب أسامة رمزي مدرب بالمجتمع المدني، والذي يطالب بتفعيل الميكنة في المؤسسات الحكومية لإبعاد الأحكام البشرية التي تدخل في النوايا وتتأثر بالثقافة السائدة.

ويشير "رمزي" إلى هذا التأثر الشديد بالثقافة الشعبية والذي يؤثر بالتبعية على المسؤولين والموظفين المفترض فيهم تسهيل عمل مؤسسات المجتمع المدني وليس عرقلته.

ولتوضيح الأمر، يقول: أذكر في أحد المشروعات كانت تستهدف تحسين العملية التعليمية للفتيات واجهنا أسئلة مغلفة بالارتياب من قبل المعلمين ومديري المدارس من نوعية إشمعني تعليم البنات وليه البنات بالذات. وهنا كانت إجابتي حاسمة: خليني افترض معاك إننا فعلا واخدين تمويل أجنبي وإن هدفه تعليم البنات بالذات هل دا مخالف للدين هل حرام هل ضد القانون أوالعادات والتقاليد اللي اتربينا عليها".

ويضيف: "لما بنشارك في لقاء توعية مع النساء في الأحياء الشعبية مثل أبوالنمرس وحلوان ويكون عن العنف وختان البنات بنلاقي غضب وهجوم من الستات وبنتكلف مجهود كبير لما نقنعهم بالدين والطب إن الختان بيضر بناتهم.. احنا بحاجة للتوعية والتدريب المكثف على أكثر من مستوى".

 

 

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة