وماذا لو هزمنا غزة؟

عزيزي القارئ، لعل عنوان المقال هو ما دفعك لقراءته، فضولا أو استنكارا، فلعلك سألت نفسك من هو الفاعل المقصود بكلمة “هزمنا”؟ هل هو الجيش الصهيوني؟ فلم يجمع الكاتب نفسه مع هؤلاء إلا أن يكون صهيونيا مستترا، وان لم يكن يقصد ذلك الجيش من السفاحين والقتلة فمن الذي يسعى لهزيمة غزة حتى يتساءل “وماذا لو هزمناها؟”.

الحقيقة أنني أعتقد أن الهزيمة إن حدثت في غزة – لا قدر الله – فلن تكون لأن الصهاينة هم الذين انتصروا بل لأننا نحن من تسببنا في هزيمة المقاومة بقطع كل الإمدادات والمساعدات التي تمكنهم من القتال حتى النصر. لا أتحدث عن المساعدات الإنسانية والمعونات الإغاثية، فهذه وإن كانت مهمة للحفاظ على حياة المدنيين وعلاج المصابين – إن دخلت غزة أصلًا – فهي لن تذهب لمعاونة المقاتلين في أرض المعركة، وتعويض ولو جزء من خسائرهم، وبالتالي، فإن دخولها وإن حدث لن يغير من موازين القوة العسكرية على أرض المعركة وفي الأنفاق تحتها، وإن كانت بالطبع جهد ضروري ومطلوب مدنيًا.

فهل يمكن لغزة أن تنهزم؟

ربما لا يقبل عقلك هذا الاحتمال ولا تستطيع أن تفكر فيه – إذا كنت إنسانا ذو ضمير حي يتمنى النصر للطرف المضطهد الذي تقف خلف عدوه حكومات العالم أجمع تقريبًا – ولكن يا عزيزي دعنا نفكر في هذا الاحتمال قليلًا من جوانبه المختلفة، خاصة أن غيرك من المتصهينين العرب يتمنون هذه النتيجة ويمهدون الأرض لها بلا كلل ولا ذرة من ضمير، فضلًا عن مئات الآلاف أو الملايين من مؤيدين الصهيونية والمنادين بـ”حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها”.

هل يمكن أن تنهزم المقاومة؟ الحقيقة أننا لو نظرنا بمنظور مادي بحت نجد أن الإجابة هي بالقطع يمكن للمقاومة أن تنهزم، بل أن هذه هي النتيجة الأكثر منطقية وبساطة، فالجانب الأكثر تسليحًا وعتادًا وتطورًا تقنيًا يمكنه، حتى لو تحمل العديد من الخسائر، أن يظل يقصف ويقتل ويحرق حتى يقتل أو يصيب معظم جنود وقيادات المقاومة وتنفذ ذخائرهم، لعدم وجود إمدادات تعوض النقص فيها، وتنتهي المعركة بوضع جديد لا يقل أبدًا في كارثيته عن نكبة 1948 وهزيمة 1967.

والصهاينة بطبيعة الحال لا يخفون أن هذه هي نواياهم ومقاصدهم ولا يتورعون – لأن لا شيء يردعهم – عن التفاخر بأنهم قادرون على قتل المدنيين بالآلاف في سبيل اصطياد بضعة أفراد من المقاومة.

وأنا لن أحاول أن أستكشف مسارًا افتراضيًا آخر للأحداث ولن أجيب على سؤال: “وماذا لو انتصرت المقاومة؟” أو “متى تنتصر المقاومة؟” في هذا المقال. ربما أستكشف ذلك المسار في مقال لاحق، ولكنني سأحاول أن أتمادى في سيناريو الهزيمة وأتصور معك أن الجيش الصهيوني استطاع بالفعل أن يقتل كل أفراد الفصائل الفلسطينية المسلحة أو أن يصيب ويأسر معظمهم حتى تنهار المقاومة بشكل كامل ليحكم سيطرته على غزة بعدما يدمرها تمامًا ويهجرها أهلها..

ماذا بعد؟ هل تتوقف إسرائيل عند حدود فلسطين؟ هل تنتهي المقاومة نهائيًا في فلسطين؟

يقول مجرم الحرب نتنياهو إن إسرائيل لن تتخلى عن السيطرة عن القطاع بعد الحرب، فأين سيذهب من تبقى من الفلسطينيين؟

إما أنهم سيعيشون تحت سيطرة وتحكم صهيوني كامل، أي الحياة تحت حكم الإرهاب تمامًا وهي والعدم سواء، وبالتالي، لا يمكن إلا أن تنتج أنواعًا جديدة أكثر شراسة من المقاومة والعنف في مقابل التوسع الاستيطاني المذل الذي تمارسه إسرائيل في كل لحظة، أو أنهم سيتم دفعهم للتشتت في البلاد المجاورة لتظل الأرض كاملة للمستوطنين لينهبوها وينسبوها إلى أنفسهم. وفي هذه الحالة إما أن ترفض الدول المجاورة استقبال هؤلاء المهجرين وتستخدم القوة لمنعهم فتضطر إلى أن تشارك في إبادتهم أو تنجر للمعركة وتقاتل جيش الاحتلال الذي يدفعهم للمغادرة.

وفي حالة سمحت هذه الدول بدخول الفلسطينيين فسوف يخرج من بين هؤلاء، فلنقل خلال بضع سنوات، من يتحمل مسؤولية المقاومة وتستمر الحرب ولكن من أرض أخرى.

الخلاصة، إن هزيمة المقاومة الفلسطينية في المعركة الحالية لن تحدث إلا بإرادة دول الجوار ولن تؤدي في كل الأحوال إلا إلى نقل المعارك من أرض فلسطين إلى أراضي الدول المجاورة. فمن الذي من مصلحته أن تنهزم المقاومة؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة