أعادت اشتباكات مدينة غريان الاستراتيجية جنوبي العاصمة طرابلس في ليبيا، أواخر الشهر الماضي، الحديث عن شبح الحرب الجديدة القريبة في البلد الذي لا يزال متعثرًا بين حكومتين وقوتين مسلحين شرقية وغربية منذ العام 2011، بينما أكدت هذه المزاعم وكالة "بلومبرج" الأمريكية مؤخرًا، بتقرير أشار إلى تزايد محتمل للتواجد الروسي في الجانب الشرقي من الساحة الليبية.
زيارات حفترية مكثفة
في تقريرها، ذكرت وكالة "بلومبرج" الأمريكية أن إمكانية وجود قاعدة بحرية روسية على الشواطئ الليبية الشرقية باتت وشيكة، بموجب اتفاق دفاعي تتم صياغته بين روسيا وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر، يسمح بزيادة التواجد العسكري الروسي شرقي البلاد.
وقد فتحت زيارة خليفة حفتر إلى موسكو -قبل شهرين- باب التكهنات بشأن انخراط روسيا في ليبيا بشكل أكبر، وسط إعادة موسكو سيطرتها على مجموعة "فاجنر" التي سبق لمرتزقتها القتال بليبيا إلى جانب قوات حفتر.
وقالت الوكالة الأمريكية نقلًا عن مصادر مطلعة، إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وحفتر، يعملان على بلورة اتفاق دفاعي بعد زيارة حفتر موسكو، في سبتمبر الماضي، حيث التقى بوتين، قبل أن يعود إلى العاصمة الروسية مجددًا، وأجرى محادثات مع مسؤولين في وزارة الدفاع الروسية، ركزت وفقًا لمعطيات نشرتها "القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية" على تطورات الأوضاع في ليبيا والعلاقات الثنائية. وتكتمت موسكو على تفاصيلها.
ما يريده حفتر من موسكو
وفق مصادر "بلومبرج"، فإن حفتر يبحث عن أنظمة دفاع جوي لحمايته من القوات المنافسة في طرابلس، التي يدعمها الجيش التركي، بالإضافة إلى تدريب طياري القوات الجوية والقوات الخاصة، مقابل ترقية بعض القواعد الجوية التي تحتلها حاليًا قوات "فاجنر" الروسية شبه العسكرية، لاستضافة قوات روسية رسمية بديلة.
في المقابل، هناك احتمال لحصول السفن الحربية الروسية على حقوق الرسو الدائم في أحد موانئ شرق ليبيا، على الأرجح في ميناء طبرق، الذي يقع على بعد بضع مئات من الكيلومترات عبر البحر الأبيض المتوسط من اليونان وإيطاليا.
موسكو تريد استبدال "فاجنر" ليبيا بقواتها
ومع أن مصدر عسكري في الجيش الليبي نفى لصحيفة "الشرق الأوسط"، أي اتجاه لإبرام اتفاق من أي نوع مع روسيا لمنحها قاعدة عسكرية شرق البلاد، فإن الزيارات المكثفة التي يجريها حفتر إلى موسكو تثير التساؤلات حول المساعي الروسية، خصوصًا في إطار سعي وزارة الدفاع الروسية أخيرًا إلى ترتيب الوضع حول نشاط "فاجنر" في إفريقيا عمومًا، بعد مقتل زعيمها يفجيني بريجوجين.
اقرأ أيضًا: فاغنر أداة مشتركة لبسط النفوذ الروسي على أفريقيا وتمويل الحرب الروسية الأوكرانية
في تصريحاته، قال المصدر العسكري الليبي: "الجيش الذي يقوم بدوره في حماية مقدرات البلاد من الاحتلال الأجنبي، لا يستدعيه للداخل"، مؤكدًا أن "اتفاقيات التعاون العسكرية مع روسيا لا تشمل منحها أي تسهيلات لإقامة قواعد عسكرية في ليبيا".
روسيا تحاول ترتيب حضورها إفريقيا
وكانت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أفادت -في تقرير- بأن روسيا "تحاول ترتيب حضور ثابت لسفنها الحربية على الموانئ الليبية، وسط التنافس مع الولايات المتحدة على النفوذ في البحر الأبيض المتوسط".
ونقلت الصحيفة عن مصادر غربية أنه لمناقشة الحقوق طويلة المدى في الرصيف البحري في شرق ليبيا، فقد التقى كبار المسؤولين، بمن فيهم نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف في الأسابيع الأخيرة مع المشير حفتر، الذي يسيطر على الجزء الشرقي من البلاد.
ووفقًا لمعطيات قدمها مسؤولون ليبيون، فقد طلب الجانب الروسي الإذن بالوصول إلى موانئ بنغازي، أو طبرق للتزود بالوقود، وإصلاح السفن البحرية وتجديد الإمدادات. فيما تشير مصادر "كوميرسانت" إلى أن هذين الميناءين لديهما بالفعل بنية تحتية قادرة على تلبية المتطلبات الروسية. ومع ذلك، يبدو أنه "ليس من الواضح بعد ما إذا كانت روسيا تريد تطوير هذه الموانئ، أو تمركز الموظفين هناك، أو تخزين الذخيرة أو تخزين البضائع الأخرى".
وبحسب معطيات محلية فإن روسيا، التي تراقب التحركات الأميركية في ليبيا وحولها، تسعى إلى تسريع خطواتها لتثبيت حضورها المباشر في ليبيا، في إطار تحرك واسع لتعزيز الحضور الروسي في القارة الإفريقية عمومًا.
اشتباكات جنوب ليبيا وتحركات فاجنر
في أكتوبر الماضي، اندلعت اشتباكات في مدينة غريان (جنوبي طرابلس) بين القوات التابعة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية في غرب البلاد عبد الحميد الدبيبة وقوات أسامة حماد التابعة للجيش الوطني بقيادة المشير حفتر.
وقتها، أفادت مصادر أمنية ليبية، وكالة "نوفا" الإيطالية، بأن مرتزقة مجموعة فاجنر الروسية المتمركزة في قاعدة براك الشاطئ، حوالي 600 كيلومتر جنوب غريان، يتخوفون من تقدم محتمل للألوية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية. وبناء عليه، بدأوا التأهب وأجروا استطلاعًا جويًا مكثفًا في المنطقة الممتدة بين مدينة الشويرف (جنوب غرب ليبيا) والمنطقة الواقعة في أقصى الشمال الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني (حوالي 260 كيلومترًا جنوبي غريان)، وقاعدة براك الشاطئ، موطن مقر فاجنر في فزان، حيث المنطقة الجنوبية الغربية الليبية الغنية بالموارد الطبيعية.
وفي 30 أكتوبر، نقلت مجموعة "فاجنر" جزءًا من قواتها ومعداتها العسكرية واللوجستية من قاعدة الجفرة في وسط ليبيا إلى الجنوب الغربي.
غرب ليبيا يتأهب
في الجهة المقابلة، أعلن "الدبيبة" عن تشكيل غرفة عمليات مكونة من عشرات الألوية لصد حلفاء حفتر. وكان من بين هذه القوات المسلحة، اللواء 444، التابع فنيًا لوزارة الدفاع، والذي بدوره يخضع لقيادة رئيس الوزراء غربي البلاد.
كما أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة أن فرع قوات الدعم المركزي بالجفارة (منطقة طرابلس التاريخية) كثف من دورياته الأمنية الليلية، بالوجود على الطريق الساحلية الممتدة من منطقة العزيزية وصولًا للحدود الإدارية للعاصمة طرابلس. وذلك في إطار ما وصفته "بالمجاهرة بالأمن وتنظيم حركة السير والمحافظة على أمن وسلامة مرتادي الطريق"، وفق ما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط".
وجاء هذا الإعلان بعد ساعات من رصد تمركز قافلة تضم أكثر من 150 آلية مُسلحة تابعة لآمر الاستخبارات العسكرية المُقال أسامة جويلي، بالقرب من معسكر اللواء الرابع بالعزيزية.
ورصد شهود عيان ووسائل إعلام محلية، تحليقًا مكثفًا لطيران الاستطلاع من "قاعدة الوطية الجوية" على مناطق باطن الجبل، تزامنًا مع تحليق مماثل لطائرات من "قاعدة براك الجوية".
سيناريوهات الوضع في ليبيا
يقول الباحث المتخصص في الشأن الليبي والزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، إن هناك سيناريوهين اليوم في ليبيا؛ الأول أن الدبيبة قد يشن عملية عسكرية تصل قواته بموجبها إلى حقل الشرارة ومدينة أوباري (جنوبي غرب ليبيا). وهو تأويل يستند إلى الاستنفار الذي تقوم به قواته.
أما السيناريو الثاني، فيشير إلى استحالة شن هذه العملية، خصوصًا وأنها تحتاج إلى موافقة ودعم من أنقرة، وهو أمر لن تذهب إليه تركيا حاليًا.
يضيف "حرشاوي" الذي تنقل عنه "إندبندنت عربية": "أعتقد أنه من الصعب شن هذه العملية. ما يقوم به الدبيبة أقرب إلى الاستعراض العسكري، خصوصًا أن هناك توازنات عسكرية في البلاد يصعب تغييرها في ظل الظرف الراهن".
الغرب يريد الحرب في ليبيا
ومع ذلك، فإن الباحث السياسي الليبي كامل المرعاش يرى "رغبة خارجية قوية في تفجير الوضع في ليبيا". ويضيف وفق ما تنقل عنه "إندبندنت" أن ما قامت به على سبيل المثال وكالة "نوفا" الإيطالية بشأن تأهب قوات "فاجنر" لتحركات قوات الدبيبة، أبعد من مجرد نقل خبر أو تقرير صحفي، وإنما هو تسريب من الحكومة الإيطالية لجس النبض والتمهيد لمخططات تسعى روما للقيام بها في ليبيا.
يقول المرعاش إن "القصة الحقيقية التي تريد إيطاليا إخفاءها هي دعمها ودفعها حكومة الدبيبة لتشكيل قوة عسكرية من ميليشيات الغرب الليبي، والتوجه إلى جنوب غربي البلاد، لطرد قوات الجيش الوطني العربي الليبي، وفرض السيطرة على أهم حقلين للغاز والنفط هناك: الشرارة والفيل اللذين يزودان خط مليته بـ 80 في المئة من الغاز المصدر إلى إيطاليا".
اجتماعات مرتقبة
هناك اجتماعات مرتقبة بين رئيس البرلمان الليبي المستشار عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى محمد تكالة، لبحث مسار الانتخابات الليبية وتشكيل حكومة جديدة.
وقد كشفت مصادر ليبية لـ"سبوتنيك"، أن اللقاء المرتقب في العاصمة المصرية القاهرة، يعقبه لقاء آخر في قطر، ومن المحتمل إجراء لقاء ثالث في تركيا، حال تم التوافق على بعض النقاط في اجتماع القاهرة.
وإلى جانب ما عدّته البعثة الأممية إلى ليبيا "نقاطًا خلافية" في قانونَي الانتخابات، توجد خلافات عميقة أيضًا بين مجلسَي النواب و"الأعلى للدولة"، حيث يعترض الأخير على التعديلات التي أُدخلت على القوانين الانتخابية التي أقرها مجلس النواب، ويصر على أن النسخة الموقّعة في بوزنيقة المغربية، هي التي ينبغي أن تُعتمد.
ونقل بيان عن صالح باتيلي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، تأكيده "ضرورة تشكيل حكومة موحدة في البلاد مهمتها الأساسية إجراء الانتخابات". وهو يرى أنه لابد من بذل مزيد من الجهود والمشاورات لإنجاز الاستحقاق الانتخابي تلبية لرغبة الشعب الليبي.