"ليلى" والغيط.. حينما تُعامل النساء كآلات إنتاج ليس أكثر

قضت ليلى إسماعيل، 45 عامًا، معظم حياتها في التنقل بين قرى محافظة الغربية في مواسم الحصاد المختلفة، ضمن فئة العاملات الزراعيات، اللاتي تصف حالهن، فتقول: "ما عندناش أرض.. جوزي عامل على دراعه بيكسر مباني.. يوم شغل وعشرة لأ.. بنزل أشتغل باليومية عشان نقدر نعلم العيال ونصرف على البيت.. أي شغلانه بتيجي بنشتغلها".

قبل أسبوع، أصيبت تسع سيدات و3 رجال في انقلاب سيارة محملة بالعمالة الزراعية في نطاق وادي النطرون في محافظة البحيرة، المشهورة بزراعة الفواكه والخضروات، ضمن واحدة من الحوادث التي تنتشر وتيرتها على الطرق المصرية بين المحافظات، ويكون ضحاياها من فئة العمالة غير المنتظمة.

النساء.. 50% من العمالة الزراعية

"ليلى" واحدة ضمن هذه الفئة التي قدرت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج عددهم في مارس 2022 الماضي بما بين 8 إلى 13 مليون عامل تقريبًا.

بحسب المجلس القومي للمرأة، فإن 50% من العمالة في الأراضي الزراعية من السيدات، بينما تؤكد وزارة التخطيط أن قطاع الزراعة في مصر يوظف 45% من النساء في قوة العمل، فيما لا يعمل به سوى 24% فقط من الرجال. ويتنوع عملهن ين الحصاد والمكافحة اليدوية للآفات وإزالة الأعشاب الضارة.

اقرأ أيضًا: تحديات تواجه النساء الباحثات عن عمل في مصر

امرأة تعمل في أرض زراعية
امرأة تعمل في أرض زراعية

لكن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يقول إن نشاط الزراعة وصيد الأسماك حقق أكبر نسبة مشاركة للمشتغلين فى الأنشطة الاقتصادية في مصر بنحو  5.716 مليون مشتغل (4.752 مليون من الذكور، و964 ألف من الإناث)، بنسبة 20.6% من إجمالي المشتغلين، محتلًا المركز الأول ضمن الأنشطة الاقتصادية.

تنتظر "ليلي" ومن هن مثلها من سيدات القرية موسم جني البرتقال في مزارع القليوبية. تأتي سيارة مقاول العمال في الخامسة صباحًا، تركب العاملات في المقطورة إلى جوار الأقفاص التي ستتم فيها عملية تعبئة المحصول، وينتقلن إلى الأرض الزراعية لحمل الأقفاص وفرز الثمار لاستبعاد السيء وتحميل الجيد إلى السيارة.

تستمر هذه العملية لساعات طويلة يوميًا وطوال فترة الحصاد مقابل أجور زهيدة ترضين بها لضيق الحال وحاجتهن للمال.

حينما تُعامل النساء كآلات إنتاج فقط

تقول ليلي: "باشتغل في مزرعة البرتقان من الفجر وحتى قرب المغرب، لحد ما نخلص الكمية اللي التاجر عايز يشتريها.. بنتقسم فريقين؛ الرجالة بتقص الفاكهة من الشجر، والستات بيفرزوا ويشيلوا أقفاص الجريد أو بارنيكات البلاستيك ونوصلها لواحد يرصها في العربية بطريقة ما تخليش الأقفاص تضغط على بعضها وما تفعصش المحصول".

يحتل البرتقال -الذي يستمر موسمه حوالي 3 أشهر- ﺍﻟﻤﺮﺗﺒـﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺑﺎﻟﻨﺴـﺒﺔ ﻟﻠﻤﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ من الفاكهة بمصر، ﺑﻤﺘﻮﺳﻂ 488 ﺃﻟﻒ ﻓﺪﺍﻥ، ﺗﻤﺜﻞ ﺣﻮالي 28.6% ﻣﻦ ﻣﺘﻮﺳﻂ إﺟﻤﺎلي ﺍﻟﻤﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺯﺭﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻔﺎﻛﻬﺔ.

تتحمل "ليلى" جهد موسم البرتقال، بينما تشتكي من الجهد المضاعف في موسم العنب. "الجمع بيكون جنب كل شجرة عشان العنب ما يفرطش، ونشيل الصينية للتاجر اللي قاعد تحت التكعيبة عشان يفرزه ويعبي الحلو منه في الأقفاص، والوحش يتجمع لوحده في أقفاص تانية عشان يتعمل منه زبيب".

اقرأ أيضًا: بائعات جائلات.. 10 جنيهات مُطاردة على رصيف الفقر

المرأة الريفية في مصر
المرأة الريفية في مصر

تضطر "ليلي" لحمل الصينية المحملة بالعنب في الفترة من الفجر وحتى آذان الظهر، قاطعة الأرض ذهابًا وإيابًا لأكثر من 100 مرة. "غيطان ومزارع العنب ساعات مداخلها ضيقة أو قدامها ترعة.. العربية بتركن بعيد ونشيل الأقفاص على راسنا ونعدي بها على معدية خشب ضيقة أو ماسورة ماكينة الري.. ولو واحدة وقعت القفص أو وقع منه قطف واحد التاجر بيبهدلها وممكن يخصملها نص اليومية".

في الفجوات بين محصولي البرتقال الذي يتم حصاده في الشتاء والعنب المحصول الصيفي الذي يتم جمعه بداية من شهر يوليو وحتى سبتمبر، تعمل العمالة النسائية في مهن زراعية أخرى ترتبط بالزراعة وتنقية الحشائش، وهي مهن ليست باليسيرة.

لا تملك تلك السيدات رفاهية الراحة، مهما كان التعب لابد أن يستمر العمل لمواجهة أعباء الحياة، ومن تتكاسل سيتم استبدالها في اليوم التالي، فلا إجازات مرضية ولا وجود لقاموس الظروف أو الطوارئ في قاموس "مقاولي الأنفار".

العاملات الزراعيات.. من المهد إلى الغيط

في ظل هذه الظروف التي تعانيها العمالة الموسمية من النساء والممتدة لسنوات طوال، أولت منظمة العمل الدولية أهمية لمناقشة قضاياهن، وبخاصة العاملات الزراعيات. فمنذ عام 1921، صدرت عـن المنظمـة 14 اتفاقيـة تناولت تحديد سن العمل، والأجر، والصحة والسلامة المهنية، والتنظيم النقابي، والتعويض في الحوادث.

لكن الواقع في المزارع والمحافظات الريفية مختلف. فالعمالة يتم تحميلها في "صندوق" عربات النقل أو مقطورة الجرارات الزراعية، بينما المقاول والسائق فقط في الكابينة، ومن تتعرض لحادث أو كسور لا يتم تعويضها ويتم اعتبار ذلك من وجهة نظرهم من مخاطر العمل.

"مفيدة محمود"، 35 عامًا، تعمل في شتل محصول الأرز بقرى مركز السنطة بالغربية منذ أن كان عمرها 12 عامًا. في مايو من كل عام تتضم إلى فريق تضم غالبيته العظمى سيدات مهمتهن شتل المحصول الصيفي في الأرض الطينية المليئة بالمياه.

تمتد زراعة الأرز بمصر من أوائل مايو حتى الأسبوع الأول من أغسطس، ولها طريقتان؛ إحداهما ببذر التقاوي على الأرض مباشرة وهي لا تحتاج إلى عمالة، والثانية هي الشتل التلقائي ويفضله المزارعون على اعتبار أنها تمنع ظهور الحشائش الضارة وسط المحصول.

تقول مفيدة: "الرجالة بتنزل شتلات الرز من المشتل، وتنوعها على الأرض، والستات بتبتدي تقسمها كل شوية عيدات مع بعض وتشتلهم، واليوم يبدأ من الفجر لحد ما نخلص.. ساعات بنكمل شتل لحد العشا".

"ريس المجموعة بيتفق على الأرض بالقيراط مش اليومية، وبنقى عايزين نخلص الغيط هشان نروح غيط تاني.. الموسم بيقعد شهرين بس. وعلى ما اليوم بيخلص الواحدة من كتر التوطية عشان تشتل الرز ما تبقاش قادره إنها تعدل ضهرها"؛ تضيف "مفيدة".

وتبلغ المساحة المنزرعة من محصول الأرز في موسم 2023 نحو مليون و74 ألف فدان، مقابل 724 ألفًا و200 فدان في 2022.

الحاجة لا تترك مساحات للاختيار

عاملات جمع القطن
عاملات جمع القطن

مع انتهاء زراعة الأرز تعمل بعض السيدات في عزق أراض الذرة "تنظيفها من الحشائش"، أو تنقية "الدنيبة" (نوع من الحشائش شبيه بالأرز) من الأرز، والتي تقلل من جودته ومن سعر بيعه.

بالنسبة لـ"سامية حسين"، فإن موسم جني القطن كان الأفضل في العائد. "يومية الشغيلة في القطن حوالي 150 جنيه وممكن أخد العيال معايا وياخدوا حوالي 60 جنيه.. ميزة القطن إننا بنشتغل في النضافة مش في الطين زي الرز وما بنوطيش بنشتغل واحنا واقفين".

لكن سامية تضيف: "مساحات القطن بتقل كل شوية.. ودا كان باب رزق لناس كتير.. وممكن ضم الغلة والرز برده كتر في الأرياف وده كان مورد لناس كتير. لكن ما بنقلش للشغل لأ بنزرع ونجمع وندرس المحاصيل وكله بالأجرة عشان نربي عيالنا".

وتراجعت مساحات القطن المزروعة فى مختلف محافظات الجمهورية خلال موسم 2023 ــ 2024 بنسبة 24.5% مقارنة بالموسم السابق، لتبلغ 254.933 ألف فدان مقابل 337.634 فدان فى موسم 2022 – 2023.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة