غزة.. عربيًا وإفريقيًا

 

فرضت العقود الماضية تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية أو وحدة القضايا العربية. فبداية من انتهاء فرضية القومية العربية التي كانت تُطرح مع حركات التحرر العربية سواء الحركة الناصرية في مصر أو حزب البعث الاشتراكي في سوريا والعراق وصولًا إلى شبكة التطبيع الإسرائيلي الخليجي برعاية الولايات المتحدة الأمريكية سواء كانت الرسمية منها أو غير المعلنة، إضافة للظروف الاقتصادية والحالة السياسية الخانقة لدول المنطقة والقبضة الأمنية وتراجع الأدوار السياسية للأحزاب والحركات.

كذلك أرادت الولايات المتحدة إثبات فرضية أن التعاون الوثيق مع إسرائيل مدخل من مداخل العلاقات مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. بداية من كامب ديفيد وصولًا إلى اتفاقات التطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، والسعي مع المملكة السعودية ودخول مشروع الممر الاقتصادي الجديد الذي يربط بين الهند ودول الخليج وإسرائيل وصولًا إلى أوروبا.

كل هذه الإجراءات حاولت إحداث تغيير جيوسياسي في المنطقة باعتبار القضايا الوطنية أولوية بشكل براجماتي دفع الرأي العام إلى حالة من الاعتيادية في تناول القضية الفلسطينية.

خلق جيل جديد

مع استمرار عملية العقاب والحصار الجماعي من قطع للماء والغذاء والكهرباء على قطاع غزة الصامد، والتهجير القسري إضافة إلى الغارات الجوية، التي لم تتوقف حتى هذه اللحظة، وارتفاع عدد الشهداء إلى أكثر من العشرة آلاف شهيد، حوالي أربعة آلاف منهم من الأطفال. وانهيار القطاع الصحي واستهداف المستشفيات على مرأى ومسمع من العالم الذي لم يتراجع قادته من الدعم المطلق لحكومة الاحتلال الإسرائيلي.

كل هذا أدى إلى التأثير على الوعي الجمعي لأجيال جديدة من الشباب والمراهقين الذين لم يعاصروا مراحل الصراع العربي الإسرائيلي.

نقلًا عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، فإن عملية طوفان الأقصى أدت إلى تنشيط الذاكرة الجماعية العربية، خاصة الأجيال الشابة وصغيرة السن، تحديدًا بالنظر إلى تخطيط العملية، وخيالها العسكري، وعنصر المفاجأة، وتطوير بعض الأسلحة المتاحة لكتائب القسام ومعهم الجهاد الإسلامي.

تسببت العملية في حالة من إيقاظ الوعي شبه الجمعي في غالب البلدان العربية، خاصة في ظل العمليات العسكرية الإسرائيلية المفرطة في كثافتها، وحجم النيران، وما تفعله من قتل الأطفال والنساء والشيوخ. إن عملية "طوفان الأقصى" ستشكل نقطة تغير في مسارات السياسة في إقليم الشرق الأوسط. والأهم هو عودة روح التضامن الجماهيري للأجيال الشابة مع الفلسطينيين، وأيضًا إحياء الفكرة العربية شعبيًا، من حيث مصالحه الوطنية بغض النظر عن القضايا العربية الجامعة.

في تقرير لها، أشارت اندبندت بالعربية إلى أن الحرب علي غزة ساعدت في إثارة فضول الشعوب في البحث عن أصل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقالت إن حرب القطاع استحوذت على اهتمام القاصي والداني. ومع تصاعد حدة المأساة في القطاع وتضاؤل قدرة الإعلام الغربي على تجاهل أو تهوين ما يجري في غزة تزيد عمليات البحث العنكبوتي عما يجري هناك، أسبابه وتاريخ المنطقة والتفسيرات المتناقضة المتداولة، مما يرتبط بها من قصص وخرافات وحقائق، وقائمة البحث تتجدد وتتطور مع تجدد أبعاد الحرب ومصطلحاتها وتطور مجرياتها ومنعطفاتها.

إفريقيا وغزة

نجحت إسرائيل في تأسيس علاقات دبلوماسية مع 44 دولة إفريقية، وإعلان ملاوي عام 2020 نقل سفارتها إلى القدس وتبعتها غينيا الاستوائية عام 2021، كذلك قرار الاتحاد الإفريقي في يوليو 2021 بمنح إسرائيل صفة مراقب في المنظمة القارية ليؤكد على اتجاهات الدول الإفريقية نحو التقارب مع إسرائيل، حيث لم تعارض هذا القرار سوى 15 دولة إفريقية من 54 دولة، وعلى الرغم من تجميد هذا القرار، إلا أنه لم يتم إلغائه. نقلًا عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية.

ومع ذلك.. ما الموقف الإفريقي مما يحدث في غزة؟

نشرت المجلة الفرنسية "جون أفريك" مقالاً حول المواقف الإفريقية حيال التطورات بين إسرائيل وغزة، حيث قسمتها إلى ثلاثة "مواقف" رسمية، إذ تدين دول إفريقية حماس بشدة وتقدم الدعم غير المشروط تقريبًا لإسرائيل؛ ودول أخرى تدعو إلى وقف التصعيد وتندد بالعنف المرتكب ضد المدنيين، بغض النظر عن مرتكبيه؛ وأخيرًا، دول ترفض إدانة هجوم حماس رسميًا.

وفي ٨ أكتوبر الماضي، أي بعد عملية طوفان الأقصى بيوم دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى الفقي في بيان رسمي إلى ضرورة الوصول إلى قرار حل الدولتين قائلا " أود أن أذكّر بأن إنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، لا سيما حق دولة مستقلة ذات سيادة، هو السبب الرئيسي للتوتر الإسرائيلي الفلسطيني الدائم".

وخلال قمة السلام التي عقدتها القاهرة في 21 أكتوبر الماضي دعا الفقي إلى تشكيل "جبهة عالمية مفتوحة" لوقف العنف الدائر في قطاع غزة وفي كل العالم، مطالبًا بالتوقف عن الاكتفاء بالتنديد والدخول في مرحلة الفعل. كما عرض الفقي استعداد الاتحاد لعمل ما يلزم بالتنسيق مع الدول والمنظمات العالمية، لوضع حد للصراع الدائر بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

كذلك أعرب رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا وهو يتحدث باسم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني، مستنكرًا دعوات الجيش الإسرائيلي لترحيل 1.1مليون فلسطيني عن الجزء الشمالي من غزة. وأكد على أن "الفلسطينيون يعيشون تحت احتلال دولة الفصل العنصري".

في السنغال، طالبت الحملة السنغالية للدفاع عن القدس وفلسطين، المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة.

على الجانب الآخر، عبرت عدد من الدول الإفريقية عن دعمها المطلق لإسرائيل وفى مقدمة هذه الدول كينيا ورواندا والكاميرون والكونغو الديمقراطية، فقد أصدر الرئيس الكيني وليام روتو بياناً شديد اللهجة لإدانة هجمات حماس على إسرائيل وحث المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ضد مرتكبي ومنظمي وممولي ورعاة ومؤيدي وممكني ما وصفه بـ"الأعمال الإرهابية الإجرامية". وتبنت غانا موقفاً مشابهاً، وهى عضو مؤقت في مجلس الأمن، حيث امتنعت عن التصويت لصالح مشروعي قرارين لوقف إطلاق النار في غزة، أحدهما روسي والآخر برازيلي.

رغم ما تمر به السودان من مآسي يومية من اقتتال الجنرالين ونقص المواد الغذائية والطاقة، إلا أن الشعب السوداني لم تتوار أنظاره عن القضية الفلسطينية، إذ يقول السوداني بابكر عبد الكريم عن متابعة أحداث غزة لجريدة اندبندت بالعربية "لم تترك لنا الحرب في السودان فرصة لممارسة الروتين اليومي بمتابعة الأخبار بالجلوس لساعات يوميًا أمام التلفزيون أو عبر الصحف اليومية".

وأوضح "مع وجودنا بمنزلنا في الخرطوم إذ لم نغادرها رغماً عن كل شيء، لكننا محرومون في معظم الأوقات، فالانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي جعل متابعتنا تقتصر على أجهزة الجوال التي نشحنها أحياناً عبر الأجهزة المتصلة بألواح الطاقة الشمسية. كما لجأنا منذ بداية الحرب إلى متابعة الأخبار عبر الراديو الذي يعمل بالبطاريات". وأضاف "هذه مهمة شاقة للغاية، لأنه منذ زمن طويل فارقنا أجهزة الراديو، ولا تتوفر البطاريات بسهولة".

كما توضح الصحافية سحر عبد الله التي نزحت من الخرطوم إلى مدينة ود مدني "نتابع الأخبار من الصحف الإلكترونية فقط بعد أن أوقفت الحرب الصحف الورقية، وحتى هذه تعمل بطاقة ضعيفة من خارج السودان لصعوبات تشغيلها في الداخل".

وتضيف "نتابع التغطيات الكثيفة في الإعلام العربي، وأخبار الاحتجاجات والتظاهرات على قتل المدنيين في القطاع في الصحف الغربية".

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة