"هي شخصية خطيرة، لكنها تمثل حزبها المحافظين الذي ظل يتجه نحو اليمين منذ سنوات"؛ هكذا علقت "بولي توينبي" الكاتبة في صحيفة "الجارديان"، على إقالة سويلا برافرمان من منصب وزيرة الداخلية البريطانية، بعد مقال زعمت فيه أن شرطة بلادها تنحاز للمتظاهرين اليساريين الداعمين للقضية الفلسطينية على حساب المتظاهرين اليمينيين، واصفةً المظاهرات التي تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة بأنها "مسيرات كراهية".
غزة وانحسار التاتشرية
ترى "توينبي" أن الاضطرار إلى إقالة "برافرمان" -التي واجهت انتقادات حتى من زملائها في حزب المحافظين البريطاني- ما هو إلا استسلام لانحسار مد النزعة المحافظة والنظرية "التاتشرية" القائمة على النزعة القومية في بريطانيا، والتي تصفها بأنها تركت أبناء هذا الحزب في مهب الريح يطوفون ضد تيار أقوى منهم.
وتقول إن تحريض وزيرة الداخلية الأخير -في مقال لم يُعرض على رئيس الوزراء- ضد الشرطة أظهر تحيزها سياسيًا في مقابل احتجاج منظم بشكل قانوني. لكنها تستغرب انتظار الحكومة حتى وقوع أعمال شغب شجعتها باتهاماتها "المشينة" للشرطة.
اليمين في مواجهة تظاهرات غزة
وبالأمس، قالت الشرطة البريطانية إن 300 ألف متظاهر خرجوا للشوارع في لندن مطالبين بوقف الحرب على غزة، وتزامنت هذه الاحتجاجات مع الاحتفال بذكرى توقف الحرب العالمية الأولى، التي قادها يمينيون متطرفون، حيث وقعت أعمال شغب أصيب فيها أفراد من الشرطة.
وألقت الشرطة القبض على 126 شخصًا "الأغلبية الساحقة منهم" ينتمون إلى تيار اليمين المتطرف، حيث أصيب في الأحداث 9 من أفراد الأمن. كما نددت شرطة لندن "بأعمال العنف الخطيرة" التي تسبب فيها اليمين المتطرف.
واشتبك عناصر اليمين المتطرف مع أفراد الشرطة قرب النصب التذكاري للحرب العالمية، وفي الحي الصيني. وأضاف نائب مفوض الشرطة، ماثيو تويست، في بيان أن "التوتر الاجتماعي" شهد تصاعدًا بسبب "أسبوع من النقاش المتشنج عن الاحتجاجات والتعامل الأمني معها".
المحافظون لا يتغيرون
هذه المشاهد تصفها "توينبي" -في مقالها بالجارديان- فتقول: "لقد رأى الجميع كيف أن وزيرة الداخلية تفضل الغوغاء اليمينيين عندما تلقي كل اللوم على المؤيدين للفلسطينيين وتصفهم بأنهم (لوثوا) الشوارع. لقد وصلت شعبيتها الشخصية إلى الحضيض، لكنها من المؤكد ستكمل مسارها لديه من المقاعد الخلفية".
ومع ذلك، فإن "توينبي" التي تؤكد أن حزب المحافظين الذي بات على وشك خسارة تيارات من الدوائر الانتخابية في المقاطعات الأصلية وخارجها، بسبب التآكل الطويل الأمد لشعبيته، فإنها لا ترى أي تغيير قد يطرأ على تفكير هؤلاء السياسيين، وأنهم فقط سيتجيبون للموجة المضادة القاسية، لكنهم سرعان ما سيعودون إلى سياساتهم القديمة.
لكنها، أيضًا ترى أن أصوات حزب المحافظين تخفت في مقابل مزيد من خريجي الجامعات الذين هم من الليبراليين الاجتماعيين. وتقول: "لم يعد الشباب يتحولون إلى حزب المحافظين مع تقدمهم في السن". وإنه بطبيعة الحال، يدعو المحافظون الآن إلى خفض أعداد الملتحقين بالجامعات.
وأمام هذا كله، فإن الكاتبة البريطانية -في مقالها بالجارديان- ترى في طرد رئيس الوزراء ريشي سوناك قريبًا أمرًا طبيعيًا لأنه خاسر، وليس لأن غرائزه السياسية تختلف عن معظم نوابه. كما أنها تصف عودة ديفيد كاميرون لحقيبة الخارجية بأنه لن يغير أي شيء: فالرجل المسؤول عن التقشف يعود إلى منصب وزير الخارجية، تمامًا كما تسحق تأثيرات التقشف كل خدمة عامة فاشلة. وتعلق: "إذا كان سوناك يعتقد أن كاميرون يجلب معه الشعبية، فهو لا يرى الصواب وأن شعبية الرجل في الحضيض".
لن يفوز العدميون
وقد أظهر استطلاع كبير ومفصل هذا الأسبوع أن حزب العمال فاز بأغلبية ساحقة أكبر مما حققه في عام 1997. وكشف الاستطلاع عن المخاوف الثلاثة الرئيسية في كل دائرة انتخابية: تكلفة المعيشة، وخدمة الصحة الوطنية، والاقتصاد، في كل مكان تقريبًا.
وتختتم "توينبي" إن مهاجمة استقلال الشرطة يعكس اعتداءات "أعداء الشعب" التي يشنها الحزب على السلطة القضائية المستقلة، وكرهه لهيئة الإذاعة البريطانية، وهيئة الخدمات الصحية الوطنية، والمجالس المحلية، والخدمة المدنية، والجمعيات الخيرية. وتقول: "هؤلاء العدميون الجدد لن يفوزوا أبدًا في الانتخابات".
بولي توينبي صحفية ومؤلفة إنجليزية وكاتبة عمود في صحيفة الجارديان منذ عام 1998. عملت سابقًا كمحررة للشؤون الاجتماعية في بي بي سي وكذلك لصحيفة إندبندنت.
وهي نائبة رئيس Humanists UK، بعد أن شغلت سابقًا منصب رئيسها بين عامي 2007 و 2012. وحصلت أيضًا على لقب كاتب عمود لهذا العام في حفل توزيع جوائز الصحافة البريطانية لعام 2007.