زهير عبد العال، فلاح من محافظة بني سويف جنوب مصر، يحلم باكتفاء مصر ذاتيًا من القمح. لذلك أصر على عدم الاكتفاء بزراعة أرضه فقط، بل اتجه للمسار الأكاديمي دفاعًا عن حقوق الفلاحين، وحصل على أكثر من شهادة تعليمية ودرجة الدكتوراة. يقول: "نجاح الموسم هذا العام يحتاج إلى إنصاف الحكومة للفلاح ماليًا.. زيادة الفلوس هترضي النفوس".
بدأ موسم زراعة القمح (2023 – 2024) أوائل شهر نوفمبر الجاري، ويستمر حتى ديسمبر المقبل، على أن يتم الحصاد في أبريل 2024. وتخطط وزارة الزراعة -وفق بيانات رسمية- لزيادة المساحات المنزرعة من القمح من 3.2 مليون فدان إلى 3.8 مليون فدان هذا العام، بزيادة متوسط إنتاجية القمح من 18 أردب إلى 20 أردب للفدان، بما يقلل فاتورة الاستيراد، التي لا تزال ترهق موازنة عامة تعاني عثرات اقتصادية عدة.
اقرأ أيضًا: شبح الجوع يحوم حول العالم بعد انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب
مجلس الوزراء أعلن الأسبوع الماضي 1600 جنيه كسعر استرشادي لتوريد أردب القمح (150 كيلو جرام)، للموسم الجديد، بزيادة 7% عن سعر التوريد الفعلي للموسم السابق، والمقدر بـ 1500 جنيه.
مزارعو القمح: سعر غير مجز
"أقل من 2000 جنيه كسعر استرشادي لن يشجع الفلاح على زراعة القمح هذا العام"؛ يقول "عبد العال"، لمنصة "فكر تاني"، موضحًا أن السعر الذي أعلنته الحكومة غير مجز.
مثل "عبد العال"، يعترض جمال شحاتة، فلاح من محافظة الجيزة، على هذا السعر الاسترشادي، لكنه لا يرى في الإمكان أحسن مما كان. يقول لـ"فكر تاني": "كنا عشمانين في أكتر من 1600 جنيه. لكن هنقول ايه اللي جاي أحسن من ما فيش.. المهم نزرع قمح عشان البلد".
هنرضى بالسعر عشان البلد
هذا الخوف على البلد في نبرة "شحاتة"، يرى الفلاح الأكاديمي زهير عبد العال أنه ينقص من يمسك بملف القمح في الجهات التنفيذية المعنية، حتى تصل مصر إلى درجة الاكتفاء الذاتي من القمح.
يقول "عبد العال": "الوزارة اهتمت بالتقاوي وحلت مشكلتها، لكنها لم تهتم بالفلوس المناسبة للتكاليف والأعباء الموضوعة على كاهل الفلاح. وهو ما سيدفع من زرع القمح هذا العام لتخزينه، لأن القمح بات أرخص من الردة علف البهايم".
حقوقيًا هذا غير كافٍ
"السعر الاسترشادي الحالي ليس كافيًا"؛ هكذا يحسم كرم صابر، مدير مركز الأرض لحقوق الإنسان، وجود شبه اتفاق على ضرورة تعديل هذا السعر من مبلغ 1600 إلى سعر عادل يحقق الربح للفلاح.

ويوضح مدير مركز الأرض، في حديثه لـ"فكر تاني"، أن القفزات في الأسعار وتكلفة دورة الإنتاج على الفلاح أكثر من السعر الاسترشادي المطروح حاليًا، خاصة وأن سعر إيجارات الأرض ارتفع من 5000 جنيه إلى 10000 جنيه وصولًا إلى 20 ألف جنيه في بعض المناطق والأراضي في بعض المحافظات.
ويتفق "صابر" مع "زهير عبد العال"، في أن دور الجمعيات الزراعية بات أقل، مشيرًا إلى دعم الدولة للفلاحين في موضوع الأسمدة والمبيدات تأثر سلبًا بالأزمة الاقتصادية. وهو ما يلقي بظلاله السلبية على قدرة الفلاح في تلبية مخططات الاكتفاء الذاتي بالقمح في ظل عدم قدرته على الاكتفاء الذاتي المالي.
ويوضح مدير مركز الأرض لحقوق الإنسان أن الأزمة الكبيرة حاليا في تحويل القمح إلى علف للبهائم، وهو ما يهدد الأمن الغذائي لمصر ، ويشعل الأسعار، وبالتالي فلابد من تحرك سريع لتوفير العلف لإنقاذ القمح من الضياع بين حق الإنسان المصري في الاكتفاء منه وحق الحيوان في توفير طعامه.
دور الدولة لإنجاح الفكرة
ويضيف "عبد العال" أن الجمعيات الزراعية المفترض أنها معنية بالإرشاد الزراعي والمتابعة باتت خاوية على عروشها منذ وقف التعيينات في الحكومة. فأصبح عدد الموظفين بالكاد يصل إلى 3 موظفين بعدما كان 30 موظفًا. وهو ما يستلزم اتجاه الدولة لإصلاح الفكر التعاوني الزراعي والاستفادة بالمتطوعين لإنجاز أحلام مصر في الزراعة.

"شحاتة" من جانبه، ينظر بنظرة متفائلة للموسم. فيقول: "هذا الموسم سيكون موسم النجاح بإذن الله، فالحكومة وفرت التقاوي بطريقة كويسة وموجودة في الجمعيات ومركزة في تشجيع الفلاحين بقوة على زراعة القمح". لكنه ينصح وقد بادر في الأيام القليلة الماضية بتجهيز أرضه لزراعة القمح، بعدم تأخير الزراعة، خوفًا من تضرره مع أي تقلبات مناخية، موضحًا أن بعض الفلاحين قد يؤخرون زراعة القمح رغم أن الأفضل زراعته فورًا دون تأخير.
"المتابعة ثم المتابعة"؛ هكذا ينبه "شحاتة" الحكومة لعدم تجاهل حصد بعض الفلاحين للقمح وهو "أخضر" و"بيعه" وعدم توريده للدولة في هذا الوقت الحرج، مضيفًا أن السعر الاسترشادي المعلن مناسب حتى الآن والفلاح مستفيد منه ولابد من الوقوف مع الدولة.
ترقب حكومي
بينما تترقب الحكومة ردود فعل الفلاحين في هذا الموسم، كلف السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، مركز البحوث الزراعية والإدارة المركزية لإنتاج التقاوي، بتكثيف المتابعة الميدانية استعدادًا لموسم القمح والتأكد من توفير التقاوي الجيدة المعتمدة بمختلف المحافظات، وفقًا للخريطة الصنفية المعتمدة من وزارة الزراعة لضمان الحصول على أعلى إنتاجية من المحصول.
وفي هذا السياق، اتخذت وزارة الزراعة مسارًا خاصًا بها بالتعاون مع التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي (تحالف حكومي)، حيث أطلقت في 7 نوفمبر الجاري، مبادرة "ازرع" في محافظة الوادي الجديد في الجنوب الغربي لمصر، والتي تستهدف زراعة 120 ألف فدان قمح في المحافظة.</p>
وصرح د.حاتم إبراهيم، رئيس الإدارة المركزية لإنتاج التقاوي بوزارة الزراعة، أن مبادرة "ازرع" بالتعاون بين وزارة الزراعة والهيئة الإنجيلية عضو التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، وتستهدف زراعة مليون فدان قمح في 15 محافظة، حيث تقوم الهيئة الإنجيلية بتوفير التقاوي الجيدة المعتمدة للمزارعين بتخفيض 50% من أسعارها.
نقيب الفلاحين: هذا ما نتمناه من الحكومة
ويتمنى حسين عبد الرحمن أبو صدام، نقيب الفلاحين، من حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، متابعة الأسعار العالمية للقمح، حتى تتم معادلة السعر المناسب للفلاحين قبل التوريد، أو الإبقاء على السعر الجديد (1600 جنيه) إذا لم يحدث أي تغيير، حتى يتم جذب الفلاحين لخطة الحكومة.
اقرأ أيضًا: حد شاف الفلاحين.. "عواد" يستبدل حماره بالتوكتوك ويغادر الزرعة طمّعًا في الشهرة
ويصف نقيب الفلاحين، في حديثه لـ"فكر تاني"، خطوة زيادة السعر الاسترشادي لتوريد أردب القمح قبيل بدء الموسم بأنها خطوة ذكية من الحكومة لتشجيع الفلاحين. ولكن لابد من المتابعة أولًا بأول، وطمأنة الفلاح على سعر بيع محصول هذا العام.
ويرى أبو صدام أن الحكومة عليها العديد من الواجبات لإنجاح هذا الموسم، في مقدمتها التوعية المستمرة طوال فترة زراعة القمح في نوفمبر وديسمبر، والاستمرار في توفير الأسمدة بأسعار معقولة، والرقابة المشددة على السوق السوداء. ويشير إلى أن نقابة الفلاحين ستواصل توعية الفلاح حتى يحقق النجاح في هذا الموسم.
لكن في الإجمال، يشعر نقيب الفلاحين بتفاؤل هذا الموسم، متوقعًا أن تصل إنتاجية القمح إلى 4 ملايين فدان، بدلًا من 3 ملايين و650 ألف الموسم الماضي، بشرط تعاون الجميع في إنجاح الموسم.