ماذا يحدث في دارفور؟

بين كر وفر وإعلان انتصارات على الجانبين، لا تزال المعارك متواصلة بين طرفي الحرب في السودان؛ عبد الفتاح البرهان قائد الجيش رئيس المجلس السيادي الانتقالي، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، الذي ظهر نهاية الأسبوع الماضي معلنًا دخول مواقع مهمة في دارفور غربي البلاد، متوعدًا بحسم القتال الذي بدأ تنافسًا قبل 7 أشهر بينه وبين البرهان، وأزهق قرابة 10 آلاف من أبناء شعبهما.

حميدتي يتوعد

في مقطع فيديو نُشر على منصة "إكس" الخميس أثناء تخريج دفعة جديدة لقواته، أعلن حميدتي أن قواته تتجه للسيطرة على جميع ولايات السودان ومواقع الجيش، مشيرًا إلى أن عناصر من قواته اتجهت إلى "الفاشر" حاضرة ولاية شمال دارفور، فيما تقاتل أخرى في الجنينة عاصمة غرب دارفور، والضعين بولاية شرق دارفور، إضافة إلى القتال الدائر حول القيادة العامة للجيش في الخرطوم.

ودعا حميدتي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، للاستسلام. وهاجمه بالقول: "لم يتبقَّ لك شيء... لا يوجد جيش يقاتل. أنتم الآن تدافعون في القيادة العامة من داخل البدروم، ويوميًا نحن متقدمون وسنتسلمها منكم".

اقرأ أيضًا: أزمة ” توفير ووصول المساعدات” تهدد ملايين السودانيين بالجوع والمرض والموت

معارك دارفور.. سقوط نيالا

وسقطت نيالا وزالنجي في جنوب ووسط إقليم دارفور في يد قوات "الدعم السريع". ونيالا أهم مركز عسكري في ولايات جنوب وشرق ووسط دارفور، وتقع على بعد ألف كيلو متر غرب الخرطوم، وتُستخدم في خطوط الإمداد نظرًا لوجود المطار وخط سكك حديدية يربط المدينة بباقي ولايات السودان وتحيط بها 4 مخيمات للنازحين على رأسها مخيم "كلمة"، الذي يعد الأكبر في البلاد حيث يضم 300 ألف شخص.

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن ضابط سابق في الجيش السوداني أن الصراع على مدينة نيالا سببه أنها "أهم مركز عسكري في ولايات جنوب وشرق ووسط دارفور".

وقد سقط مقر قيادة الفرقة 16 مشاة، حيث آخر المواقع العسكرية للجيش السوداني بولاية جنوب دارفور، بعدما حاصرتها قوات "الدعم السريع" من الاتجاه الشرقي والجنوبي. حيث تم الاستيلاء على 15 مركبة عسكرية، منها: 11 سيارة دوشكا وأربعة مدافع ثنائية، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. كما تم تدمير ثلاث دبابات.

قوات من «الدعم السريع» خلال عملية عسكرية سابقة (وكالات)
قوات من «الدعم السريع» خلال عملية عسكرية سابقة (وكالات)

وذكر شهود أن قوات الدعم السريع فرضت سيطرتها على مقر السلاح الطبي والمستودعات التابعة للجيش في نيالا، جنوب غربي قيادة الجيش.

وأعلنت مصادر عسكرية تابعة للجيش تصدى القوات لهجوم "الدعم السريع" على قيادة الفرقة 16 لأكثر من ثلاثة أيام متتالية، قبل أن يتقرر الانسحاب من القيادة إلى نقطة أخرى. الأمر الذي دفعت المصادر بأنه مؤقت وتقدير عسكري يعود إلى القيادة العسكرية، ووضع سيعود إلى طبيعته خلال أيام، بالنظر إلى أن الفرقة تمتلك مناطق عسكرية خارج المدينة يقدر عددها بحوالي 14 موقعًا عسكريًا، بينها عشرة مواقع ما زالت تعمل.

نيالا.. الفرصة لدولة موازية

نقلت وكالة "الشرق الأوسط" عن محللين عسكريين، أن سيطرة قوات "الدعم السريع" على المدن المهمة في دارفور - خاصة نيالا- تتيح لها مجالًا واسعًا للمناورة. كما تتيح لها الحصول على الإمداد البشري من محيطها الاجتماعي، باستخدام الحدود بين دول الجوار غير الصديقة للجيش السوداني، ومطار نيالا الدولي.

وكذلك أشار المحللون إلى أن الفرصة باتت سانحة الآن أمام "الدعم السريع" لإعلان "حكومة" في دارفور، أسوة بالحكومة التي انتقلت من الخرطوم لبورتسودان، بوصفها عاصمة بديلة، ما يهدد بتجزئة البلاد إلى كانتونات يسيطر عليها هذا الطرف أو ذاك، وهو الأمر الذي حذرت منه "الجبهة المدنية" الشهر الماضي.

الفاشر.. آخر نقطة في دارفور

بعد سقوط الفرقة 16 التابعة للجيش السوداني في مدينة نيالا ثم سقوط الفرقة 21 مشاه بمدينة زالنجي، لم يتبق أمام قوات "الدعم السريع" سوى إسقاط الفرقة 15 التابعة للجيش السوداني في الفاشر إلى جانب السيطرة علي القاعدة العسكرية للجيش بالجنينة، حتى تفرض نفوذها على كامل الإقليم.

ويوم الأربعاء الماضي، بثت قوات "الدعم السريع" مقطع فيديو على موقعها بمنصة "إكس" تؤكد فيه دخولها معسكر "جديد السيل" بأطراف مدينة الفاشر، متوعدين بدخول معسكر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش هناك، متهمة طيران الجيش بقصف المواطنين بالمدينة، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين تواصلت حتى يوم الخميس، قبل أن تشهد هدوءًا حذرًا بين الجانبين، وسط عمليات نزوح كبيرة بين المواطنين.

بينما ناشد نمر محمد عبدالرحمن، والي شمال دارفور، طرفي الصراع إمهال المواطنين ومنحهم الفرصة لمغادرة المدينة ومناطق الاشتباكات المحتملة إلى أماكن آمنة حفاظاً على أرواحهم قبل خوض الاشتباكات. وأعرب في رسالة صوتية من مقر وجوده في جوبا، عاصمة جنوب السودان، عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع في مدينة الفاشر التي نزح إليها الناس من عدد من المدن والولايات بحثًا عن الأمن.

اقرأ أيضًا: ٦ أشهر من الاشتباكات.. تغذية “سيناريو التقسيم الثاني” في السودان

كما أكد حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، أكد أنه على تواصل مع جميع الأطراف لتفادي الحرب في مدينة الفاشر، عاصمة الإقليم المكتظة بالنزوح الكبير من مدن نيالا، وكتم، وطويلة، وكبكابية والجنينة وغيرها.

وطالب مناوي، في تغريدة على حسابه في منصة "إكس"، قوات "الدعم السريع"، بتفادي الهجوم على مدينتي الفاشر والجنينة "التي يوجد في كل شبر منها نازح"، أو أنها "نالت جزاءً لا تستحقه من القتل والتشريد"، مضيفًا "طالما المفاوضات جارية في جدة عليكم التركيز على التفاوض".

احتدام المعارك بالخرطوم

وبالأمس، قُتل 20 شخصًا على الأقل في الخرطوم إثر سقوط قذائف على سوق شعبي في أم درمان، الضاحية الشمالية للعاصمة السودانية، مع اشتداد المعارك قرب العاصمة، بحسب ما أفادت منظمة حقوقية مستقلة.

وقال "محامو الطوارئ"، وهي منظمة حقوقية مستقلة تقوم برصد الانتهاكات وإحصاء الضحايا المدنيين، في بيان، إنه "اثر تصاعد وتيرة الاشتباكات بين طرفي النزاع وتبادل القصف العشوائي، سقطت عدة قذائف في سوق زقلونا (بأم درمان) أدت إلى وفاة أكثر من 20 مواطنا وسقوط عدد من الجرحى تم نقلهم إلى مستشفى شندي ومستشفى النو". وقضى 15 مدنيًا على الأقل السبت إثر تعرض منازلهم للقصف في العاصمة السودانية الخرطوم.

ودارت معارك واشتباكات شرسة وعلى نطاق واسع بولاية الخرطوم، تبادل خلالها الطرفان القصف المدفعي المكثف في محيط سلاحي المدرعات والذخيرة بمنطقة الشجرة العسكرية والقيادة العامة للجيش وبري شرق مطار الخرطوم الدولي.

الدخان يتصاعد فوق الخرطوم (وكالات)
الدخان يتصاعد فوق الخرطوم (وكالات)

وشنت قوات "الدعم السريع" هجومًا وصف بأنه الأعنف على سلاح المدرعات، ودوت أصوات الانفجارات الناجمة عن القصف العنيف المتبادل في محيط المنطقة جنوب الخرطوم.

وأكد بيان للجيش دحره محاولة هجوم فاشلة لـ"الدعم السريع" على سلاح المدرعات وتدمير أربع عربات قتالية ومدرعتين، والاستيلاء على أربع مركبات قتالية بكامل عتادها، وتكبيد "الدعم السريع" خسائر كبيرة في الأرواح.

وضع إنساني كارثي

ونبهت غرفة طوارئ الخرطوم بحري من أن آلاف المدنيين المحاصرين بين خطوط القتال داخل الأحياء السكنية لم يعد بإمكانهم الحصول على مياه الشرب والأدوية والغذاء، في موازاة عجز المنظمات الدولية عن الدخول إلى الأحياء السكنية لغياب ممرات إنسانية آمنة.

واستعجلت الغرفة إغاثة المدنيين العالقين وسط المعارك منذ أكثر من ستة أشهر مضت، في ظل توقف محطة مياه مدينة بحري عن العمل بعد تعرضها للقصف.

وفي دارفور، حذر رئيس جيش حركة تحرير السودان، عبد الواحد محمد نور، أهل دارفور من سيطرة قوات "الدعم السريع" على الإقليم، معتبرًا أنه من "سابع المستحيلات" أن تتعايش "الدعم السريع" مع الأعراق الأخرى في دارفور في حال السيطرة عليها، في ظل الاتهامات بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التي طالت عناصر الدعم، والتي أوصلت عمليات النزوح واللجوء إلى دول الجوار من سكان دارفور إلى نسبة 73 في المئة من السكان، بحسب إحصاءات فرق المنظمة المنتشرة داخل الإقليم.

البرهان يعفي عضوًا بـ"السيادي"

على الجانب الآخر، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، يوم الجمعة، مرسومًا دستوريًا بإعفاء الهادي إدريس يحيى من منصب عضو مجلس السيادة الانتقالي، داعيًا أطراف اتفاق "سلام جوبا" لترشيح بديل عنه. ووجّه القرار الأمانة العامة لمجلس السيادة والجهات المعنية بالدولة لوضع هذا المرسوم الدستوري موضع التنفيذ.

ويرأس إدريس فصيل "الجبهة الثورية"، إحدى الحركات الدارفورية المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام مع الحكومة الانتقالية المقالة في 2020، وبموجب الاتفاق تم تعيينه عضوًا في مجلس السيادة الانتقالي

وقد أعلن الرجل عند انقلاب 25 أكتوبر 2021، انحيازه لقوى "الحرية والتغيير" المناوئة للانقلاب، وعند اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل الماضي، أعلن أيضًا انحيازه لتيار القوى السياسية الرافضة للحرب.

وشارك عضو "السيادة" المقال في اجتماعات القوى السياسية والمدنية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا الشهر الماضي، والتي تكون بموجبها الإعلان التحضيري للقوى المدنية الديمقراطية «تقدم»، وهي أكبر كتلة مناهضة للحرب.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة