أزمة " توفير ووصول المساعدات" تهدد ملايين السودانيين بالجوع والمرض والموت

اعتماد، سيدة بنهاية الأربعينات من العمر، تكافح من أجل توفير المستلزمات الأولية فقط لأطفالها، سكن ومأكل ودراسة، وبالكاد توفر ذلك. بسؤالها عن تواجدها الكثير بالقاهرة، تقول وهي تضع "كراتين بضاعة" أتت بها من منطقة العتبة عند مدخل إحدى بنايات وسط البلد:" أعمل كما تقولون هنا في مصر "تاجرة شنطة"، أشتري بضاعة منوعة من العتبة، ملابس وخاصة للنساء والأطفال، شنط، ستائر، مستلزمات منزل، وأعود لبيعها هناك في السودان بالقطعة أو لتجار تجزئة"

بعد الحرب التي اندلعت في إبريل الماضي بين قوات الجيش النظامية، وقوات الدعم السريع، تحطمت أحلام اعتماد بأن تحقق شيئا لأطفالها الثلاث، تحكي وهي تمسك دموعها من الانفجار:" أكتر من شهرين بعيدة عن أطفالي، عارفة مكانهم، لكن مش مطمنة وهم مش في حضني"

في أبريل الماضي، وبعد أسابيع من التوتر المتصاعد حول خطة ترمي إلى تسليم السلطة للمدنيين، اندلع قتال عنيف في الخرطوم بين قوات الجيش النظامية بقيادة الفريق عبد الفتاح الركن، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، راح ضحية هذه الاشتباكات ألاف من السودانيين، وتم تشريد آلاف آخرين داخل السودان وفي الدول المجاورة.

 وفي 16 أبريل الماضي، أيضًا، أوقف برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، عملياته في السودان، وهي الأكبر على مستوى العالم، بعد مقتل ثلاثة من موظفيه من بين عمال إغاثة آخرين قتلوا في الساعات الأولى من القتال.

وبحسب تقارير صحفية، فإن الإحصاءات قاتمة، حيث يحتاج 24 مليون شخص إلى مساعدات غذائية وإنسانية أخرى، بما في ذلك 14 مليون طفل، وهو رقم يعادل كل طفل في كولومبيا وفرنسا وألمانيا وتايلاند.

جوع وعنف ونزوح

المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان كلمنتين نكويتا سلامي، قالت في مؤتمر صحافي في جنيف "نحن بحاجة للوصول إلى 18 مليون شخص ولن نتخلى عن هذا الهدف لكن نحن بحاجة إلى مزيد من الدعم الدولي وتحسين الوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلينا وضمان سلامة عملياتنا".

وأضافت سلامي أن نصف سكان السودان (24.7 مليون شخص) يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية.

كذلك تسبب الصراع في أزمة نزوح هي الأسرع نمواً في العالم، والتي تهدد بتجاوز أفضل الجهود التي تبذلها المنظمة لمساعدة من هم في أمس الحاجة إليها.

 كما أن الأشهر الستة الماضية تسببت في معاناة لا توصف في السودان، حيث أجبر خلالها أكثر من 5.4 مليون شخص على ترك منازلهم، وما يقرب من 30 ألف شخص يفرون يوميًا من القتال وهم اليوم نازحون داخل السودان أو في البلدان المجاورة، بعضهم يفرون دون شيء سوى الملابس التي يرتدونها.

وقالت سلامي:" التقيت بأمهات في السودان أخبرنني بأنهن لا يعرفن أين يجدن الوجبة التالية لأطفالهن، كما التقيت بعائلات تنام في ملاجئ مؤقتة وتكافح من أجل العثور على الطعام والماء وغير قادرة على الحصول على الرعاية الصحية، أطفالهم خارج المدارس ومعيل الأسرة عاطل عن العمل. والصراع والنزوح وتفشي الأمراض يهددان الآن باستنزاف البلاد بأكملها"

وتضيف سلامي:" كما لدينا مخاوف من احتمال انتشار الصراع إلى ولاية الجزيرة سلة غذاء السودان، وهذا سيكون له عواقب وخيمة على الأمن الغذائي"

يُضاف إلى كل ذلك، تزايد العنف الذي أدى إلى شل القطاع الصحي في السودان، 70% من المستشفيات لا تعمل.

- التقارير تفيد بتزايد حالات العنف الجنسي والعنف القائم على النوع والعرق، والاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وحقوق الأطفال، بالإضافة للدمار الذي خلفته الحرب التي أودت بحياة الآلاف من الأشخاص، بما في ذلك 19 من عمال الإغاثة، واجه شعب السودان الأمطار الغزيرة والفيضانات التي أثرت على أكثر من 70,000 شخص في سبع ولايات، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه.

الأمن وقلة التمويل

تقول اعتماد، بعد أن أدخلت بضاعتها إلى مدخل العمارة التي تسكن فيها مؤقتًا لحين قدرتها على العودة للسودان مرة أخرى، إنها تحاول إجراء عشرات الاتصالات يوميًا لتتأكد أن أطفالها حصلوا على وجبة غذاء. تضيف:" الصبح الضهر الليل نص الليل، لا أنام، تليفونات لكل حد يقدر يوصلهم عشان أطمن إنهم أكلوا، بس، ياكلوا عشان يعيشوا لحد ما الخراب اللي حاصل ده يخلص أو نموت".

من ناحية توفير الأمن لمرور المساعدات الغذائية والطبية قالت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان "لقد تمكنا من تقديم المساعدة من خلال آلية عبر الحدود من تشاد إلى دارفور"، بينما كانت مخزونات المساعدات الإنسانية في كثير من الأحيان هدفاً للهجمات أو النهب.

وأضافت سلامي "حتى منتصف سبتمبر، تمّ تسليم حوالى 3000 طن من الإمدادات الإنسانية بواسطة 66 شاحنة عبر ست ولايات، ولكن يجب أن نكون قادرين على تقديم المزيد - بأمان وبشكل متكرر وبسرعة". ويعد الوجود الإلزامي للعسكريين أثناء تحميل الشاحنات في بورتسودان، حيث عاودت الأمم المتحدة تشغيل مقرها الرئيسي. القتال في العاصمة يجعل العمل مستحيلاً، والتأخير في الحصول على تأشيرات الدخول، عقبات إضافية.

وفي مايو الماضي، طالب مارتن غريفيث مسؤول المساعدات في الأمم المتحدة بالحصول على ضمانات وموافقات على أعلى مستوى وبشكل علني لتوفير ممر آمن لتوصيل المساعدات الإنسانية. وجاءت هذه المطالبة بعد تعرض ست شاحنات محملة بالإمدادات الإنسانية للنهب.

اما عن تمويل المساعدات، تعهد مانحون في مؤتمر استضافته جنيف يونيو الماضي تقديم نحو 1,5 مليار دولار، للمساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية في السودان والدول المجاورة التي تستضيف لاجئين فارين من القتال. وهذا المبلغ لا يمثل سوى نصف الإجمالي الذي تقدر الوكالات الإنسانية أنها بحاجة إليه.

وقال مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة مارتن غريفيث، إن المانحين تعهدوا بنحو 1.5 مليار دولار. ولم يتضح بعد ما إذا كانت كل الأموال جديدة أو متى ستصرف.

ويشمل ذلك 200 مليون يورو من ألمانيا حتى عام 2024، و171 مليون دولار من الولايات المتحدة، و190 ميلون يورو من الاتحاد الأوروبي، و50 مليون دولار من قطر.

وقال غريفيث: "هذه الأزمة ستتطلب دعما ماليًا مستدامًا، وآمل أن نتمكن جميعا من إبقاء السودان على رأس أولوياتنا".

وقال وزير الصحة الاتحادية السوداني المكلف هيثم أحمد إبراهيم، في مقابلة خاصة أجراها مع برنامج "للسودان سلام" الذي يذاع عبر أثير بي بي سي عربي إن وزارته تمكنت من توصيل ما يقرب من 1500 طن من الإمدادات الطبية لجميع أنحاء السودان، مضيفا أنها المرحلة الأولى من مراحل توفير المستلزمات والأدوية الطبية في البلاد.

وأكد الوزير على الحاجة الماسة للإمداد الطبي للسودان في ظل استمرار استهلاك هذه المستلزمات لاسيما لأصحاب الأمراض المزمنة كالضغط والسكري والأورام والفشل الكلوي.

ولاية الجزيرة

تقع ولاية الجزيرة في وسط البلاد وتحدها من الشمال ولاية الخرطوم ومن الجنوب ولاية سنار وشرقا ولاية القضارف ومن الغرب ولاية النيل الأبيض.

تعتبر ولاية الجزيرة الملجأ المثالي للعائلات الهاربة تحت القصف من الخرطوم، لكن تقدم قوات الدعم السريع في اتجاهها يثير الرعب بين السكان والنازحين. وخاصة أن ولاية الجزيرة تضم أكبر مشروع زراعي مروي في السودان، يعتمد عليه ملايين الأشخاص في معاشهم ويوفر احتياجات الخضر والفاكهة والحبوب لملايين آخرين.

وتعد ولاية الجزيرة، الممتدة على مساحات شاسعة بين النيل الأبيض والنيل الأزرق، منطقة حساسة، وهي معروفة بأراضيها الخصبة وحقول القطن المنتشرة فيها.

وهذا العام، للمرة الأولى في تاريخ الولاية، ظلت الأراضي بورًا، وتحولت المدارس والمباني الحكومية إلى معسكرات إيواء متواضعة للنازحين، وتوقفت المصانع منذ شهور.

وقال وزير المالية المكلف جعفر أبو شوك، لصحافيين نقلا عن وكالة الشرق الأوسط: ان الولاية فقدت 88 في المائة من إيراداتها جراء الحرب. لذلك يزداد التخوف إذا طالت الحرب ولاية الجزيرة من زيادة الضرر بالأمن الغذائي السوداني.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة