تقع الكثير من النساء في دائرة مفرغة من الانعزال وحصر حياتهن- بعد الزواج- على أعمال المنزل ورعاية الأطفال ومتطلبات السوق وجروبات الماميز، فتدور في وسط هذه الدائرة طيلة اليوم وتصبح منعزلة تمامًا عن المجتمع الخارجي.
وبالرغم من أهمية هذه الأعمال التي تقوم بها تلك النساء إلا إنهن يجدن أنفسهن في قوقعة بعيدة كل البعد عن الواقع الخارجي وما يدور فيه حيث تعشن في عالم منفصل يخصها وحدها.
أظهر استبيان تحت عنوان "المرأة العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، أن الرغبة في تحقيق الاستقلال المالي (57%) هو السبب الرئيسي وراء دخول المرأة إلى سوق العمل في منطقة الشرق الأوسط. وصرحت نسبة 48٪ من السيدات اللواتي شاركن في الاستبيان بأنهن يبحثن عن عمل لدعم عائلاتهن ماليًّا، فيما قالت نسبة 48٪ بأنهن يرغبن بتوسيع آفاقهن في الحياة.
بعد فترة، ولتغير الظروف، كالطلاق على سبيل المثال، تأتى مرحلة أخرى لتجد بعضهن أمام أمر صعب، الخروج إلى المجتمع، فيشعرن بالصدمة نتيجة ما يدور حولهن. صدمة حضارية من مدى التغير السريع الذي حدث في الخارج.
هذا التغير الذي لم يواكبنه ولا يعرفن عنه شيءً. فجوة زمنية صادمة.
مرحلة الرهاب الاجتماعي
قد تؤدى هذه الصدمة الحضارية في المجتمع إلى مرحلة رهاب اجتماعي وقلق شديد يؤدي إلى الانعزال الذي قد يؤثر على الحياة اليومية للمرأة ويتطور هذا القلق والرهاب الاجتماعي ويؤثر في تعاملاتها مثل:
- الخوف من المواقف التي قد يحكم فيها الآخرون عليها حكمًا سلبيًا.
- القلق من إحراج أو إهانة نفسها.
- الخوف من التعامل مع الغرباء.
- تجنب الحديث مع الآخرين خوفًا من الإحراج.
- انعدام الثقة في نفسها وفي الآخرين
تتسبب كل هذه المشاعر السلبية في مشكلات تواصل وتفاعل بالغة في العمل والدراسة والعلاقات وحتى الاستمتاع بالحياة. وربما ينتج عن ذلك أيضًا تراجع الثقة في النفس وصعوبة التيقن من الأمور والحديث السلبي مع النفس، وأيضًا الحساسية الشديدة للنقد وضعف المهارات الاجتماعية وأحيانًا أخرى الانعزال وصعوبة تكوين علاقات اجتماعية.
مؤهلات سوق العمل
يمكن أن تتخطى المرأة جزء من هذا القلق والرهاب الاجتماعي وتخرج إلى المجتمع وتحاول أن تتعامل وتتأقلم فيه لتبحث عن فرصة للحياة والبقاء.
تخرج لتبحث عن عمل لتقع في صدمة أخرى وهي أنها غير مؤهلة للعمل، لا تملك المهارات المطلوبة.
تحكي (ن-أ):" ذهبت لأبحث عن عمل بعد 9 سنوات كنت أعمل فيهم كزوجة وأم فقط لأجد أن أول سؤال في أي مقابلة عمل ( ايه هي مهاراتك ؟- كنتى بتشتغلى فين قبل كدة ؟) لأجد نفسي لا أملك أي من المهارات والشهادات التي تؤهلني للعمل، أعود إلى المنزل وأنا محبطة لا أجد ما أفعله".
في محاولة جادة للانغماس في الحياة، تقول:" عزمت على تطوير نفسي لأكون صالحة للعمل اتجهت إلى أخذ كورسات في مجال ما وتدريبات عدة كنت أذهب إلى التدريبات لأكون أنا الوحيدة الأكبر سنا وسط الباقين من الشباب والشابات".
"أنهيت الدراسة والتدريبات وذهبت في مرحلة أخرى من البحث عن عمل لأجد صعوبة في طريقة تعامل مع أصحاب العمل والمديرين بشكل غير لائق أو لطيف ونظرة استغراب "كيف لك وأنت في السن ده ولسه بتبدأي تشتغلى؟" كنت قد بدأت في هذا العمل في سن 37 عاما كل مديرينى كانوا أصغر منه بسنوات عديدة وأنا لسة مبتدأ وبتعلم" تكمل ن-أ حكايتها.
تروي ن-أ حياة الشارع بعد العزلة:" كانت المعاملة كلها استهانة وتحقير ونظرات تقليل، كيف لي أن أتحمل كل هذه الأعباء وهذه المعاملة وأنا أجاهد نفسى يوميا للخروج والتعامل مع المجتمع الخارجي".
الإنترنت والدوائر الآمنة
تعتبر فرصة وجود إنترنت متاح للنساء هي فرصة ذهبية للتأقلم مع المجتمع والبحث عن دوائر آمنة للمساندة وتقبل الظروف والأسباب وكل شيء.
وجود دوائر من الدعم النسوي تعتبر إحدى مميزات هذا التطوير الذي حدث في المجتمع. تجد النساء أنفسهن في دوائر داعمة لهن متقبلة حالاتهن. تقدم لهن الدعم النفسي وتطور من مهاراتهن ليخرجن إلى المجتمع وسوق العمل بفرصة ثانية للحياة والنجاة.
على سبيل المثال، حققت مبادرة (سوبر ومن) هذا الدعم المجتمعي للنساء من خلال مشروع (نجاة) الذي تبنى فكرة تأهيل النساء المعيلات والمعنفات لسوق العمل وتنمية مهاراتهن وأيضًا دعمهن نفسيا.
وجود الإنترنت هو أيضًا فرصة للنساء للبحث عن فرص عمل مناسبة أو التسويق والانتشار لأعمالهن الخاصة من خلال الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي أو البحث عن إعلانات فرص العمل على الجروبات.
الخروج إلى المجتمع ليس بالأمر السهل بعد سنوات من العزلة والتقوقع ولكنه أيضًا ليس مستحيلا هو شيء يمكن فعله بعد مراحل عدة تمر بها السيدة. هذه الرحلة قد تكون قاسية ولكنها في النهاية تصل إلى التأقلم والتقبل وتعود لترى الحياة بشكل مختلف
هل تخرجين إلى المجتمع بعد العزلة؟