"قاطعت ماكدونالدز من أول لحظة.. المقاطعة دي أقل حاجة نقدر نقدمها.. كمان دي ممكن تبقى فرصة كويسة للمنتجات المحلية لو اشتغلوا على نفسهم كويس".
"آمال الكومي" -30 عامًا- واحدة من آلاف المصريين المستجيبين لحملة مقاطعة سلاسل العلامات التجارية ردًا على إعلان هذه البرندات دعمها إسرائيل في حربها على غزة. حملة بدأت مع مقاطع فيديو انتشرت عبر وسائل التواصل لجنود في صفوف الجيش الإسرائيلي يعلنون حصولهم على وجبات مجانية من شركة "ماكدونالدز" العالمية للمأكولات، التي وفرت إلى جانب ذلك عروضًا وخصومات للمشاركين في الحرب على غزة.
في الأيام الأولى للمقاطعة ومع تواصل الحرب التي انتشرت صور مأساوية لأحداثها في القطاع، سجلت الشركات العالمية تراجعًا كبيرًا في مبيعات منتجاتها بشكل كبير في عدد من الأسواق العالمية والعربية، ومن بينها مصر.
سارع وكلاء هذه البرندات إلى تقديم عروض وخصومات وصلت إلى نحو 50% من قيم منتجاتها السوقية في محاولة لاستعادة السوق الذي تراجع لصالح منتجات محلية بديلة حاولت المنافسة واستطاع بعضها تحقيق أرباح مضاعفة، كشركة "سبيرو سباتس" لصناعة المشروبات الغازية، التي أعلنت عن يوم مفتوح للتوظيف لتغطية احتياجاتها من العمالة مع تزايد الطلب على منتجاتها.
تقول "آمال": "هذه الشركات استفزت مشاعرنا وتجاهلت معاناة الشعب الفلسطيني.. هذا أبلغ رد عليها من قبلنا.. أي إنسان يحمل شيئًا من الإنسانية سيندفع للمشاركة في المقاطعة. أرى في الأمر فرصة للشركات المحلية لو اشتغلت على نفسها كويس".
المقاطعة.. هل يصمد المنتج المحلي؟
يتفق الخبير الاقتصادي وائل النحاس مع أن المقاطعة تمنح فرصة جيدة للشركات المحلية لكنه يشير إلى أزمة الجودة. يقول: "مشكلة المنتجات المحلية التي ظهرت مؤخرًا في الأسواق خاصة في مجال المشروبات الغازية أنها ليست بالجودة المطلوبة، ولا أحد يعلم كيف تنتج ومن المشرف عليها".
ويوضح "النحاس" أن الأرباح التي استطاعت هذه الشركات تحقيقها تزامنًا مع المقاطعة لا يتعدى التأثر بالحالة العاطفية. يضيف: "الناس بتقول استحمل الجودة المتدنية عشان المقاطعة.. لكن هل سيستمر هذا الأمر؟ الناس كمان نسيت إن المركب الخام الخاص بمنتج الكولا هو في الأصل يستورد من الخارج".
يشكك يوسف طلعت، رئيس مجلس إدارة الشركة المتخصصة في المشروبات الغازية "سبيرو سباتس"، في هذا التأثير الذي وصفه "النحاس" بأنه لحظيًا. فيقول: "شركتنا تعمل في السوق منذ عام 1920، وتحظى منتجاتها بسمعة طيبة في الأسواق، ولديها ثقة في الأوساط المختلفة. لن نترك الأمر لمجرد الإقبال المدفوع بالتأثير العاطفي سنعمل على تحسين جودة منتجاتنا".
ويؤكد "طلعت" على زيادة مطردة في تعاقداته مع مطاعم وفنادق وسلاسل تجارية؛ لإتاحة منتج شركته. ويفسر بذلك توجه شركته لإعلان عن وظائف جديدة تغطي الطلب المتزايد والذي وعد بأن يتضاعف خلال الفترة القليلة المقبلة.
المقاطعة.. ماذا عن العمالة المحلية؟
بانتشار لافت، تجاوزت فكرة "المقاطعة" حدود وسائل التواصل الاجتماعي إلى إعلان نقابات مهنية مؤثرة عن دعمها للفكرة، كنوع من الدعم المعنوي للقضية الفلسطينية. على سبيل المثال، أعلنت نقابة الصحفيين في مصر عبر منشور موقع من السكرتير العام هشام يونس عن رفضها دخول منتجات العلامات التجارية الداعمة لجيش الاحتلال لـ"مطعم وكافيتريا" النقابة.
يرفض الدكتور علاء عز، الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية، حملات المقاطعة، التي يرى فيها تأثيرًا سلبيًا على السوق المصرية.
اقرأ أيضًا: حي على المقاطعة: الشعوب العربية تقاوم أيضًا
يقول: "كل الدول العربية لا تشكل (واحد من ألف) من إجمالي أعمال هذه الشركات حول العالم، إذا توقفت أعمال هذه الشركات بجميع الدول العربية؛ لن تشعر بها، الجزء العقابي ليس له أثر"، وفق حديثه لبرنامج "الحياة اليوم" المذاع عبر شاشة "الحياة" مساء السبت.
بينما أعلن عن انخفاض مبيعات هذه الشركات داخل مصر إلى 50%، محذرًا من تداعيات خطورتها على العمالة والاقتصاد المحلي، قائلًا: "إذا وصلت إلى 70% سيتم تسريح العمالة المصرية، وانخفاض المبيعات يؤثر على المستثمر المصري، الأجنبي لن يشعر بها؛ لأن نسبة أرباحه أقل من 3% من حجم المبيعات".
"لا تأثير سلبي يُذكر"
وهو ما لا يتفق معه الخبير الاقتصادي د. أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إذ يرى أن لا تأثير سلبي للمقاطعة على العمالة أو الاستثمار في مصر. ويقول: "هذه المقاطعة الشعبية رد فعلي عفوي الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة والدعم الاقتصادي لآلة الحرب الإسرائيلية عالميًا. لكنه لن يوقف الحرب، وبالطبع أثره محدود اقتصاديًا".
ويرد الخبير الاقتصادي على الآراء الاقتصادية والسياسية المحذرة من مغبة "المقاطعة" بأن العلامات التجارية الكبرى لا يمكن أن تسرح العمالة حسبما يعتقد البعض، لكنها تحت أثر الضغوط ستقلل الإنتاج فقط في الفترة الحالية.
ويستطرد قائلًا:" الأثر السلبي يحدث فقط عندما تتخذ الحكومات موقفًا من هذه الشركات. أما غير ذلك، فإنه موقف شعبي يوصل رسائل إيجابية لهذه العلامات التجارية لتضبط توجهاتها".
أي تأثير للمقاطعة في أسواقنا؟
نشر موقع شركة "ستاربكس" -التي أثارت مقاطعتها جدلًا كبيرًا في الفترة الأخيرة- بيانًا ينفي إرسال الشركة أية مساعدات مالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا أن الشركة الأم أنهت عمالها لدى الكيان الصهيوني منذ عام 2003.
يقول الخبير الاقتصادي وائل النحاس: "رغم إعلان شركة ستاربكس أن فروعها تنتشر في 11 دولة عربية إلا أنها تخدم في النهاية طبقة معينة، لن يفرق معها شيء". ويتساءل: "هل المواطن البسيط الذي وجهت له دعوات المقاطعة يعرف هذا المنتج أصلًا؟".
ويفسر "النحاس" العروض الترويجية للشركة في الفترة الماضية، والتي وصلت إلى خصم بنحو 60% من سعرها الأصلي بأنها "عروض ترويجية" لا علاقة لها بالمقاطعة.
ويضيف: "هذه الشركة موجودة في دول عربية كثيرة، بفرض أنها قوطعت في كل الدول العربية، فلن تخسر شيئًا إذا أعلنت قطع استثماراتها لدى العرب، وانتقلت إلى أسواق أخرى".
"البرندات العالمية لا تغني السوق المصري"
رغم بيان الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية -نهاية الأسبوع الماضي- الذي يحذر من المقاطعة وتأثيرها العمالة والاستثمار المصري، يرى رئيس لجنة الصناعات الغذائية بجمعية مستثمري العاشر من رمضان حسن الفندي، أن أغلب المنتجات الغربية التي وضعت في خانة المقاطعة لا تضيف أية قيمة اقتصادية للاقتصاد المصري.
ويقول: "إن الحديث عن جدوى الاستثمار الأجنبي يجب أن يتعلق بما يقدم قيمة مضافة للاقتصاد المصري"، متسائلًا عن جدوى "ساندوتش برجر، أو كوب قهوة، أو زجاجة مشروبات غازية".
ويضيف أن مصر لديها منتجات وطنية في هذه القطاعات تصلح لأن تكون بديلًا في الأسواق، وتفتح فرص عمل كثيرة أمام الشباب المصري، وتسهم في تحسين جودة المنتج المطروح مع زيادة الطلب.
المنتج المصري.. هل يصلح فعلًا؟
عكس ذلك، ورغم دعوات شعبية لدعم المنتج المحلي، وحث الشركات الوطنية لتحسين جودته في الأسواق، يتساءل الخبير الاقتصادي وائل النحاس: "أين هو المنتج المحلي أصلًا؟". ويلفت إلى أن ثمة منتجات مصرية ظهورها يضر المجتمع من الناحية الصحية، من بينها منتجات اللحوم مثل البرجر الموجود حاليًا في الأسواق.
يضيف: "هذه منتجات طعمها سيء جدًا، وبعضها مجهول الهوية، وأسعارها ليست أقل من المنتج الأجنبي"، على حد وصفه.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن مصر تستورد جزءًا من ألبان البودرة، الذي يعد عاملًا أساسيًا في تصنيع الأجبان والألبان، ما يعني أن مقاطعة الشركات الأجنبية العاملة في هذا المجال سيضغط على التجار والمستثمرين المحليين في جانب توفير العملة الأجنبية. ويوضح: "هذه العلامات التجارية الموجودة في مصر، ووفق تعاقدات المستثمرين، تمنح الشركات جزءًا من المواد الخام المطلوبة للتصنيع، وهذا يخفف الضغط على الدولار".
المقاطعة.. سلاح ذو حدين
يستمر تدوين المصريين على منصات وسائل التواصل الاجتماعي عن تجاربهم مع المقاطعة، وتفضيل المنتج المصري. على سبيل المثال، تقول "سعاد محمد" -25 عامًا-: "أمس ذهبت لشراء طلبات البيت من أحد المحلات، وهناك فوجئت بعدد كبير من الزبائن يفحصون المنتجات للتأكد من كونها مصرية خالصة".
تضيف "سعاد" التي تؤكد على زيادة الشرائح المستجيبة للمقاطعة، أن المسؤولة عن قسم الألبان بالمحل، كانت تطمئن الزبائن بعبارة "ما تقلقوش مصري 100%، ولسه عارضينه حالًا".
حيال هذا، يصف الخبير الاقتصادي وائل النحاس مشاعر المصريين بأنها "جميلة" وهدفها نبيل، لكنه يتساءل: "هل انخفضت أسعار السيارات بعد حملة (خليها تصدي) مثلًا؟"، في إشارة إلى عدم جدوى حملات المقاطعة.
ويشير "النحاس" الذي يرى أن المقاطعة مضرة تمامًا، إلى أن التاجر يعرف "زبونه"، والداعون إلى المقاطعة يخاطبون فئة أخرى غير التي تذهب إلى "ستاربكس" مثلًا. ويستطرد قائلًا: "لا بد أن نفرق في المبادرات، لمن توجه؟ الطبقة المستفيدة التي تشتري هذه المنتجات استفادت بتخفيض أسعار المنتجات الأوروبية، ولا بد أن نعرف من نخاطبه، وهل لها مردود على القضية أم لا؟".
ويشير د.مدحت نافع الخبير الاقتصادي إلى أن المقاطعة سلاح ذو حدين، لأن الداعين لها لا يعلمون ما الأثر الصافي على الاقتصاد المصري مقارنة بالدولة التي نود مقاطعتها.
ويقول الخبير الاقتصادي بعد أن دعا إلى التفرقة بين الحكومات والشعوب في ردود الفعل تجاه المنتجات: "لدينا استثمار مباشر، وأسهل شيء بعد مقاطعته أن يغلق أبوابه ويرحل، وبدلًا من سعينا إلى زيادة الاستثمار الأجنبي في مصر، سننتهي المقاطعة إلى خسارته".
الإيجابي في دعم الصناعة المحلية
ومع ذلك، يضيف "نافع" أن ثمة جانب إيجابي في الاستغناء عن بعض العلامات التجارية، مقابل دعم بدائلها في الأسواق المحلية.
ويؤيد ذلك من زاوية قريبة الخبير الاقتصادي د.وليد جاب الله. يقول: "كل دول العالم تفضل منتجاتها المحلية، ونحن أولى بمنتج بلدنا، وأتمنى أن تكون دعوات شراء المنتج المصري غير مؤقتة".
ويضيف "جاب الله": "أتصور أننا في حاجة إلى التعريف بالمنتج المصري، لأن هناك منتج مصري بنسبة 100% لكنه اضطر لشراء علامة من الخارج، وبهذا تكون العلامة أجنبية لكن المنتج مصري".
ويرفض الخبير الاقتصادي الانسياق خلف وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كامل في دعوات المقاطعة. ويرجع ذلك إلى أن الأمر يحتاج إلى انضباط، حتى لا نضغط على الاستثمار الأجنبي في مصر، خاصة إذا كان يؤسس تكنولوجيا وأشياء مهمة للاقتصاد المصري.
ويستطرد قائلًا: "لو أعطينا المنتج المصري ثقة، لن نحتاج مستقبلًا لعلامات أجنبية من أجل ترويجه، سواء أنتج في مصر باستثمارات وطنية، أو باستثمارات أجنبية".