لا أستطيع التنفس..
اقتربوا منه ليدسوا إبرة الحقنة المخدرة في جسده، قاوم، أجهزوا عليه ثم ضربوا الحقنة في عنـ.قـه .. لم تقـ.تله كما أرادوا.. جاءوا بكيس بلاستيكي ولفوه حول عنقه خنـ.قوه حتى آخر نفس.. سلم جمال خاشقجي روحه ولم يسلم جسده.
تسمع في التسجيل الذي سرب بعضا منه صوت المنشار الكهربائي وهم يقطـ.عون جثـ.ته.. قطعـ.وها إلى أجزاء ووضعوها في أكياس بلاستيكية.. ولم يتم العثور على بقياها حتى الآن. قتـ.ل جمال خاشقجي الصحفي المعارض لنظام بلاده بدم بارد.. لماذا؟! لأنه فقط كان يؤدي عمله.
تعد المهمة الأولى لأى صحفي هي نقل الحقائق لعامة الناس، حتى يستطيعوا التعبير عن رأيهم وصنع قراراهم، إلا أن هذه المهمة لم تعجب أصحاب السلطة على مر العصور، قُتـ.ل الصحفي السعودي خاشجقي لانتقاده الدائم للسياسات التي اتبعتها مؤخرًا السلطات في بلاده.. سياسة الرجل الواحد والصوت الواحد.. انتقد في مقالاته في الواشنطون بوست رأس السلطة بعينه، إلا أن رأس السلطة اليافع هذا.. بكل ما أوتى من تجبر وغرور أصدر تعليماته بعودة خاشقجي قسرا إلى وطنه الأم .. حيا أو ميتا.
اقرأ أيضًا:بأي ذنب حُجزت.. عن "نساء ماسبيرو" في سجون الحبس الاحتياطي
اختار جمال خاشقجي أن يقاوم من حاولوا القبض عليه وتخديره في سفارة بلاده.. اختار بدلا من أن يسلم لهم أن يعود إلى وطنه مقتول.. لكن الغدر والخسة هما ما أوصلهم لأن يقطعوا الذبيحة وينقلوها في الحقائب الدبلوماسية.
حسب الأمم المتحدة، واحدة من كل عشر جرائم ترتكب ضد الصحافيين، يدان فاعلها.. وقضية خاشقجي لم يُحاسب فيها المحرضون الحقيقيون والفاعلون الأصليون، بل قُدم بدلا منهم من فداهم في محاكمة هزلية.
تعاني المجتمعات العربية من سياسة تكميم الأفواه واضطهاد حرية الرأي والتعبير، التي تعد حقا أساسيا من الحقوق الإنسانية التي تنص عليها كافة القوانين الدولية، حيث يتم منع ذلك النوع من الأخبار الذي هو كل ما يحتاجه الجمهور العام لتوجيه بوصلته، واختيار قادتهم، وتبني القرارات التي سوف تساعدهم لتحقيق مستقبل أفضل سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، لأن حق الوصول إلى المعلومات يعد الركيزة الأساسية التي تقوم عليها مفهوم الدولة وأساس الحكم.
ترتكب الأنظمة القمعية العديد من الجـ.رائم ضد الصحفيين والتي أصبحت تعد من المهن الخطرة على الحياة، فبين التهديد أو الفصل التعسفي أو المنع من النشر أو الاعتقال أو الخطف والتعذيب أو القتل تكون حياة كل صحفي يحاول أن ينقل الحقيقة فقط إلى الجمهور، ولا يدان أحد، فالفاعل دائمًا مجهول والقـ.اتل هارب، ودائمًا ما يكون مـ.وت الصحفي أو اختفاءه هو حالة من حالات القضاء والقدر!
فخلال 8 سنوات بين الأعوام 2006 و2013 – تقول الأمم المتحدة – أنه من بين 593 حالة قتـ.ل للصحفيين لم يحسم منها قضائيا ويحاسب عليها فعليا إلا فقط 7% من هذه الحالات.
إن الإفلات من العقاب يزعزع مفهوم دولة القانون، ولكن ماذا يجب علينا أن نفعل إذا كان من عليه تطبيق هذا القانون وإقامة هذه الدولة هو من يفلت من العقاب على هذه الجرائم!
اعترافًا بالعواقب الوخيمة التي تترتب على إفلات المجرمين من العقاب على الجرائم التي ترتكب ضد الصحفيين، أعلنت الأمم المتحدة يوم الثاني من نوفمبر يومًا عالميًا لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، راجين بذلك دعوة كل الدول الأعضاء لمراجعة السياسات العقابية التي ترتكب ضد الصحافيين وذلك من أجل خلق مجتمعات عادلة سلمية و شاملة، ويتضمن ذلك عدة نقاط رئيسية ذات صلة بحرية الصحافة وحرية الحصول على المعلومات والحفاظ على سلامة الصحفيين و احترام سيادة القانون.
كان ذلك في عام 2013، قبل مقـ.تل جمال خاشقجي بخمس سنوات، لذلك فإنه كالعادة لم تحقق منظمة الأمم المتحدة أي نجاح يذكر لفرض قواعدها الدولية على الدول الأعضاء، وبهذا النمط لن تكف عن التنديد والشجب لمقـ.تل صحافي كل يوم!