منذ السابع من أكتوبر، لا حديث يعلو في الأجهزة الاستخبارية الغربية على سؤال كيف وصلت الأسلحة الأمريكية إلى حركة حماس التي تخوض حربًا طاحنة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي والعناصر الداعمة من الجيش الأمريكي، على أطراف شريط غزة الضيق الذي لا تتعدى مساحته 362 كيلومترًا مربعًا.
تتواجد كتائب حركة حماس المعروفة بـ"القسام" في القطاع المعزول بشكل شبه كامل عن بقية العالم منذ ما يقرب من 17 عامًا، مع حصار مفروض عليها جوي وبحري وبري، وعمليات مراقبة واسعة من قبل طائرات المراقبة والأقمار الصناعية، لكن حرب أوكرانيا ربما مثلت لها رافدًا جديدًا للسلاح الخفيف ومضادات الدروع. رأينا ذلك في صاروخ "الكورنيت" روسي الصنع (موجه ومصوّب بأشعة ليزر، وبشكل نصف أوتوماتيكي، دخل الخدمة في 1998).
أسلحة حماس ليست روسية فقط
مارجوري تايلور جرين، عضوة مجلس النواب الأمريكي تقول إن هناك احتمال كبير أن حماس استلمت - من أوكرانيا وأفغانستان - أسلحة أمريكية أيضًا وتستخدمها ضد إسرائيل. وهو تصريح يدعم الشكوك حول تورط الجيش الأوكراني في إعادة بيع أسلحة الناتو إلى الجماعات المسلحة حول العالم، عبر السوق السوداء. وإن كانت اتهامات نفته وسائل إعلام دولية، في وقت لا يزال السؤال حول كيفية وصولها أمر مثير للاستغراب.
أسلحة الناتو في السوق السوداء
وسبق أن قال دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي الحالي، عبر حسابه الرسمي على تطبيق "تيليجرام"، إن "الأسلحة التي تم تسليمها إلى النظام في أوكرانيا تستخدم بشكل نشط في إسرائيل". لكن الغرب اتهمه بإثارة شائعات لإثنائهم عن استكمال دعم كييف بالسلاح، نافين وجود دليل ملموس لإثبات وجود صلة بين ترسانة حماس العسكرية وأوكرانيا.
لكن ذلك لم يثن الصحفي الأمريكي المعروف داني هايجونج، أن يرسل طلب إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي، يقول فيه إن دول حلف شمال الأطلسي التي وفرت أسلحة لأوكرانيا، بقيمة تزيد على 40 مليار دولار على مدى فترة الصراع، والعديد من هذه الأسلحة وصلت إلى السوق السوداء.
أضاف هايجونج: "ظهرت الأسلحة الغربية في السوق السوداء في جميع أنحاء العالم، حيث يتجاهل الموردون الالتزامات بتتبع هذه الأسلحة، وفي الوقت نفسه، تحولت كييف إلى مجرد "استجداء الأسلحة" من الشركاء الغربيين".
لكن أجهزة المخابرات الأوكرانية بدورها نفت تلك المزاعم، واتهمت روسيا بنقل أسلحة تم الاستيلاء عليها مصنوعة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى مقاتلي حماس، من أجل تشويه سمعة إدارة الرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي.
أسلحة أوكرانيا تصل المكسيك
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، زودت دول حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة حليفتها أوكرانيا بأسلحة بلغت قيمتها مليارات اليوروات، لكن، أثارت مع ذلك مخاوف بشأن ما إذا كانت هذه الأسلحة يمكن أن تنتهي في الأيادي الخاطئة.
وبدت تلك المخاوف حقيقية، حينما زعم تقرير تلفزيوني مكسيكي أن العصابات الإجرامية هناك حصلت على سلاح "الرمح" الذي تم استخدامه في حرب أوكرانيا. حيث وجه التقرير اتهامات لكييف ببيعها في السوق السوداء للمنظمات الإجرامية حول العالم.
#AzucenaALas10 | En #Tamaulipas, un presunto miembro del Cártel del Golfo fue grabado portando una de las armas más exclusivas y poderosas, un "javelín", que ha sido utilizado durante la invasión a Ucrania con un valor de entre 20 mil y 60 mil dólares pic.twitter.com/2BGtJMc2Xl
— Azucena Uresti (@azucenau) May 31, 2023
وقال خبراء الأسلحة الغربيين إن السلاح الذي تحدثت عنه المكسيك هو قاذفة صواريخ من طراز AT4 مصنعة بالسويد، وأصغر بكثير من جافلن وأقل تكلفة بحوالي 1500 يورو مقارنة بـ 175000 يورو لجفلن، لكنهم أكدوا في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة والسويد أرسلتا طائرات محملة بـ AT4 إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب.
وهو ما علق عليه فيفيك راماسوامي، مرشح في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري 2024 في الولايات المتحدة، عبر "إكس"، بالقول: "اتضح أن الأسلحة العسكرية الأمريكية التي أرسلناها إلى أوكرانيا. بما في ذلك صواريخ جافلين المضادة للدبابات وقاذفات الصواريخ، ينتهي بها الأمر في أيدي عصابات المخدرات المكسيكية جنوب حدودنا. هذا أمر محرج".
السلاح الأمريكي في يد حماس
في 23 أكتوبر الجاري، فتح رئيس لجنة الرقابة والمساءلة بمجلس النواب الأمريكي جيمس كومر، والممثلة مارجوري تايلور جرين، تحقيقًا في عمليات وسياسات وزارة الدفاع لضمان وصول المساعدات العسكرية الأمريكية بشكل صحيح في الخارج.
وفي رسالة إلى وزير الدفاع لويد أوستن، طلب المشرعون إحاطة للموظفين، بعد ظهور تقارير تظهر أن الأسلحة المصنعة في الولايات المتحدة يتم إعادة توزيعها وإعادة بيعها في الأسواق السوداء لمجموعات مسلحة، من بينها حماس.
وكتب المشرعون: "تشعر اللجنة بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بأن حماس وغيرها ربما حصلت على أسلحة أمريكية الصنع". وأشاروا إلى صور تم نشرها مؤخرًا تظهر مقاتلي حماس يحملون ما يبدو أنه بندقية M4A1 Carbines، والتي تم تصميمها خصيصًا لقوات العمليات الخاصة الأمريكية. ذلك فضلًا عن بندقية إم-16 الأمريكية -التي تقول الصحافة الإسرائيلية- أنها العنصر الرئيسي في تسليح مجموعات المقاومة الفلسطينية، وأصبحت بديلة لبنادق AK-47 التي كانت أكثر شيوعًا في الصور القديمة للمقاومة.
وإم 16 هي بندقية اقتحام أمريكية المنشأ، تستخدمها جيوش دول أخرى بحلف شمال الأطلسي. وهي الآن ضمن تسليح المقاومة في الضفة الغربية وغزة، إلى جانب AK-47 النسخة الروسية من السلاح كلاشينكوف الشهير، ذات الوزن الأخف والمدى الأبعد والأكثر كفاءة، وإن كانت البندقية إم-16 تمتاز عنها في عدد الطلقات التي يمكن إطلاقها في الدقيقة.
أمريكا.. تغذية أفغانستان بالأسلحة
كانت الحروب دومًا عملًا تجاريًا ضخمًا مضمون العائد ورائج لإدارات الولايات المتحدة، المصنفة كأكبر منتج ومصدر للأسلحة والمعدات الدفاعية، والتي زادت صادراتها من الأسلحة بنسبة 14% بين الأعوام 2013-2017 و2018-2022، وشكلت 40% من صادرات الأسلحة العالمية خلال الفترة 2018-2022، وفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وأهلت تلك الإمكانات التصنيعية الولايات المتحدة طوال تاريخها لتقديم كل أنواع الأسلحة إلى مسارح الحرب المختلفة، بينما وصلت إلى ذورة الأمر في حربها ضد حركة طالبان بعد هجمات 11 سبتمبر، بضخ كميات هائلة من الأسلحة والمعدات الدفاعية بمليارات الدولارات.
في فبراير 2020، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفاق سلام مع طالبان، تضمن موعدًا نهائيًا لانسحاب القوات الأمريكية في مايو 2021، نفذه خلفه الرئيس الحالي جو بايدن في 31 أغسطس من العام نفسه.
تبع انسحاب القوات الأمريكية -حينها- انسحاب باقي القوات الأجنبية لدول أخرى، لكنه كان انسحابًا فوضاويًا، سيطرت حركة طالبان خلاله على معظم أجزاء أفغانستان. وفي خضم الاندفاع لمغادرة الدولة التي مزقتها الحرب، تركت القوات الأمريكية وراءها أسلحة ومعدات دفاعية تزيد قيمتها عن 7 مليارات دولار، وجدت طريقها فيما بعد إلى أيدي طالبان.
إيران.. مصدر حماس الرئيسي للسلاح
وفي غزة، لا مؤشرات على صناعة حقيقية لأسلحة ثقيلة لدى حماس، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن إيران الداعم الرئيسي لحماس بالسلاح. ومن هؤلاء الدكتور بلال صعب، زميل بارز ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، الذي يزعم أن الحركة تلقت أسلحة من إيران تم تهريبها إلى قطاع غزة عبر الأنفاق.
ما يتفق معه دانييل بايمان، وهو زميل بارز في مشروع التهديدات العابرة للحدود الوطنية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والذي يؤكد أن إيران ساعدت حماس في تصنيعها المحلي، ما مكن حماس من إنشاء ترساناتها الخاصة، على حد قوله.