كيف فصلت إسرائيل "سكينة الكهرباء" عن المصريين؟

في ردها على أسباب زيادة فترة انقطاع الكهرباء التي بدأت اعتبارًا من يوم أمس السبت، أشارت الحكومة المصرية إلى أزمة في واردات الغاز إلى البلاد. الأمر الذي أوضحه المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء سامح الخشن، في تصريحات متلفزة لإحدى القنوات المحلية، قال: "إن مصر فقدت ما يُقدر بـ 800 مليون قدم مكعب من واردات الغاز يوميًا، توقفت بشكل تام منذ أسابيع قليلة".

إسرائيل تخفض صادرات الغاز لمصر

تربط وكالة "بلومبرج" وقف واردات الغاز بقرار السلطات الإسرائيلية إغلاق حقل غاز تمار البحري، مع مخاوف احتمال تأثره بالقتال بين جيشها وحركة حماس في قطاع غزة.

ففي 9 أكتوبر الجاري، أعلنت شركة "شيفرون"، التي تدير حقل الغاز الذي أمرت إسرائيل بإغلاقه بالإضافة إلى حقل رئيسي آخر، على لسان مديرها المالي بيير بريبر، أن منصة "ليفياثان" التابعة للشركة، زادت الإنتاج للمساعدة في تخفيف الخسارة البالغة مليار قدم مكعب يوميًا من "تمار".

كما أضافت أن "السوق المحلية الإسرائيلية تحظى بالأولوية في هذا الوقت"، مشيرًا إلى أنهم مستمرون في إمداد عملاءهم في الأردن، في حين سيواصلون توريد جزء من عقودهم مع مصر، و"لكن ليست كافة العقود". وهو ما يضر بخطط مصر لتصدير الغاز المسال إلى أوروبا.

اقرأ أيضًا: الغاز والعملة الصعبة.. الثنائي المتهم بقطع الكهرباء عن مصر

إنتاج مصر من الغاز قبل 2005

في 2014، قدم الخبير البترولي المصري إبراهيم زهران صاحب حكم وقف تصدير الغاز لإسرائيل، تقريرًا شاملًا، تناول فيه كيف تحولت مصر من مصدر للغاز إلى مستورد، ضمن شبكة فساد كبرى أضرت بالاقتصاد المصري بشكل بالغ، بمعاونة جهات إسرائيلية.

بدأ الاستغلال التجاري للغاز الطبيعي في مصر في العام 1975، بكمية تعادل 0,4% من إجمالي استهلاك المواد البترولية (زيت خام ومكثفات وغاز طبيعي وبوتاغاز)، والذي وصل خلال السنة 2005 / 2006 إلى ما يوازي نصف إجمالي استهلاك المواد البترولية، علمًا بأن إنتاج الغاز الطبيعي كان 38,3 مليون طن مكافئ في السنة 2005/ 2006 يتم استهلاك 70% منه محليًا.

ومع دخول مصر العام 2003/ 2004 زاد استهلاكها من الغاز الطبيعي من 2 مليون طن مكافئ في السنة 1981/ 1982 إلى 23 مليون طن مكافئ. بينما طبقًا لأرقام سنة 2005، سُجلت باعتبارها الدولة الأولى في استهلاك الغاز في إفريقيا، والثالثة في الوطن العربي بعد السعودية والإمارات. وتصدر قطاع الكهرباء استهلاك الغاز بنسبة %61 من الغاز الطبيعي في السنة 2005/ 2006، تلاه قطاع الصناعة، ثم الأسمدة والأسمنت والحديد والصلب.

اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل

ولهذا رفض العديد من خبراء الطاقة في مصر الاتفاقية التي وقعتها الحكومة المصرية عام 2005، وكان من بينهم "زهران" الذي أوضح أنها تهدد الاحتياطي المصري من الغاز، بتصدير ما يزيد عن 20 تريليون قدم مكعب، بينما تمتلك مصر 28 تريليونًا فقط، ما يعني أنه سيتبقى لمصر أقل من نصف مخزونها، على حد قوله في تصريحات سابقة في العام 2008.

وقضت الاتفاقية بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الطبيعي لمدة 20 عامًا، بثمن يتراوح بين 70 سنتًا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار. وحصلت شركة الغاز الإسرائيلية بموجبها على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من عام 2005 إلى عام 2008. الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا من نواب مجلس الشعب المصري -حينها- إلى الاحتجاج وتقديم طلبات إحاطة لإلغائها.

كما نصّت على إمداد إسرائيل بالغاز الطبيعي في شكله المُسال أولًا، قبل أن تصلها الإمدادات عبر فرع تحت البحر من خط الغاز العربي المخطط له. وتحوّل ذلك الفرع من خط الأنابيب لاحقًا إلى خط العريش-عسقلان، الذي يمتد من مصر إلى إسرائيل مباشرةً.

ومع بدايةً العام 2008 وحتى اندلاع الاضطرابات السياسية التي أعقبت الربيع العربي في مصر عام 2011، كان خط الأنابيب المذكور يزود إسرائيل بنصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي تقريبًا.

خط غاز العريش - عسقلان من مصر إلى إسرائيل والعكس (وكالات)
خط غاز العريش - عسقلان من مصر إلى إسرائيل والعكس (وكالات)

التحول إلى الاستيراد

خلال العامين التاليين، سيطرت الاضطرابات السياسية على مصر، فتعرض خط الأنابيب المار عبر سيناء للتدمير مرةً تلو الأخرى حتى توقف بشكل تام، لتقرر مصر وقفه عن العمل، ثم إلغاء الاتفاقية، لتدخل في صراع قضائي مع إسرائيل بموجب الاتفاقية، حسمته الأخيرة لاحقًا، بسبب تراخي الشركة المصرية في إبداء أسباب فسخ التعاقد مع إسرائيل، والذي لم يستند إلى مبدأ "القوة القاهرة" المنصوص عليه في كل عقود البترول والغاز المصرية على مدى 40 عامًا سابقة، وفق الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق، الأمر الذي منح الجانب الإسرائيلي الفرصة لكسب قضية التحكيم التي لجأت إليها شركة كهرباء "إسرائيل" (مرهاف)، بمساندة من الحكومة الإسرائيلية. وهو ما تحقق بالحكم الذي قضى بتغريم مصر مبلغ 1700 مليون دولار.

يشير فاروق أيضًا، في مقال سابق نشره العام الماضي، إلى الشركات الأجنبية المالكة فعليًا لمعملي الإسالة في منطقة "أدكو" برشيد قرب الإسكندرية وفي دمياط، والتي كانت بمنزلة كعب "أخيل" في ضعف الموقف المصري تجاه "إسرائيل"، على حد قوله.

ويقول إن الشركات الأجنبية مالكة فعليًا لمعملي الإسالة في مصر التي لا تمتلك سوى 20% في كل معمل، ممثلة بالشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" والهيئة المصرية العامة للبترول، ما يمنح الشركات الأجنبية تحديد سياسات الإنتاج واتجاهات التصدير والتسعير معًا.

ويوضح أن هذه الالتزامات إلى جانب الالتزام المصري تجاه إسرائيل -بموجب الحكم الصادر لصالحها عن الاتفاقية الملغاة- أوصل إجمالي الالتزامات المصرية إلى نحو 61.3 مليار متر مكعب من الغاز عام 2011 سنويًا، وسيظل على هذه الحال لمدة 20 عامًا على الأقل.

ومع تعثّر الحكومة المصرية وقطاع البترول والغاز في تنفيذ التزاماتهما تجاه الأطراف كافة، وخصوصًا معملي الإسالة في أدكو ودمياط، عام 2012، دفعت الشركات الأجنبية الحكومة المصرية نحو التعاقد مع إسرائيل لاستيراد الغاز الذي بدأ يتدفق من حقلَي "تمارا" و"نفياثان" في البحر المتوسط، في محاولة لسد التزاماتها، التي تعرقل خطتها لتصدير الغاز المسال إلى أوروبا، في ظل أزمة اقتصادية عنيفة ومعدلات تضخم قياسية تعانيها في السنوات الأخيرة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة