تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري اجتماعًا، الخميس المقبل، لبحث أسعار الفائدة، على مائدة متخمة بالتحديات، ومحاولات معالجة استمرار ارتفاع مستويات التضخم العام. ذلك في وقت تشهد المنطقة توترًا كبيرًا خلقته الحرب على قطاع غزة. بينما لا تزال التوجهات العالمية نحو الإبقاء على سياسة التشديد النقدي، والتنافس على جذب الاستثمارات في أدوات الدين الحكومية.
تثبيت الفائدة "متوقع"
"في الأغلب سيتجه البنك نحو تثبيت الفائدة للحفاظ على الأوضاع النقدية التقييدية لتحقيق معدلات التضخم المستهدفة والبالغة 7% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2024 و5% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026"؛ يقول مسؤول بأحد البنوك الحكومية.

ويوضح -في حديثه لـ"فكر تاني"- أنه رغم توقعات هبوط التضخم في الفترة المقبلة يبقى أنه وصل إلى مرحلة الذروة، خاصة الشهر الماضي. الأمر الذي يرجعه إلى ارتفاع أسعار الخضروات والفاكهة الطازجة، وليس أسعار السلع الغذائية الأساسية.
اقرأ أيضًا: ماذا تُجني مصر من مبادلة الديون مع الصين؟
وارتفع معدل التضخم السنوي في المدن المصرية إلى 38% في سبتمبر الماضي، مقارنة بـ 37.4% في أغسطس الماضي، مسجلًا ارتفاعًا قياسيا للشهر الرابع على التوالي، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. كما واصل معدل التضخم في الجمهورية بأكملها ارتفاعه الشهر الماضي، ليصل إلى 40.3%، مقارنة بـ 39.7% في أغسطس السابق.
وكانت لجنة السياسة النقديـة قررت في اجتماعها السابق في 21 سبتمبر الماضي، الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوي 19.25%، 20.25% و19.75% على الترتيب، لكن رغم تلك المستويات المرتفعة لا يزال التضخم مرتفعًا.
وتعتبر "الفائدة" وثيقة الصلة بحياة المواطن البسيط، إذ تعد أحد وسائل البنك المركزي لمواجهة ارتفاع الأسعار بالتشجيع على الادخار وتقليل الطلب على السلع، في محاولة لزيادة المعروض منها وخفض أسعارها. كما أنها تؤثر بالتبعية على البطالة، باعتبارها أحد الوسائل التي يحسب بها المستثمرون التكلفة قبل ضخ استثمارات جديدة ينتج عنها إتاحة الفرص للتوظيف.
أزمة غزة والفائدة
ترجح حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصاية وعضو مجلس إدارة شركة الحرية للأوراق المالية، أن يثبت البنك المركزي الفائدة بسبب تداعيات الحرب على غزة.

وتضيف: "محتاجين وقت لدراسة أثر التحركات الأخيرة التي اتخذها البنك في ملف العملة زي المبادلة بين الجنيه والعملات الأخرى واتفاقيات مبادلة الديون مع الصين.. دي قرارات تدعم الجنيه في سوق الصرف ومحتاجين نعرف أثرها على الأزمة الحالية".
وتشير حنان رمسيس -في تصريحاتها لـ"فكر تاني"- إلى أن "وزارة المالية حاليًا هي المقترض الأكبر عشان تسد عجز الموازنة العامة للدولة.. رفع الفايدة في الوقت الحالي هيزيد عبء الدين على الوزارة.. فكل 1% زيادة يزيد الدين العام 32 مليار جنيه".
اقرأ أيضًا: الحرب في غزة.. تهديد جديد يواجه الاقتصاد المصري المأزوم
وتتفق مع رأي "حنان رمسيس"، إدارة البحوث بشركة الأهلي "فاروس" لتداول الأوراق المالية، التي تتوقع كذلك أن يبقي البنك المركزي على سعر الفائدة دون تغيير. وذلك مع وصول التضخم للذروة. كما تراجع بنك ستاندرد تشارترد توقعاته السابقة برفع العائد 1% في 2024، مرجحًا تثبيت الفائدة حتى نهاية العام المقبل.
والثلاثاء، نشرت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية تقريرًا في محاولة للتنبؤ بالمصاعب الاقتصادية التي قد تتعرض لها مصر والأردن ولبنان جراء الحرب على غزة. فذكر أن كل دولة من الثلاث تواجه ضغوطًا اقتصادية مختلفة، دفعت صندوق النقد الدولي إلى التحذير في تقريره الصادر في سبتمبر الماضي من أنها قد تفقد "استقرارها الاجتماعي والسياسي".
وينظر الخبراء إلى هذا التحذير الذي صدر قبل فترة وجيزة من هجمات حماس في 7 أكتوبر الجاري، وما قد تسببه الحرب من فوضى اقتصادية، بأنه ضمن العوامل الرئيسية التي قد تدفع "المركزي" إلى تثبيت سعر الفائدة.
تأثير المتغيرات العالمية
يلفت الخبراء كذلك إلى متغيرات أخرى ربما يضعها البنك المركزي في حساباته -خلال اجتماعه المقبل- وعلى رأسها رفع نظيره التركي سعر الفائدة بنحو 5% إلى 35%، ليواصل سياسة التشديد للشهر الثالث على التوالي، مع تكثيف جهوده لكبح التضخم الذي سجل معدل سنوي قدره 61.53% خلال سبتمبر. والمرجح أيضًا ارتفاعه في العام المقبل.
ويعقد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" اجتماعًا يومي 31 أكتوبر والأول من نوفمبر المقبل؛ لبحث أسعار الفائدة. ذلك في وقت يؤكد مسؤولوه أن التضخم لا يزال مرتفعًا للغاية، وأن خفضه إلى المستوى المستهدف يتطلب رفع مستقبلي للفائدة.
هذا كله سيكون على البنك المركزي أخذه في الاعتبار مع الاعتراف بأهمية قاعدة أن الأموال الساخنة تتحرك نحو الأماكن التي توفر نسب فائدة أعلى.
ولعل هذا ما يدفع إدارة البحوث بشركة "إتش سي للأوراق المالية والاستثمار"، أن ترجح ميل لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري إلى رفع سعر الفائدة بـ 200 نقطة أساس قبل نهاية العام، بما في ذلك 100 نقطة أساس في اجتماع الثاني من نوفمبر.
الفائدة الحقيقة لا تزال سلبية
تقول هبة منير، محلل الاقتصاد الكلي بشركة إتش سي، في دراسة للشركة نُشرت مساء الأحد: "رغم توقعاتنا بزيادة سعر الفائدة، فإن العائد الحقيقي في الوقت الحالي سيظل سلبيًا بسبب ارتفاع التضخم المدفوع بنقص المعروض من السلع أكثر من كونه مدفوعًا من جانب زيادة الطلب من المستهلكين".

فوفق حسابات "إتش سي"، فإن العائد المطلوب من البنوك والمستثمرين الأجانب على أذون الخزانة المصرية لمدة 12 شهرًا يقدر بنحو 28%.
ويقصد بالفائدة الحقيقة الفرق بين الفائدة المعلنة بالبنك المركزي المصري ومعدل التضخم. وبسبب ارتفاع الأخير فإن الفائدة الحقيقة في مصر سلبية، لا تغري بعض المستثمرين الأجانب. ولعل هذا أحد أسباب خروج أموال ساخنة من مصر منذ أن بدأ الفيدرالي الأمريكي رفع الفائدة.
وتتوقع "هبة منير" استمرار التضخم المصري في الارتفاع خلال أكتوبر الحالي بنسبة 2.6% على أساس شهري مقابل 2% في سبتمبر، و38% على أساس سنوي في أكتوبر. ذلك بسبب نقص المطروح من السلع والمنتجات الأساسية في السوق المحلية، مع تقييد الاستيراد وتصدير بعض المحاصيل الزراعية للخارج ونقص المعروض من العملة الصعبة والأثر الموسمي للعام الدراسي في المدارس والجامعات.
الحكومة تحارب التضخم بخفض الجمارك

في المقابل، يرى بعض الخبراء أن السياسات التي اتخذتها الدولة أخيرًا بتعليق رسوم وجمارك على عدد من مستلزمات الإنتاج لفترة 6 أشهر وخفض أسعار 7 مجموعات سلع رئيسية بين 15% و25% تستهدف خفض التضخم، مشيرين إلى أن ظهور أثرها سيكون محسوسًا في وقت قريب.
محمد عبدالعال، الخبير المصرفي، من أنصار ذلك التوجه مرجحًا تثبيت البنك المركزي سعر الفائدة وحتى نهاية العام الجاري بعد تنفيذ مبادرة خفض السلع من يوم 14 أكتوبر الجاري وفق الاتفاق المعلن، قائلاً: " رفع الفائدةبدون جدوى فالتضخم في مصر لا يرتبط بعوامل الطلب.. رفع الفائدةة هينعكس سلبًا على زيادة التكلفة على القطاع الخاص ، وهذا الأمر سيزيد أسعار السلع وبالتالي يزود التضخم".