شاركت في مطلع الأسبوع السابق في ندوة بعنوان "طوفان الأقصى: الأسباب والمآلات"، نظمها مركز الخليج للدراسات الإيرانية عبر منصة "إكس"، تويتر سابقاً. شارك في الندوة أيضا أساتذة متخصصون في الشؤون الدولية والشأن الإقليمي والشأن الإيراني، من سوريا والعراق ومصر.
لم يطرح المشاركون في الندوة وجهات نظرهم لتقييم الجولة الراهنة من جولات الصراع التاريخي الممتد مع إسرائيل وحسب، وإنما طرحوا أيضًا معلومات جديدة تسلط الضوء على جوانب كاشفة للأبعاد المعقدة والمتشابكة في هذا الصراع، مما أضفى على الندوة ثراءً وأعطى لها قيمة مضافة.
لكن منظمي الندوة فوجئوا بأن المنصة المملوكة للملياردير إيلون ماسك، قامت بحذف المحتوى كاملاً، مما يؤكد موقفها المتحيز لإسرائيل، وأنها كانت تعمل بتعليمات من مكتب التحقيقات الاتحادية حسبما قال رئيس مجلس النواب الجمهوري الجديد مايك جونسون، وهو أستاذ للقانون الدستوري في بيان له أمام الكونجرس.
وأبلغني الصديق العزيز والصحفي اللامع شريف عبد الحميد، مدير المركز بأن المنصة كانت تقوم بتسجيل المحتوى وحفظه وإتاحته لبعض الوقت، لكنهم قرروا حذفه دون إشعار. من المعروف أن إيلون ماسك أدخل تعديلات كثيرة على السياسة التحريرية للمنصة، لاعتبارات تجارية تتعلق بجني المزيد من الأرباح وأيضًا لاعتبارات سياسية للتحكم في المعلومات التي يمكن تمريرها من خلال التفاعلات عبر المنصة الأوسع انتشارا ورواجا، ولا نعرف سبب هذا القرار وهل دافعه الربح أم هناك اعتبارات أخرى تقف وراءه.
كان قراري عندما علمت بهذه الواقعة أن أكتب مقالًا أحاول فيه توثيق ما يمكن توثيقه مما حفظت ذاكرتي مما ذكر وأثير في هذه الندوة، وهكذا فعل الدكتور عبد القادر نعناع، رئيس المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط، حسبما علمت، على أمل أن يتم جمع المقالات التي تحاول توثيق هذا النقاش كي تكون مصدراً يوثق حقائق وآراء طرحت في هذه الندوة بشأن موضوع مصيري بالنسبة لنا، ألا وهو الحرب على غزة.
تضمنت الندوة ثلاثة محاور تم من خلالها تسليط الضوء على جوانب مختلفة فيما يخص الحرب الدائرة الآن في غزة. يتعلق المحور الأول منها بتداعيات هذه الجولة على المقاومة الفلسطينية ومحاولة تقييم ما إذا كان الهجوم الذي شنه مقاتلون من حماس والجهاد الإسلامي قلب موازين القوى بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، والتغييرات التي طرأت على آليات عمل المقاومة والنتائج المتوقعة من ذلك عسكريا، وتأثير ذلك على الأمن المصري وعلى دور مصر في القضية، والتأثيرات المتوقعة على مستقبل الحل السياسي سواء حل الدولتين أو أي حل آخر.
وهناك محور متعلق بالدور الإيراني في هذا الهجوم والعلاقات بين إيران وحماس وعما إذا كانت هذه العملية جزء من خطة أكبر لمحور المقاومة الذي ترعاه إيران ويضم حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله اللبناني وجماعات شيعية مسلحة وجماعة الحوثيين في اليمن أم أنها عملية محدودة.
المحور الثالث يتعلق بالموقف الإقليمي والدولي وتأثير مواقف القوى الإقليمية والدولية على مسارات هذا الصراع ومستقبله.
اقرأ أيضًا:شرطة "أخلاق المترو".. عن العنف المتكرر تجاه الإيرانيات في معركة الحجاب
حسابات إيرانية خاصة
لم تمض الندوة وفق الترتيب المعد سلفًا، الذي تغير بسبب مشكلات فنية، فبدأت بالمحور الثاني الذي تحدث فيها الكاتب الصحفي أسامة الهتيمي، الكاتب الصحفي المصري المتخصص في الشؤون الإيرانية والدكتورة حنان عبد اللطيف، المدير الإقليمي لمركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الانسان، من العراق.
وعلى الرغم من الخلاف حول تقييم حدود الدور الإيراني في الحرب الراهنة، إلا أن الأستاذ الهتيمي قدم معلومات مهمة في هذا الصدد من شأنها أن تعين على فهم الدور الإيراني في الصراع وحدوده وأبعاده.
فالمعلومات التي سردها تشير إلى حرص متبادل من قبل المسؤولين في إيران وفي الولايات المتحدة وإسرائيل على استبعاد أي دور مباشر لإيران في هذه المواجهة الأخيرة تحديداً، واستند في ذلك إلى تصريحات أدلى بها مسؤولون إيرانيون، نفوا أن يكون لهم أي دور في العملية الأخيرة أو دعمها، رغم تأييدهم الصريح والمعلن للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد إسرائيل وهدفهم المعلن بالقضاء على إسرائيل.
في المقابل قال مسؤولون أمريكيون، من بينهم أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، ومسؤولون إسرائيليون إنه لا يملكون دليلاً على دور إيراني مباشر في الهجوم الذي شنته حماس، الأمر الذي يعكس رغبة متبادلة بين الجانبين على تجنب الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة.
وباستثناء بعض العمليات المحدودة لحزب الله على الجبهة الشمالية والتهديد بالتدخل إذا توغلت القوات الإسرائيلية برا في قطاع غزة. هناك اتفاق بين الأستاذ الهتيمي والدكتورة حنان عبد اللطيف على أن حسابات إيران في المواجهة مع إسرائيل تختلف تمامًا عن حسابات حماس، وأن العلاقات بين إيران وحماس توترت لسنوات بسبب الخلاف على الحرب في سوريا.
وحظي تحليل السلوك الإيراني خلال هذه الأزمة ومواقفها من الدول العربية وعلاقتها بمحور المقاومة المؤلف بشكل أساسي من جماعات مسلحة باتت تتحرك على مستوى إقليمي تنشأ بينهم أطر للتنسيق والتكافل فيما بينها.
وتطرق النقاش لحدود الدعم الإيراني لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى وما إذا كان "طوفان الأقصى" عملية استهدفت بالأساس خدمة المصالح الإيرانية، وما هي الأهداف التي تسعى إيران لجنيها من خلال هذه العملية بغض النظر عن مسألة دورها المباشر في التخطيط، أو دورها غير المباشر من خلال دعم المقاومة الفلسطينية بالسلاح والتدريب وتبادل الخبرات القتالية. وتأثير الحسابات الإيرانية على احتمال تدخل حزب الله وفتح جبهة أخرى في الحرب مع إسرائيل.
اقرأ أيضًا:الاضطهاد وربما القتل.. عرب ملاحقون بتهمة "دعم فلسطين"
طوفان الأقصى وميزان القوة
وفيما يتعلق بما إذا كانت عملية "طوفان الأقصى" قد قلبت موازين القوى بين المقاومة الإسلامية وإسرائيل، فقد كانت محل خلاف. ففيما رأيت أن العملية لم تحدث أي تغيير جذري في ميزان القوة بين الجانبين، كان رأي الأستاذ شريف عبد الحميد أنها أحدثت انقلابا في ميزان القوة مع إسرائيل وشكلت نقلة نوعية في أساليب المقاومة.
ووفقا لتحليل العمليات، فإنه على رغم الخسائر التي تكبدتها إسرائيل، إلا أنها تتمتع بقوة عسكرية هائلة على مستوى التسليح والقتال مقارنة بمقاتلي حزب الله والمقاومة الفلسطينية مكنتها من إنهاء سيطرة المقاتلين على المستوطنات والبلدات في منطقة غلاف غزة بسرعة، واستعادة الزمام، ومكنتها من توجيه ضربات مؤلمة لقطاع غزة على مدى ما يقرب من ثلاثة أسابيع كما أنها تتمتع بدعم عسكري غير محدود من الولايات المتحدة والدول الأوروبية يعوض أي خسائر قد تتعرض لها، بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي والسياسي.
وبينما تستطيع إسرائيل تقليل الخسائر البشرية واتخاذ إجراءات لتأمين السكان ونقلهم لأماكن بعيدة عن جبهات القتال، تحارب حماس وسط حصار وتتعرض الأهداف في غزة لقصف متواصل، تتعرض غزة لتدمير واسع النطاق وتتعرض لخسائر فادحة بشرية ومادية. كذلك تحظى إسرائيل في ردها على هجوم مقاتلي حماس والجهاد بدعم دولي غير مسبوق، في حين لم تخرج مظاهرات كبيرة تندد بجرائم إسرائيل في غزة في الأيام العشرة الأولى من الحرب، ولم يظهر المجتمع الدولي ولا الرأي العام العالمي موقفا حازما يضع حدًا للعدوان الإسرائيلي.
مصر- الدور وأزمة التهجير
وفيما يتعلق بتأثير ما يجري في غزة على مصر وأمنها تم التطرق إلى خيار تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء لفرض التصور الإسرائيلي للحل من خلال مشروع الدولة الفلسطينية الجديدة التي تقام على أرض سيناء المصرية، وهو موقف تعلن مصر رفضها القاطع له لما قد يترتب عليه من توسيع دائرة الصراع، ولا يساعد في الحل العادل للقضية الفلسطينية ولا يلبي التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني.
كذلك هناك احتمالات لتطور الحرب في غزة إلى حرب إقليمية تتورط فيها دول أخرى وهناك احتمالات لاندلاع حرب مصرية-إسرائيلية جديدة قد تغير من معادلة الصراع. وفي كل الأحوال تشكل الحرب في غزة مخاطر على الأمن المصري.
وفيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في إيجاد حل للوضع الحالي عبر الوساطة بين الطرفين لكن بعد وقف إطلاق النار، تمارس القاهرة ضغوطا دبلوماسية على الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل إدخال المساعدات لسكان غزة وتقديم الدعم الإنساني وفتح المعبر للمصابين والجرحى الفلسطينيين لعلاجهم في المستشفيات المصرية وخروج بعض الحالات الإنسانية.
ومن غير المتوقع أن يكون للحرب الدائرة الآن تأثير كبير على مستقبل التسوية السياسية للمشكلة الفلسطينية، فمن ناحية يعتمد ذلك على التأثير المتوقع أن تحدثه المواجهة على تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية، والأرجح أن هذه الحرب ستؤدي إلى إدخال تعديلات على تركيبة الحكومة نتيجة لعملية المحاسبة السياسية التي من المتوقع أن تجري بعد توقف العمليات العسكرية قد تؤدي إلى تشكيل حكومة ائتلافية جديدة بدون انتخابات أو إجراء انتخابات مبكرة يعقبها تشكيل حكومة جديدة حسب ما ستفر عنه الانتخابات.
لكن من المستبعد أن تشرع أي حكومة ائتلافية في محادثات حول قضايا الحل النهائي لاستكمال اتفاق أوسلو في ظل الضعف الشديد لأحزاب اليسار في إسرائيل وهيمنة الأحزاب اليمينية. والأرجح، أن تواصل أي حكومة جديدة السياسات ذاتها ردا على أي هجمات تشنها فصائل المقاومة في قطاع غزة أو في الضفة الغربية بمزيد من العنف. ولإحراز تقدم في المفاوضات وفي التسوية السياسية لابد من ممارسة ضغوط خارجية كبيرة على الحكومة الإسرائيلية أو بتغيير استراتيجية المواجهة الفلسطينية والعربية للسياسات الإسرائيلية.
وفي تحليله للوضع الدولي، تطرق الدكتور عبد القادر نعناع إلى الموقف في مجلس الأمن الدولي وموقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية وموقف الصين وروسيا، وتطرق إلى التأثيرات المتبادلة بين الحرب في أوكرانيا والحرب في غزة. لكنه استبعد حدوث تحول جذري في المواقف الدولية إلا في حالة توسع نطاق الحرب في غزة على المستوى الإقليمي الأوسع.
لكنه أشار إلى أن عملية طوفان الأقصى وجهت ضربة للمشروعات الأمريكية في المنطقة، يدعم ذلك دخول الحوثيين على خط المواجهة بمحاولة استهداف قوات أمريكية في البحر الأحمر. وعن دور القوات الأمريكية والأوروبية التي أرسلت إلى منطقة شرق المتوسط والبحر الأحمر فكان تقديره أن الغرض من نشرها هو الاستعداد لأي تدهور في المواجهات العسكرية وإجلاء رعايا هذه الدول من المنطقة وردع إيران وحزب الله عن التدخل في الحرب.
هذا جانب من الموضوعات والقضايا والآراء التي جرى تداولها في الندوة التي شارك فيها أيضا مستمعون من سوريا والعراق ولبنان ومصر كانت لهم أيضا مساهمات قيمة على مستوى الرأي والتحليل والمعلومة. من المؤسف حقاً ألا تكون متاحة للجمهور الأوسع للاستماع إليها والاستفادة منها.
يعني انا مش فاهم! موازين قوى ايه اللي انقلبت لصالح حماس!
اقرأوا رد الاستاذ اشرف راضي !! بفقرة واحدة سرد حقائق تفند هذا الزعم. مشكلة ان لسه فيه ناس بتقيم تحليلها السياسي على العواطف !! سميه ego massage or wishful thinking. النتيجة تدمير بنية تحتية لاثنين مليون انسان دا غير الابرياء اللي قتلوا بلا سبب سوى قرار ارعن ام يحقق شيئا ايجابيا على ارض الواقع و بعدين اشاوس "المقاومة" يختفون تحت الارض ليدفع الثمن الطفل الفلسطيني. شوية واقعية سياسية الله يخليك يا استاذ شريف - رغم كل احترامي لشخصك- و لكن ان نلوي عنق الحقيقة كذا بدون دليل و نقول ان ميزان القوة صار في صالح حماس فهو امر لا يتفق و الحقائق على ارض الواقع.
تحياتي