استهدفها "طوفان الأقصى".. التاريخ الفلسطيني لـ 4 قرى بمستوطنات غزة

يمكن القول إن تهويد فلسطين و"عبرنة" مدنها بدأ مع الحركة الصهيونية. ففي العام 1878 بدأت الحركة إقامة أولى مستعمراتها بيتح كفاح (باب الأمل) على أراضي الجاعونة شمال الجليل شمالي الأراضي المحتلة. الأمر الذي أعقبه تشكيل الوكالة اليهودية "لجنة أسماء" في أوائل القرن التاسع عشر، تساعد في اختيار أسماء المستعمرات. حيث تم خلال الفترة من 1922 إلى 1948 تغيير أسماء 216 موقعًا.

نكبة العام 1948 (وكالات)
نكبة العام 1948 (وكالات)

وبعد ذلك التاريخ، بادر رئيس الوزراء الأول في الاحتلال ديفيد بن جوريون بضم هذه اللجنة إلى ديوانه مباشرة، وكانت مكونة من 24 عضوًا خبيرًا في الجغرافيا والتاريخ والتوراة والآثار وغيرها، إضافة إلى مندوبين من الوزارات والجيش، وفق ما يذكره الأديب والمؤرخ الفلسطيني شكري عرّاف في مقدمة كتابه "المواقع الجغرافية في فلسطين".

اقرأ أيضًا: “لو لم تكن لاخترعناها”.. أمريكا تنزع “رداء الأخلاقيات” دومًا لإسرائيل

وتفعيلًا للمخطط الصهيوني، بدأ تهجير الفلسطينيين في العام 1948 عندما نَزَح أو طُرِد أكثر من 700 ألف فلسطيني -قُرابَة نصف سكان فلسطين العرب آنذاك- من بيوتهم خلال احتلال فلسطين. إذ كان التهجير عاملًا مركزيًّا في تشتيت المجتمع الفلسطيني، والاستيلاء على ممتلكاته، وإبعاده عن أرضه، وهو ما يعرف باسم النكبة، في إشارة إلى الفترة التي تزيد مدتها عن مدة الحرب نفسها والاضطهاد الذي جاء بعد الحرب والمستمرّ حتى الوقت الحاضر، والذي يمكن اعتبار حرب غزة ودعوة سكانها إلى النزوح حلقة جديدة فيه، ردًا على هجوم نُفذ على مستوطنات في غلاف غزة كانت جزءًا من التاريخ الفلسطيني قبل احتلالها في نكبة 48.

نجد بين سديروت وأوهايز

تذكر موسوعة القرى الفلسطينية، المعنية بتوثيق قرى فلسطين، أنه قبل النكبة، تمكن الصهاينة في أرض فلسطين من إزالة 31 قرية، بينما استطاعوا بعدها إزالة 370 قرية كاملة، وهجروا 142 أخرى من سكانها، وبقيت 418 قرية تصارع من أجل الإبقاء على هويتها.

من هذه القرى التي أزيلت بعد النكبة "قرية نجد - قضاء غزة"، وبُنيت منازلها على قطعة أرض مستوية في السهل الساحلي الجنوبي لفلسطين.

صورة نادرة لنجد ترجع للعام 48 (1)
صورة نادرة لنجد ترجع للعام 48 (1)

تأسست "نجد" على مساحة تبلغ 13576 كم مربع، بينما شغلت مساحة المنازل حوالي 26 كم منها، وتم احتلالها في 13 مايو 1948، وفقًا لكتاب "كي لا ننسى" المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي.

التراث المنقول شفاهيًا يذكر قرابة عشر عائلات كانت تسكن قرية "نجد". بينما قُدِر عدد سكانها عام 1922 بحوالي 305 نسمة. وارتفع في إحصائيات عام 1931 إلى 422 نسمة، كانوا جميعهم من العرب المسلمين ولهم حتى ذلك التاريخ 82 منزلًا. فيما في أواسط الأربعينيات 1945، بلغ عددهم 620 نسمة، ليسجل عشية النكبة عام 1948 حوالي 719 نسمة، وعدد منازل القرية حتى ذلك التاريخ 139 منزلًا. وقُدِر عدد اللاجئين من أبناء القرية عام 1998 بـ 4417 نسمة.

كانت "نجد" تتوسط قرية سمسم شمالًا، وقرية برير من الشمال الشرقي، وقرى حرقة كوفخة وهوج جنوبًا، ومدينة بيت حانون من الجنوب الغربي، وقرية دَمرة غربًا. بينما تقسم القرية الآن بين مستوطنتي سديروت، وأوهايز. 

الِخصاص ضمتها أشكلون

قرية فلسطينية مُزالة، كانت قائمة على أرض مستوية في المنطقة الساحلية وتحيط بها من جانبيها الشمالي والغربي كثبان الرمل.

إداريًا، كانت "خربة الخصاص" تتبع قضاء مدينة غزة، إذ تقع في ناحيتها الشمالية الشرقية، وتبعد عنها مسافة 18كم، وبارتفاع لا يزيد عن 25مترًا عن مستوى سطح البحر.

قُدِرت مساحة أراضي "خربة الخصاص" بـ 6269 كم مربع، وشغلت أبنيتها ومنازلها ما مساحته 10 دونم من مجمل تلك المساحة. ويعود اسمها إلى جمع "خص"، وهو البيت الذي يشبه العش من القصب أو الخوص. وربما تعود تسميتها إلى طبيعتها الزراعية التي ساعدت فيها خصوبة التربة ووفرة المياه العذبة للزراعة والمناخ المتوسطي المعتدل. 

آثار باقية من قرية الخصاص
آثار باقية من قرية الخصاص

احتلت القرية مع نهاية عملية "يوآف"، حيث دخلتها عصابات الاحتلال، وطردوا سكانها منها في 5 نوفمبر 1948، ودمرت منازلها بشكل كامل عقب احتلالها.

واليوم لا يبقى من القرية سوى بعض أنقاض المنازل المدمرة، تنمو فوقها نباتات الصبار وأشجار النخيل والجميز، فضلًا عن ست أشجار من الكينا. أما الأراضي المحيطة بالموقع، فتقوم هيئة تطوير حكومية تابعة للاحتلال بزراعتها. وقد ضمت هذه الأراضي إلى مستعمرة أشكلون المقامة على مقربة من أراضي القرية. 

أسدود إلى سدى عزياهو وشتولم

قرية عربية تقع إلى الشمال الشرقي لغزة، على الطريق الرئيسة للسهل الساحلي، وترتبط بالقدس بطريق معبدة. بها محطة سكة حديد يمر بها خط القنطرة - حيفا.

نشأت القرية على ربوة ترتفع 42مترًا فوق سطح البحر، وتبعد عن شاطئ البحر المتوسط نحو 5 كم، و6 كم عن نهر صقرير، الذي يمر بشمالها في طريقه إلى البحر المتوسط.

آثار قرية أسدود
آثار قرية أسدود

وهي "المدينة الحصن" كما كان يطلق عليها سكانها الكنعانيون قبل الميلاد، والتي دلت الحفريات الأثرية بها في الستينات من هذا القرن على أن أسدود الفلسطينية كانت على جانب كبير من الحضارة والغنى المادي. حيث اكتشفت أختام كتبت بخط غير معروف وألواح وأوان دينية مختلفة. بيد أن وقوع المدينة على الطريق الساحلي الذي يصل بين سورية ومصر جر عليها كثيرًا من ويلات الحروب، وخاصة تلك التي نشبت بين الآشوريين (رَ: أشور) والمصريين (رَ: الفراعنة). 

جذب موقع أسدود الطبيعي البشر للإقامة فيها. وكان عدد سكانها من 2.566 نسمة عام 1922 إلى 3.138 نسمة عام 1931، وإلى 4.630 نسمة عام 1945. وتوسعت القرية عمرانيًا حتى أصبحت مساحتها في أواخر الانتداب البريطاني 131 كم مربع، يشغلها أكثر من 850 بيتًا.

ضمت القرية مسجدين ومدرستين؛ واحدة للبنين وأخرى للبنات. بالإضافة إلى المحلات التجارية المختلفة. وفي عام 1950 أقام الاحتلال عليها مستعمرتي "سدى عزياهو" و"شتولم".

برقة إلى جان يبنا وبتسارون 

نشأت قرية بَرْقَة فوق بقعة منبسطة من السهل الساحلي الفلسطيني، إلى الشرق من الكثبان الرملية الشاطئية، وتبعد حوالي 4 كم عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط. ترتفع القرية نحو 45م عن سطح البحر. ويمر بطرفها الجنوبي وادي "العسل"، الذي يرفد نهر "سُكرير". كما يجري في أرضها وادي الدواهيد أو وادي بَرْقَة، حيث يأتي من الجبال الشرقية مارًا بقُرى: البطاني الشرقية، وياسور، والمسمية، و القسطينة. كما يمر بها وادي الوسطة الذي يصب في وادي الدواهيد (وادي بَرْقَة). 

تتكون القرية من عدة بيوت متلاصقة، وكل بيت عبارة عن حوش واسع، يتكون من عدة غرف بمساحة (4x4 متر). وقد بلغ عدد بيوت القرية حوالي 160 بيتًا. وكان رب الأسرة يمتلك حوشًا واسعًا، وكل واحد من أبنائه له غرفة داخل هذا الحوش، وللحوش مساحة واسعة محيطة، ولكل غرفة شباك تطل على الحوش، بمساحة حوالي (1x1 متر). 

مستعمرات برقة لم تؤسس غصبًا أو عن طريق المعارك كما حدث في نجد وأسدود وخصاص، لكن في غفلة من الزمن. يروي الشهود: "بدأنا نلاحظ بعض الأكشاك والتخشيب بين الواحدة والأخرى حوالي (100 – 200) متر داخل الأرض، التي كانت بالأصل أراضي غير زراعية (كانت متروكة). ثم أصبحت بعد فترة مستعمرات واسعة، مزروعة بالحمضيات.

قرية برقة
قرية برقة

ولم يستطع الرواة تحديد في أي سنة بالضبط أنشأت تلك المستعمرة. وهو ما يبدو مفهومًا ومبررًا، لأن عملية شراء الأرض وانتقال ملكيتها وتجهيزها لتصبح صالحة للزراعة والسكن قد مرت بمراحل، بما يعنى صعوبة تحديد تاريخ واضح لنشأتها. 

وواقع الحال، أن مستعمرتين كبيرتين قد أقيمتا على أراضي القرية، وهما: مستعمرة "جان يبنا" ومساحتها (4,568 دونم)، وعدد سكانها 476 نسمة. وقد اختلفت الكتب والمراجع حول سنة التأسيس؛ ففي حين أرخ عارف العارف لتأسيسها في عام 1933م، ذكرت الموسوعة الفلسطينية أن بداية التأسيس كان في عام 1931م. وأما المستعمرة الثانية فهي "بتسارون"، وقد تأسست سنة 1933م، ومساحتها (1,130 دونم)، وعدد سكانها 211.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة